منى أبو النصر
اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب أعماله أخيرا.. عدد يقارب الخمسة ملايين زائر، ومشهد في مجمله مطمئن، وإن كان حديثا جادا فلابد أن يطرح استعدادا للدورة الـ 50 للمعرض العام المقبل.
سأتجاوز في هذه المساحة تماما الشق الخاص بالنشر والمشاركات وحجم المبيعات وأسعار الكتاب وتسهيلات الناشرين لما هو آخر، إلى حديث عن “التنظيم” الذي لا تتعاطى معه المحافل الدولية بوصفه أمرا هامشيا أبدا.
معرض القاهرة للكتاب يحتاج لإعادة توصيف.. إعادة الترويج له ليس بوصفه أحد أقدم معارض الشرق الأوسط، أو أعلاها من حيث عدد الزوار، أو الأعرق في المحافل العربية أو كل الصيغ المقاربة، والنظر له بإخلاص والتجاوز عما صنع التاريخ، ومواجهة ما يمكن بذله في خطة زمنية مدتها سنة للتصدي لمشكلات المعرض التنظيمية، الذي تضرب فيه الـ”عشوائية” بكل أريحية، عشوائية بصرية وسمعية لا يمكن أن تخطئها بمجرد الاقتراب من بواباته، فهذه عربة “كارافان” للأكل تستقبلك أمام بوابة معرض الكتاب عند بوابات “صلاح سالم”، تدير مذياعها بأعلى صوت لـ “إلعب يالا” معلنة أنك على أعتاب معرض القاهرة “الدولي” للكتاب، لتدخل على وقع الصوت لما هو أبعد.
1- الوزيرة إيناس عبد الدايم، تولت الوزارة قبل أيام من الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة للكتاب، تابعت فقط الاستعدادات في صورتها النهائية ولا يمكن تحميلها مسئوليات التنظيم، ولكن تنظيم الدورة الجديدة “الدورة الخمسين” لابد أن يبدأ من الآن، إذا توفرت الإرادة لدى الوزيرة لإدخال تحول ملموس في مظهر المعرض الشاحب والرمادي.
نرشح لك: الكتب الأكثر مبيعا بـ 27 دار نشر بمعرض الكتاب 2018
2- مشهد كل عام من تضرر الناشرين المستأجرين للخيام بسبب الأمطار، مشهد على غرار “الديجافو”، فموعد معرض الكتاب لا يتغير، فهو يأتي دوما “في عز شتاء يناير وفبراير”. لكننا نقرأ خبرا سنويا معاد عن قيام الهيئة العامة للكتاب بتفقد خيام المتضررين وتعويضهم، لم نُحاط بأساليب خارج الصندوق لتوفير منصات عرض للناشرين غير القادرين على العرض بالصالات الأنيقة، كتشييد، مظلات أو أسطح معدنية دون تكلفة بناء قاعات ودون الاحتكام لقهر الخيام الرثة البالية التي لا تقي من مطر ولا تحمي رأس مالهم الغني أدبا وفكرا.
3- لابد أن معظم المسئولين عن معرض الكتاب في مصر قد قاموا بزيارة معارض دولية أخرى، مثل فرانكفورت على سبيل المثال، وليس من الصعب الاستدلال على أفكار بسيطة في التخطيط لصالات العرض، التي هي في مجملها أساليب بسيطة وغير “مكلفة”، أغلبها يتعلق بتنظيم وتنسيق الأجنحة. فعلى سبيل المثال، عند زيارة جناح الهيئة العامة للكتاب تجد أن دُررا من الأدب العالمي المترجم -مثل السلاسل الذهبية- ملقاة على الأرض، بإهمال يشي بعدم اعتداد أصحاب الجناح الرسمي بقيمة ما يعرضون، وهي كارثة. علاوة على “خيام” الندوات والأمسيات الشعرية البالية، التي يحضرها ضيوف من خارج مصر، وهي في مجملها أماكن “مُخجلة” لا تليق بمُضيف يتحدث عن معرضه بوصفه محفل دولي.
4- معارض الكتاب في العالم هي مناسبات حافلة بألوان الموسيقى والفلكلور، فعلى امتداد المساحة الشاسعة لأرض المعرض تجد مسرحا مكشوفا بجوار مدخل صلاح سالم، للعروض الغنائية والشعرية والرقصات، في الوقت الذي لن تلتقي فيه على جنبات المعرض بعروض لمسارح الشارع، أو فرق صغيرة تستعين بآلة “كمان” أو ربما آلتين يستريح لأنغامها المارة العابرون بين الأجنحة، أو التوقف دقائق في حضرة رسَامين بورتريه، أو وجود أكشاك لبيع الزهور، أو حتى مساحات خضراء بسيطة تجدد نسيم المكان، كما في المعارض العالمية التي تسعى لتوظيف كل شبر من أرضها لصالح الجهة المنظمة والجمهور.
5- الوقوف أمام ما يمكن وصفه بـ “شريط الصوت” لمعرض الكتاب أمر يتطلب مجلدات للحديث عنه، فالحرية حق مكفول للجميع، ولكن هل ثمة معايير يضعها المنظمون فيما يتعلق بمعدل ارتفاع الصوت الصادر عن المطاعم أو الأكشاك؟ هل ثمة استغلال للإقبال الجماهيري على محفل الكتب لمحاولة الارتقاء بالذائقة الموسيقية ولو لساعات قليلة هي مدة زيارتهم للمعرض، ربما بمحاولة زيادة عدد الفرق الموسيقية الحرة الصغيرة به، أو حتى منع تشغيل الأغاني الصادرة عن الأكشاك، تفاديا للعشوائية السمعية، وبث موسيقى كلاسيكية موحدة أو وصلات لأم كلثوم مثلا، وهذا النظام معمول به في ساحة الأوبرا المصرية، أي قابلا للتطبيق.
6- تفصيلا للنقطة السابقة لا توجد أي رقابة “إيجابية” على الضجيج الذي يتسبب فيه العدد الأكبر من العارضين ومحلات بيع الطعام، المنتشرة بعبثية وتلوث، الأصوات تتنافس في الارتفاع، ما بين “العب يالا”، للمفارقة هي الأغنية الأكثر تداولا في المعرض هذا العام، و”عيدوا رقصتي” جنبا إلى جنب مع صوت عال صادر عن جناح يروج لقصائد هشام الجخ.
7- منطقة المطاعم هي محور اقتصادي واجتماعي رئيسي في أي منطقة كثافة عددية، بنظرة خاطفة المطاعم مكدسة، الطاولات ممتلئة، الشاورما السورية عنصر رئيسي، الفوضى تضرب في المنطقة وتفقدك الشغف للاستراحة بعد عناء التجوال، الطاولات والكراسي بالية، تبرز منها المسامير، والأسطح المهترئة، لا تشي بأي جهد تنظيمي في التخطيط لهذه المنطقة، ولا مثلا لتوحيد ألوان الطاولات أو استبعاد الكراسي المكسورة، والأسوء أنها ساحة ليس لها علاقة بالنظافة من قريب أو بعيد، وهو أمر يعتبر غيابه سُبة لمنظمي معرض دولي وواجهة للدولة، سأذكر مثلا أنني جلست بطاولة مقاربة لشجرة، تحول أسفل تلك الشجرة لمقلب قمامة لبقايا الطعام والأكواب الفارغة وحفاضات الأطفال، في قلب معرض الكتاب!
8- لا ننسى طعنة “صفر المونديال” التي كان من أبرز أسبابها عدم توفر حمامات عامة متاحة ونظيفة، طوابير الزوار أمام كبائن الحمامات بالمعرض مخزية، تستحق العمل على زيادة عددها في المساحة المترامية الأطراف للمعرض، والتعامل مع نظافتها بجدية.
9- العلامات الإرشادية الغائبة، أمر ليس حله أو بديله الاستعانة بشباب متطوع تحت مسمى “أنا متطوع”، الشباب المتطوع المتحمس لا يُغني عن علامات إرشادية واضحة في معرض مترامي الأطراف، فالعدد الأكبر من رواد المعرض لا يعرفون شيئا عن مبادرة “أنا متطوع” ومن قبلها مبادرة “عم أمين”، فيجد الزائر نفسه فاقدا للبوصلة وضالا في أرض شاسعة، يمر بما يأتي في طريقه وربما ينتهي اليوم وهو في رحلة الوصول لمبتغاه دون أن تنقذه لوحة إرشادية واحدة، وهذه من الأبجديات.
نرشح لك: 24 إصدارًا جديدًا للصحفيين بمعرض الكتاب
10- ربما يتسلح القائمون على معرض الكتاب بحجة انخفاض الميزانية المتاحة، في الوقت الذي تتباهى وتتشدق فيه بسعر تذكرة المعرض المنخفضة جدا “جنيه واحد” -وهو أمر جيد للغاية- ولكن يمكن التفكير في مضاعفة الإيرادات الخاصة بالجمهور بزيادتها جنيها آخر، والإعلان بشفافية عن أوجه الصرف التي ستوجه لها هذه الزيادة “الطفيفة”، سواء في بنية تحتية أو دعم صناعة النشر، أو ربما حان الوقت للاستعانة بالقطاع الخاص من خلال رعاة لدعم أجنحة عرض أو مطاعم أو أي مرافق لوجستية، جميعها أفكار يمكن إخضاعها للدراسة، من أجل “يوبيل ذهبي” لائق، إذا ما توفر الحلم والطموح والإرادة في ألا يقتصر الأمر العام المقبل على فعاليات باهتة، وتنظيم فقير، وأخبار عن تفقد رسمي لأجنحة المعرض بمصاحبة عدسات المصورين.