محمد سلطان محمود
البداية كانت في أواخر الثمانينات، لممثل شاب لا يتجاوز عمره العشرون عامًا، يحصل على عدة أدوار صغيرة في المسلسلات والأفلام، في محاولة للإنتشار ولفت أنظار المشاهدين وصناع الأعمال.
مشهد الفرح هو العلامة الفارقة في مسيرته الفنية، قدمه مرتين، وفي كل مرة كان يبدأ محطة مهمة من مشواره الفني الذي يمتد إلى أكثر من 30 عام.
المرة الأولى كانت في فيلم “الطريق إلى إيلات” عام 1993، مشهد الفرح الذي لعب فيه دور “قناوي” العريس، ومجند البحرية الذي قرر أن يغني مع زملاءه أغنية “مصر ياما يا سفينة”. كان هذا المشهد بداية لفت انتباه المشاهدين، وفي نفس العام بدأ تقديم أدوار أهم في الأعمال الفنية، حتى جاءته الفرصة لتقديم الفوازير مرتين، عامي 1998 و1999، لم تحقق الفوازير نجاحًا يذكر، وحينما تأتيك فرصة البطولة مرتين ولاتنجح في التسعينات، فذلك مؤشر أنك ستواجه صعوبة في الاستمرار في مشوارك الفني.
حالة الحراك السينمائي التي أحدثها محمد هنيدي في تلك الفترة، تسببت في توجه المنتجين إلى زملاء هنيدي لتقديمهم في أفلام من بطولتهم تناسب الاتجاه الفني الذي تم وصفه إعلاميًا بالسينما الشبابية، وكان أول اسم مرشح لمنافسة هنيدي هو صديقه علاء ولي الدين. حقق علاء نجاح جيد في أول أفلامه “عبود على الحدود” مع المؤلف أحمد عبد الله، المخرج شريف عرفة والمنتج مجدي الهواري، وهو الفيلم الذي قدم عدد من الوجوه الشابة في أدوار مساندة، فكانت البداية لأحمد حلمي وكريم عبد العزيز، ثم جاء ثاني أفلام علاء ولي الدين، واحد من أهم الأفلام الكوميدية في تاريخ السينما المصرية.
نرشح لك: 29 تصريحًا لـ نبراس حميد عن كواليس صناعة “براندنج” الشاشات العربية
فيلم الناظر، الذي تم عرضه عام 2000، كان مختلف في كل شيء، وفي هذا الفيلم جاء مشهد الفرح ليشكل الولادة الفنية الثانية والحقيقية لمحمد سعد. شخصية اللمبي جعلته نجم يتحدث عنه النقاد والجمهور بالإيجاب، وبدأ الجميع يحفظ الاسم، محمد سعد اللمبي، كما لو كان اسمه الثلاثي.
نجاح فيلم الناظر، دفع المنتج مجدي الهواري لخوض تجربة جديدة، وهي تقديم محمد سعد وأحمد حلمي في بطولة مشتركة مع غادة عادل، في فيلم “55 إسعاف” من انتاجه وأخراجه وتأليف أحمد عبد الله ، صانع النجاحات السابقة. لم ينجح الفيلم ولا أي فيلم كوميدي أخر في صيف 2001، لسبب بسيط وهو وجود فيلمي “أيام السادات” و”أفريكانو” في دور العرض السينمائي.
تألق محمد سعد في الناظر واخفاقه في 55 إسعاف دفعه للعودة إلى سبب نجاحه،وفي العالم التالي تحول اللمبي من شخصية داخل فيلم، إلى فيلم مستقل حقق 22 مليون جنيه إيرادات، في وقت كانت قيمة تذكرة السينما لا تتجاوز العشرون جنيه.
خطوته التالية، كانت فيلم “اللي بالي بالك”، قدم شخصيتين، اللمبي التقليدي ورياض المنفلوطي، نجح الفيلم، وقبل أن يحبس سعد نفسه داخل شخصية اللمبي، قدم فيلم “بوحة” ثم “عوكل” ثم “كتكوت”، نجاح يتبعه نجاح.
بدأت مرحلة التراجع من فيلم “كركر” عام 2007، وأستمر سعد لمدة 10 سنوات يقدم أعمال لا تنال رضا الجمهور، الذي يتغير ذوقه سريعًا مع تطور الأفلام المقدمة، حاول محمد سعد خلال تلك الأعمال فك شفرة ذوق المشاهدين، قدم اللمبي بشكل معدل، واخترع شخصية تتح وأستهلكها في فيلمين، ثم أخرج “أطاطا” من جعبته، إستعان بشخصية “بوحة” و”رياض المنفلوطي”، دون جدوى تذكر لأسباب دائمًا كانت متعلقة بأن المنافسين يقدموا أفضل مما يقدم سعد.
عام 2016 كان هو الأصعب في مشوار محمد سعد، قدم في بدايته برنامج “وش السعد” على شاشة MBC، لكنه لم يحقق سوى ردود فعل سلبية، ثم قدم في أخر الصيف فيلم “تحت الترابيزة” وهو الفيلم الأضعف في مسيرته الفنية، حقق الفيلم إيرادات لم تتجاوز المليونين وسبعمائة الف جنيه، في وقت كان متوسط سعر تذكرة السينما يصل فيه إلى 40 جنيه.
بكل مقاييس السينما، الممثل الذي كان أشبه بدجاجة تبيض ذهبًا للمنتجين، تراجعت شعبيته وأصبح لا يستطيع أن يقدم فيلم يحقق إيرادات تغطي تكاليف انتاجه، لكن الجمهور لم يفقد الأمل فيه، محمد سعد كان دائمًا مُقصر ومُلام على مستوى أعماله الفنية، في حين يثق الجميع في موهبته كممثل ويطالبونه بتغيير الطريقة التي يقدم بها أفلامه.
مع بداية عام 2017، وصل محمد سعد في مشواره الفني إلى محطة شبيهة بتلك المحطة التي وقف فيها عام 1999 بعد فشل فوازير رمضان للعام الثاني على التوالي، ومثلما أنقذه شريف عرفة عام 2000 وأعاد تقديمه في شكل جديد للجمهور في فيلم الناظر، قام شريف عرفة في 2017 بإعادة اكتشاف محمد سعد من جديد في توقيت كان يحتاج فيه سعد إلى من يمد إليه يد العون لينهض من عثراته.
قام شريف عرفة باختيار محمد سعد لكي يلعب دور “بشر الكتاتني”، أحد أبطال فيلم الكنز، وهي شخصية محورية التي من خلالها نعرف باقي القصص، أشترك سعد في بطولة الفيلم مع عدد كبير من نجوم الشباك، من أبرزهم؛ محمد رمضان، هند صبري، روبي، أمينة خليل وأحمد رزق. وبالتأكيد وجود اسم عبد الرحيم كمال كمؤلف وشريف عرفة كمخرج يمنحان الفيلم جاذبية أكبر للمشاهدين. حقق الفيلم نجاح كبير وإيرادات تجاوزت التسعة عشر مليون جنيه، ويتم حاليًا تصوير الجزء الثاني من الفيلم لعرضه خلال صيف 2018.
اللافت أن محمد سعد طوال 30 سنة تمثيل، من ضمنهم 15 عام من البطولة المطلقة، لم يحصل كممثل على جوائز تُذكر، لكنه حصل خلال الخمسة شهور الأخيرة على عدد من الجوائز لأحسن ممثل عن دوره في فيلم “الكنز” سواء في استفتاءات النقاد، أو استفتاءات الجماهير، أو بعض المهرجانات السينمائية وأخرها مهرجان “جمعية الفيلم” الذي منحه جائزة أفضل ممثل.
رد فعل محمد سعد بعد نجاحه في فيلم “الكنز” كان غير متوقع، حيث قال إنه كان ينتظر تلك الفرصة منذ سنوات، وأن شريف عرفة هو من قام بتحضير “عفريت اللمبي” لذلك هو أفضل من يستطيع التخلص منه، امتنان سعد لشريف عرفة يدل أنه كان يرغب في التخلص من الأعمال الكوميدية المتواضعة التي حصره المنتجون فيها، وهو ما يبشر أن محمد سعد قرر إطلاق سراح موهبته كممثل ، ليبدأ مرحلة جديدة في سن الخمسين واختيارات أفضل للأدوار.
بالتأكيد أن محمد سعد، ليس أول ممثل يُعاد اكتشاف موهبته في تلك المرحلة العمرية، لكنه يختلف عن الأخرين لوصوله إلى تلك المحطة بعد تحقيقه لكل النجاحات التي يطمح إليها الممثل وكل الاخفاقات التي يخشاها.
أن يُعاد اكتشافك وأنت نجم وتملك تاريخ حافل هو تجربة فريدة، لا نعلم كيف يخطط لها محمد سعد عقب عرض الجزء الثاني من فيلم “الكنز”، لكننا ننتظره مثلما انتظرنا خطوته التالية عقب فيلم “الناظر”، لنأمل فقط أن لا نشاهده عام 2019 في فيلم “بشر الكتاتني”.