أحمد فرغلي رضوان يكتب: القضية 23.. سينما المسكوت عنه

من الصعب أن لا تتطرق للازمات السياسية التاريخية في لبنان وأنت تكتب عن عمل سينمائي “مهم” مثل “القضية 23” لأن فكرته في الأساس قائمة على خلفيات صراع “لا ينتهي” عصف بهذا البلد منذ سبعينيات القرن الماضي وظلت أثار جراحه كالنار تحت الرماد! ويوضح الفيلم ببساطه ما هو ممكن أن يكون أمرا تافها يؤدي إلى عواقب غير متوقعة، يهدد مصير دولة بأكملها! ولذلك سيناريو الفيلم كان رائعا في سرد وتصاعد الاحداث بشكل ممتع وصولا للنهاية ومشهد مصالحة “رومانسية” بين بطلي القضية، فقضية الفيلم تتحدث عن صراع الماضي والحاضر والمستقبل!؟ عن محاولة لكسر الحديث عن محرمات عميقة الجذور.

نرشح لك: محمد سعد .. الجوائز تبدأ عند الخمسين

الفيلم تبدأ أحداثه عن مشكلة صغيرة بين شخصين مختلفي الهوية “لبناني وفلسطيني” تتحول سريعا بسبب عناد كليهما لقضية رأي عام سياسية كبرى كحال الحماس المشتعل لدى اللبنانيين ، نجح المخرج بذكاء شديد في توضيح الإنقسام السياسي والطائفي في لبنان وكيف كل رد فعل يؤدي إلى تصاعد في ردود الأفعال بين الجانبين لدرجة لأن رئيس الدولة يستدعيهما لقصر الرئاسة لاقناعهما بتهدئة الموقف.

بالتأكيد لسنوات قليلة مضت كان التحفز بين أطراف عدة قائم في لبنان ولكن كما يقولون لي هناك في السنوات الأخيرة شبه إجماع بين اللبنانيين بعدم تكرار الحرب الأهلية مرة أخرى” وممكن أن نقول أن لبنان نجح في صناعة صيغة تعايش ناجحة بين الجميع الأن، كذلك هدأت لهجة اللأحزاب والقوى السياسية عن الماضي القريب، يوجد بلبنان أكبر عدد من النازحين في العالم! بنسبة واحد من كل أربعة لاجئ من (فلسطين، سوريا، العراق) وهو ما سبب كثير من الإضطرابات في المجتمع اللبناني!

السينما تتجمل

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تسعى السينما فيها لتجميل وجه السياسة وبعيدا عن كيل الإتهامات بالتطبيع للمخرج زياد دويري، فهو نجح في صناعة فيلم جيد جدا وسبق التقيته في مهرجان مراكش عام 2012 عندما حصل على النجمة الذهبية لأفضل فيلم عن “الصدمة” وكانت بداية الهجوم الإعلامي عليه من وقتها ومهما كانت درجة الاختلاف الفكري معه هو مخرج سينمائي عربي مهم.

يظل الطرف الفلسطيني حاضرا هذه المرة أيضا ولكن في علاقته الشائكة مع الطرف اللبناني والذي هو غاضبا من تواجدهم على أرضه، فنرى “خناقة” بين لبناني وفلسطيني من النازحين يتبادل خلالها الطرفين الإهانية اللفظية وتنتهي بضرب الفلسطيني للبناني والذي يذهب للقضاء لأخذ حقه وسريعا تتحول لقضية رأي عام تكاد تشعل معارك شعبية!

السيناريو يسير بشكل مشوق جدا منذ بداية الاحداث وحتى نهايتها، وقوة الفيلم تكمن في الإقتراب مع دقة كبيرة من القضايا المعقدة للغاية حيث يسلط الضوء على صعوبة في رسم الحدود بين المذنب والضحايا، يعالج قضية الذاكرة على نطاق الأسرة فضلا عن حجم التاريخ، فنشاهد كيف أن “طوني” لا يستطيع أن يكشف عن تاريخه العائلي المؤلم لمحاميه والذي يفاجيء المحكمة به في نهاية الأحداث، ونجح المخرج هنا في صناعة مشاهد قاعة المحكمة بعناية وتحلل عاطفيا الشعور بالضيق من كل الناس إن الأسئلة التي أثارها محامو الرجلين تدفع المشاهد للتفكير، حتى لو تم حلها بسرعة عندما يقرر الدويري الوقوع في مشهد المصالحة النهائية والرومانسية وكان أفضل فنيا أن يُنهي الفيلم بلقاء الرجلين.

من العناصر الفنية اللافتة عنصر التمثيل بداية من كامل الباشا وعادل كرم وصولا لكميل سلامه فالثلاثي جسدا شخصياتهم ببراعة كبيرة وأيضا الموسيقى والديكور والتصوير كلها كانت عناصر مميزة في الفيلم الذي وصل للقائمة النهائية لجوائز الأوسكار للفيلم الأجنبي وربما يفعلها ويقتنص الجائزة لاعتبارات سياسية بجانب الفنية.

ولم ينكر زياد تداخل السياسة فقال عن فيلمه “لا شك في أن الأبعاد السياسية والإجتماعية تتداخل مع البعد الدرامي، على صورة مجتمعنا اللبناني والقصة التي يتمحور عليها الفيلم ليست مفتعلة وليست غريبة عن هذا المجتمع، فلا شك في أن ماضينا ترك أثرا عميقا”.

فجملة الفيلم التي أشعلت الأحداث “يا ليته شارون مَحاكم عن بكرة أبيكم” هذه الجملة قالها دويري بنفسه لفلسطيني كما صرّح مؤخرا لصحيفة “لوس أنجليس تايمز” فالفيلم به جزء واقعي حدث للمخرج وعلى مدى المحاكمة، يستعيد الفيلم اللحظات الرئيسية في تاريخ لبنان ، ومحاولة تقديم صورة تبين الجهات الفاعلة، بما في ذلك حلقة “أيلول الأسود” لعام 1970 واندلاع الحرب الأهلية 1975 التي ارتكبت خلالها المذابح التي وقعت في مدينة الدامور المسيحية ومخيم تل الزعتر الفلسطيني.