هشام يحيي
بمجرد أن انتهت المقدمة الموسيقية “الوهابية” وبدأت أم كلثوم تغني “فكروني أزاي هو أنا نسيتك” طلبت فنجان قهوة ثاني، وأشعلت سيجارة، وأغلقت هاتفي،
وبدأ حوار داخلي يتفجر بيني وبين نفسي، وإشتعال ثورة وتمرد على كاتبي المفضل احسان عبد القدوس وعبارته “الأشهر” في حياة كلًا منا وهمًا أكبر أسمه الحب الأول، في فيلمه الشهير “الوسادة الخالية” بعد أن شفي صلاح من حب سميحة!، كما روج الكاتب، مما يشكك في مصداقية و تأثير الحب الأول، ووصفه بالوهم، رغم ن الحقيقة الراسخة،التي كشفت عنها “فكروني” أن الحب الأول ليس وهمًا، وأن أي كلام يقال في هذا المجال، عبث بالمشاعر، وسذاجة في التعامل مع أول خفقات ورعشات القلب، ومفارقات أول قبلة، وسرقة الأحضان في الشوارع المظلمة، وتبادل الخطابات الورقية المبللة بالعطور، والمزينة بالقلوب، وتلامس الايادي الدافئة في ظلام سينما “شبرا بالاس”، وأكبر دليل أن وأم كلثوم تدخل على غناء “و افتكرت فرحت وياك اد ايه .
و افتكرت كمان يا روحي بعدنا ليه”سرحت مع شريط حبي الأول، ووجدته يتحرك أمامي مثل فيلم سينمائي قصير، نغزات في قلبي افتقدتها كثيرًا بدأت تهاجمني، تفاصيل مغامرات اللقاء الأول في “كازينو الشجرة” قبل ان يستولي عليه ساويرس”، رعشة يدي ويديها وأنا أضع في صباعها دبلتي الفضة، وزيارات “سانت تريز” لمباركة حبنا، والتضرع في حضرة “سيدنا الحسين” ليمنحنا مدد نقاوم به ضغوط الأهل والأقارب، أيام المرح في الأوتبيس النهري بعيدًا عن عيون المتطفلين والمراقبة العائلية، الورقة التي كانت معي مكتوب فيها “لا الله الا الله” ونصفها الأخر في المصحف الصغير المتعلق برقبتها هديتي لها في عيد ميلادها، “محمد رسول الله” حتى لا نفترق! والبكاء في الشوارع الخلفية في شبرا، بعد أن أقترب الخطاب والعرسان من بيت الحبيبة، ليلة الفرح التي اعتبرها أول مأتم لقلبي، فاكر أنني تقمصت شخصية صلاح في فيلم (الوسادة الخالية).. وسهرت للفجر في بار شعبي أحتسي الخمر الرخيص، لا أتخيل أن “سميحة” في حضن رجل أخر، بهذه البساطة تناست كل أيامنا الحلوة، وتوقيعها في نهاية كل خطاب (حبيبتك المخلصة للأبد)، وشرائط أغاني “حليم” المجمعة التي كنت اسهر الليالي حتى أقدم لها شريط هدية.. يضم توليفة من الأغاني كل أغنية منهم قطعة من قلبي (أنا لك على طول، اهواك، اسمر ياسمراني، حبك نار، الليالي، بأمر الحب).
حليم كان شريك رئيسي في قصة حبنا، لدرجة كنت في أيام كثيرة أذهب للجلوس تحت بيته في الزمالك أمام حديقة الأسماك.. ربما التقي به صدفة، اعاتبه واتناقش معه كيف استطاع أن ينسى سميحة، وهل صحيح إنه كان يعيش الوهم، هل كان يخدعنا وهو يغني (أول مرة تحب ياقلبي) هو من علمني الحب على ضفاف حنجرته كيف تخلى عن حبه بهذه السهولة! وانا اطرح فكرة هذا المقال على أحد أصدقائي المقربين، شعرت إنه مصدوم إنني مازلت أعيش في وهم الحب الأول واتكلم عنه بنفس شغف أيام الشباب، صدمته أكثر عباراتي المندفعة أنني عمري مانسيت الحب الأول.
ربما كل حب جديد مر بحياتي، كان هو الوهم الذي أحاول أن انسى به الحب الصادق الوحيد، حب أيام البراءة والنقاء والطهارة العاطفية، لدرجة أني تماديت في الفلسفة، وقلت له:”من رحمة ربنا أن كل زوجة وهي تجلس بجوار زوجها لاتمتلك وسيلة للتعرف والتجسس على مايدور في عقله وهو يجلس بجوارها” وعندما طلب مني تفسيرًا اكثر. كشفت له أن في هذه اللحظة التي يستمع لها لـ أغنية “أنساك ياسلام انساك ده كلام” لن تكون لزوجته التي تجلس بجواره، لم يجعلني أستكمل كلامي وشعرت إنه أضطرب وتوتر.. وكاد أن يقول لي: “الحيطان لها ودان” وانصرف من المكان يتلفت حوله.. وأنا سارح مع اغنية تأتي من مذياع المقهي “عايز جواباتك يعني افترقنا خلاص”.