محمد حسن الصيفي
طرح الفنان حمزة نمرة أُغنية ” داري يا قلبي ” من ألبومه المنتظر صدوره قريبًا بعد مرور أربع سنوات على آخر ألبوماته “اسمعني”.
الأُغنية طُرحت منذُ ثلاثة أيام على موقع يوتيوب اقتربت خلالها من أربعة ملايين ونصف مشاهدة وأثارت ردود فعل واسعة وتصدرت التريند في مصر وبعض الدول العربية.
نرشح لك: بعد قرار وقفه.. شاهد أجرأ 10 اسكتشات في SNL بالعربي
الأغنية تبدأ بصوت الأمواج على أحد الشواطئ بمقدمة تبدو منطقية لأغنية تحمل الكثير من الشجن بطياتها.
ينتقل المشهد لحمزة الذي يسير متأملاً لما حوله في أحد الشوارع بدءً من الشجرة الخالية من الأوراق مرورًا بآثار المطر على الأرض والسماء التي لاتزال ملبدة بالغيوم، أصيص زرع يظهر بعدها مباشرةً، رجل كبير بشعر أبيض يجلس في مكان مغلق يلعب “الطاولة” بمفرده والذي يظهر بملابس العمل مرة وملابس كلاسيك مرة أُخرى يقوم خلالهما بالقاء “النرد” الزهر ثم ينتقل الكادر لحمزة نمرة الجالس على سلم أحد المنازل ليبدأ وقتها التساؤل :
مالك مش باين ليه؟ قلبك تايه من مدة كبيرة
خايف تتكلم ليه في عيونك حيرة وحكاوي كتيرة
وهي الجملة الوحيدة في كلمات الأغنية التي وجدتها غريبة أو ثقيلة أو تفقد “الكيميا” في تركيب وبناء الكلمات “قلبك تايه من مدة كبيرة” .. كبيرة وكتيرة … على كل، جاءت الكلمات معبرة عن جو الأغنية ونجحت في إيصال الفكرة بسلاسة
وقبل أن أخوض في غمار الحديث عن النقد أو التساؤل أرصد هنا ملاحظاتي على الكليب:
1. جودة الصورة مرتفعة كعادة كليبات حمزة نمرة، الملابس وأماكن التصوير والبداية من الشاطئ والانتقال لجو الحكاية جاء موفقًا أيضًا بالانتقال من العام إلى الخاص ومن الإبهام إلى الوضوح
2. الرمزية في الكليب “أصوات الأمواج، الجلوس على السُلم، الورود على الحائط بالشارع، آثار الأمطار على الأرض، أصيص الزرع، الشبابيك المفتوحة والأخرى المغلقة، أماكن التصوير نفسها والتي جاءت بالتناوب بين الأماكن المفتوحة وبين الأماكن المغلقة، الزهر .. إشارات معبرة عن فكرة التساؤلات التي يطرحها نمرة في الكليب عن العمر والأحداث التي مرت به والتغيرات العارمة التي تعتري الإنسان.
3. رغم أن الكليب مليئ بالشجن والحزن الذي ربما يوصلك ببراعة لمرحلة “الإكتئاب” أو الانقباض وهو ما سأذكره لاحقًا، لكن المدقق في الكليب سيجد مساحات أيضًا من الأمل لكنها تحتاج لمزيد من التركيز فمثلا نظرات حمزة نمرة التي تجد فيها ابتسامة أو على الأقل حنين للماضي يحمل بداخله إحساس الأمان المؤقت، الورود الحمراء على الحائط، تأثير الضوء ودخوله كعامل مشترك بل يعتبر من أبطال العمل خاصة تأثير الظل والنور طوال الكليب، أصيص الزرع، آثار المطر على الأرض والتي انتقل الكادر بعدها مباشرة إلى جو السماء الملبد بالغيوم ربما في إشارة لانتظار المزيد من المطر لسطوع الشمس ومغادرة الضبابية التي تعلو كل شئ.
الكليب معبر ومتسق مع الكلمات وواضح في استخدام أماكن التصوير والملابس والديكور والتي جاءت كلها في خدمة الكليب بشكل كبير، كما أن اللحن والتوزيع كانوا جيدين بدرجة كبيرة خصوصا في المقدمة والختام باستخدام العود الذي يكن له نمرة احترام كبير ويمنحه مكانه خاصة في كل أغنياته، لكن يجب التساؤل هنا:
1. لماذا قرر حمزة نمرة الدفع ب “داري يا قلبي” كرأس حربة للألبوم وهي تحمل نفس خط الحُزن والشجن الذي اتبعه في عديد الأغنيات السابقة في مختلف الألبومات “التغريبة 1 و 2، أوعدوني، واقولك إيه، القطر، اسمعني، تسمحي، مع السلامة وبعض الأغنيات في برنامج ريميكس الذي قدمه على التلفزيون العربي أبرزهم “إناس إناس” وهي باللهجة الأمازيغية ؟
2. حمزة ظهرمن الأساس بألبوم غلب عليه التفاؤل عام 2008 كانت أبرز أغنياته “أحلم معايا” والتي حملت اسم الألبوم والتي اعتبرت وقتها صاروخ تفاؤل سقط على رأس الوسط الغنائي لتلعب بعدها دور البطولة في أكثر الأغنيات تعبيرًا عن ثورة يناير، في الوقت الذي كانت مصر والوسط الفني بالتحديد لا يوحِ بأي أمل أو بأي جديد، لذلك جنى نمرة ثمرة جنون تفاؤله في “أحلم معايا” وقتها وبعدها وربما حتى الآن لتعتبر الأغنية رمز وأيقونة لفكرة التفاؤل في ارتباط وثيق في عقول الجيل الذي عاصرها حتى ولو لم يكن معنيًا أو مهتمًا بفن نمرة المميز، إذا لماذا يعود نمرة الآن وينكص على عقبيه لتزداد مساحة وجرعة الكآبة في أغنياته شيئًا فشيئًا ؟
3. الشيطان يكمن في التفاصيل…وجهة النظر الخبيثة ستشير لكون موجة الكآبة هي المسيطرة على الوسط بمختلف توجهاته بما في ذلك الأغاني الشعبي والمهرجانات وبالأخص الأندر جراوند، فالحزن تريند، فمثلا أغنية الكيف لكايروكي تسيطر على محركات البحث في 2017 وعدد المشاهدات بنحو 55 مليون مشاهدة على اليوتيوب ومئات المرات من التحميل وشَغل التريند، هل تعمد نمرة اتباع نفس السياسة والضرب على وتر الكآبة والحزن الذي يلتهم نفسيات المصريين؟
4. الفنان يقدم كل الألوان ونمرة بالتحديد يقدم مشروع مميز وموسيقى وكلمات وصورة مميزة، لكن هل المفترض أن يسير الفنان في ركب توجه الجمهور ويساير شغفهم أم العكس وإلا لماذا قدم نمرة أحلم معايا 2008 في جو رتيب وكئيب وكلاسيكي تماما لا ينبأ بأي جديد؟
5. ستكون هناك وجهة نظر لا يمكن إغفالها أن الفنان والفنان الحقيقي على وجه الدقة جزء لا يتجزأ من الوطن وهمومه والآمه معبرًا عنها ومعبرة عنه، ومن هنا يخرج ويطرأ على نمرة وغيره هذا الطفح الحزين على مسامهم الفنية، وأنا لا أختلف مع هذه الفكرة لأنها بالطبع منطقية لحدٍ كبير لكن أيضًا كما أنه من المفترض أن يعبر الفنان عن الوطن وهمومه والآمه لابد أن يعبر أيضًا عن طموحاته وهو ما يعيدنا للمربع صفر، لماذا لعبت داري يا قلبي دور رأس الحربة، هل لكونها الأفضل؟ هل لكون الحزن هو التريند؟ …هذا ما سيجيب عليه الألبوم عند طرحه بالكامل، بيد أني أجد نفسي مطالبًا بالهمس في أذني نمر، انتبه التفاؤل يعود للخلف .. يعود للخلف جدًا وبسرعة !