يبدو أن موقع فيسبوك لم يفكر بعناية في الآثار المترتبة على تحوله مؤخرًا إلى إحدى القوى المهيمنة على صناعة الأخبار، فالجميع بإدارة الموقع معنيون فقط بالجودة والدقة، وقد وضعوا القواعد لعدم نشر المواد الإباحية وحماية حقوق التأليف والنشر
نرشح لك: القبض على شخص قام بسرقة رسالة دكتوراه وبيعها على فيسبوك
لكن فيسبوك لم يستعن إلا بعدد قليل من الصحفيين ولم يستثمر ما يكفي من الوقت في مناقشة الأسئلة الكبرى التي تضر صناعة الإعلام، أو تلك الأسئلة التي تحدد ما يعتبر خبرًا عادلاً وما يعتبر حقيقة؟ ولم يتطرق إلى كيفية الإشارة إلى الفرق بين الخبر والتحليل والانتقاد والرأي؟ لقد بدا أن فيسبوك منذ فترة طويلة يعتقد أنه يتمتع بحصانة ضد تلك المناقشات لأنه مجرد شركة تكنولوجية، قامت ببناء “منصة لجميع الأفكار”، وبالتالي وقع في العديد من المتاعب ذات الطبيعة الصحفية والإعلامية بدون قصد.
في أواخر فبراير 2016، أرسل “مارك زوكيربيرج” رسالة داخلية قصيرة إلى موظفي فيسبوك مطالبًا إياهم بالبحث عن وسيلة لمعالجة سلوك تسبب في مشكلة في ترتيب ظهور الأخبار على حسابات المستخدمين؛ مشكلة تسبب بها أحد الموظفين بمقر الشركة الكائن في مينلو بارك، وفي مناسبتين على الأقل، هناك شخص ما تدخل لتحريف اسم الحركة الأمريكية المعروفة باسم “حياة السُود مهمة”، لتصبح العبارة “حياة الجميع مهمة”، فطالب “زوكيربيرج” المسؤول عن هذا التعديل بأن يعيد العبارة إلى أصلها.
تأكيدًا على خيار الحيادية الجبري الذي ينتهجه مؤسس فيسبوك، كتب “زوكيربيرج” لموظفيه: “إن قولنا أن حياة السود مهمة،فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من أهمية حياة غيرهم، فليست لدينا أي قواعد تحكم ما يستطيع مستخدمونا تدوينه على جدرانهم، ولكن هذا التعديل من شأنه أن يفرض قيودًا على حرية التعبير، أو أن يضفي أهمية على قول شخص ما، دون أقوال الآخرين”، وأعلن “زوكيربيرج” أن واقعة تحريف المنشور الأصلي قيد للتحقيق.
كان الجدل في الولايات المتحدة على أشده حول العرقيات، ورؤية “دونالد ترامب” للمهاجرين، وقاطع ناشط أسود ينتمي لحركة “حياة السود مهمة”، “هيلاري كلينتون” أثناء أحد خطاباتها الانتخابية محتجًا على بعض تصريحاتها القديمة التي اعتبرها عنصرية. وعندما أرسل “زوكيربيرج” رسالته المشار إليها، رأى موظف شاب يدعى “بنجامين فيرناو”، أن الرسالة تعد ذات أهمية إخبارية، فالتقط صورة شاشة باستخدام جهاز كمبيوتر، وأرسلها إلى صديقه الذي يدعى “مايكل نونيز” الذي كان يعمل بموقع “جيزمودو” الإخباري، فنشر الأخير الصورة في خبر مقتضب. وبعد مرور أسبوع واحد، عثر ” فيرناو” على شيء آخر اعتقد أنه يصلح للنشر، وكان أيضًا رسالة داخلية تدعو موظفي فيسبوك لتوجيه أسئلتهم إلى “زوكيربيرج” في اجتماع مفتوح، وتضمنت الأسئلة “مسؤولية فيسبوك في المساعدة على منع “ترامب” من الوصول للبيت الأبيض في 2017″. وقام “فيرناو” هذه المرة بالتقاط صورة شاشة للرسالة الداخلية باستخدام هاتفه الذكي.
التقط “فيرناو” صورة الشاشة في أحد أيام الخميس، وكان اليوم التالي يوم جمعة، وعندما استيقظ يوم الجمعة وجد على هاتفه 30 إشعارًا من فيسبوك فقد أصبح مطالبًا بحضور اجتماع عاجل مع إدارة الموقع. فرد بأنه في يوم إجازته الأسبوعية، فقيل له أنه يجب أن يحضر في غضون 10 دقائق، فاستجاب، وعلى الفور عقد اجتماع عبر الفيديوكونفيرانس بحضور 3 من موظفي فيسبوك من بينهم “سونيا أهوجا” مدير التحقيقات في فيسبوك، فسألته إذا ما كانت تربطه علاقة ما بشخص يدعى “نونيز”، فأنكر ذلك تمامًا، فردت عليه بأن لديها رسائل متبادلة بينه وبين “نونيز” على تطبيق “جي شات”، وكان “فيرناو” يظن عدم استطاعة فيسبوك الاطلاع على مثل هذه الرسائل، فطرد “فيرناو” من وظيفته، وفي نفس اليوم تحدثت “سونيا أهوجا” مع موظف آخر يدعى “ريان فيلاريل”، كان زميلاً في السكن مع كل من “فيرناو” و”نونيز” قبل عدة سنوات، فقال “فيلاريل” إنه لم يلتقط أي صورة شاشة وإنه بكل تأكيد لم يتسبب في تسريب أي معلومات للصحافة، وأن كل ما فعله أنه ضغط على زر “أعجبني” بمنشور كان يتحدث عن حركة “حياة السود مهمة”، وأن قائمة أصدقائه على حسابه في فيسبوك تتضمن المدعو “مايكل نونيز”، فطرد “فيلاريل” من وظيفته أيضًا.
استمر الصحفي “نونيز” في البحث عن الفضائح، وبعد فترة وجيزة نشر خبرًا عن استبيان داخلي لموظفي فيسبوك بشأن موقفهم من “ترامب”، وفي مايو 2016، نشر حوارًا مع موظف ثالث فقد وظيفته في فريق أخبار فيسبوك، فاستخدم عنوانًا مزعجًا هو: “موظفون سابقون بفيسبوك: نقوم بشكل روتيني بمنع انتشار أخبار معينة”، الأمر الذي أوحى للقراء بوجود تحيز لدى فريق أخبار فيسبوك تجاه الأخبار والآراء التحررية وتحيز موازٍ ضد الأخبار والأفكار المحافظة، وفي غضون بضع ساعات انتشر المقال كالنار في الهشيم ليصل للعناوين الرئيسية على المواقع الإخبارية في الولايات المتحدة والعالم.