طارق الشناوي
نقلًا عن المصري اليوم
مهرجان برلين هو أكثر التظاهرات السينمائية فى العالم التى تحركها التوجهات السياسية فى اختيار الأفلام والفعاليات والضيوف، حيث يصبح هذا هو المؤشر الذى تستطيع عن طريقه قراءة ملامح المهرجان وأحيانا يحدد لك أيضا زاوية الرؤية لو أردت فك (شفرة) الجوائز، ولكن تمهل قليلا ليس هذا هو كل ما فى الجعبة، لدينا أيضا فى هذه الدورة والتى تحمل رقم (٦٨) أكثر من موقف اجتماعى، حيث يقف المهرجان ضد ظاهرة التحرش وأيضا التميز بكل صوره العقيدة واللون والعرق وغيرها، ولن يكتفى فقط بالشجب والاحتجاج اللحظى، حيث إنه فتح الباب لدائرة أوسع فى النقاش لدراسة الظاهرة ووضع أسس لكيفية المواجهة على مستوى العالم، لم تعد المهرجانات مجرد أفلام تعرض على الشاشات، مهما بلغت أهميتها ولكن وجهة نظر ينبغى إعلانها وموقف يجب اتخاذه، ولكن قطعا لا يعنى ذلك أن يخفت صوت السينما، العكس هو الصحيح لأنه كلما نجح المهرجان فى اختياراته الفنية انعكس ذلك بالإيجاب على كل الأنشطة الأخرى.
كانت مسابقة (الجولدن جلوب) والتى أعلنت جوائزها فى الشهر الماضى قد بدأت المعركة ضد التحرش فى (هوليوود)، بعد أن تعددت الحوادث حيث جاء الاحتجاج المباشر عن طريق ارتداء عدد كبير من النجمات الملابس السوداء فى الافتتاح لمواجهة وفضح المتحرشين، وهكذا من الممكن أن تتوقع أن ينسحب الأمر على مختلف التظاهرات الفنية. إدارة المهرجان لم تحدد زيا معينا مثل مسابقة (الجولدن جلوب) حيث كان اللون الأسود الذى ارتدته أغلب النساء هو لون الاحتجاج، طبعا مع بعض الاستثناءات، ولا ننسى كلمة أوبرا وينفرى الإعلامية الأمريكية الشهيرة التى توقفت أمام حادث تجاوز حدود التحرش إلى الاغتصاب، كانت كلمة مؤثرة ألقتها بعد تكريمها، وأتصور أن برلين ستضفى عليه نكهة أخرى.
نرشح لك – طارق الشناوي يكتب: الحشيش وأم كلثوم سر الهزيمة!
ولا أستبعد أن مهرجان «كان» فى دورته القادمة التى تفتتح فى ٨ مايو سيكرر نفس الموقف ويفتح أيضا النيران على المتحرشين ولكن على الطريقة الفرنسية، هناك (هاشتاج مى تو) الذى تحمس له الآلاف فى محاولة للفضح وأيضا لبث القوة على إعلان الرأى، ومن المؤكد أنك تسأل إذا كان كل هذا يجرى فى أوروبا وأمريكا فما هو حالنا فى العالم العربى؟ كثيرا ما أسأل نفسى: لو تخيلنا اننا فى مهرجان (القاهرة) وقررت إدارة المهرجان فضح المتحرشين فى الوسط الفنى ما الذى من الممكن أن تتوقعه فى هذه الحالة؟ فى المجتمعات الشرقية، من المؤكد ان نسبة التحرش أكبر ولكن مشاعر الخوف من الفضح والكشف أكبر.
الثقافة لا تبتعد أبدا عن الحياة الاجتماعية والسياسية، بل هى من أدوات التعبير ومن الممكن بزاوية ما أن تجد أيضا أن الأكل يشكل نوعا من الثقافة، وهكذا مثلا صعد اسم الطباخة السورية ملكة جزماتى التى وصلت إلى ألمانيا قبل أقل من ثلاث سنوات، إلا أن سمعتها قد سبقتها وصارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا تأكل إلا من يديها وحددت ملكة أن الشاورمة هى الأكلة المفضلة لأنجيلا، حيث أشارت إلى ذلك فى حوار لها نشرته جريدة (الشرق الأوسط)، فى الماضى كانوا يتحدثون عن لغة العيون إلا أنه وكما أشارت ملكة فإن الطعام صار هو أيضا لغة باتت مؤثرة جدا بل مضمونة أيضا فى أنها ستؤتى أكلها، وتؤدى غرضها تماما ولم تتدثر بشىء آخر سوى أنه الحب الذى لا تغفله عين، وحتى لا يذهب خيالكم بعيدا لست مدعوا للعشاء، الذى ينبغى أولا أن تطلب من إدارة المهرجان تحقيقه وبأسبقية الحجز، وفى الحقيقة «النوم خفيف أفضل»، وفى هذه الحالة علىّ أن أنسى تماما البامية والمحشى وورق العنب.
مهرجان لا يخفى أبدا مواقفه بل يحرص عليها فهو برغم الضربات التى تتلقاها ثورات الربيع العربى، والتى لم تعد فى العديد من الدول العربية تحظى بلقب ثورة بل إن التوصيف تحول إلى وصمة تصفها بالمؤامرة، إلا أنه لا يزال الموقف مؤيدا للثورة والدليل أن ملكة كانت من مؤيدى الثورة السورية ضد بشار، ولهذا هربت إلى الأردن، وتلتقطها فضائية عبر قناة (الأوربت) لتبدأ رحلتها فى مجال برامج الطبخ وتحقق نجاحا لافتا، ثم تشد الرحال إلى ألمانيا ليصعد اسمها بسهولة ليصل إلى أنجيلا ميركل وتعلمت أيضا الألمانية لسهولة التواصل. وبعيدا عن كل ذلك لدينا تواجد عربى ومصرى شحيح جدا هذه الدورة فى قسم (البانوراما) وهو من الأقسام التى تلى المسابقة الرسمية بفيلم (الجمعية) مصرى لبنانى مشترك، إخراج ريم صالح المخرجة اللبنانية، والجمعية هى اختراع مصرى شعبى بسيط كيف تحل المشكلة بعيدا عن الاقتراض من البنك، فهى من أشهر التعاملات كانت ولا تزال وفى كل المجتمعات (أعمل جمعية وأقبض أنا الأول).. الأحداث فى حى (روض الفرج) وهناك أيضا عدد آخر من المشاركات العربية فى قسم المنتدى الموسع.
من أشهر جوائزنا فى برلين يوسف شاهين قبل نحو أربعين عاما بفيلم (إسكندرية ليه) الدب الفضى، كما أن مجد مستورة الممثل التونسى حصل على جائزة أفضل ممثل عن فيلم (بنحبك هادى) فى الدورة قبل الماضية.
المهرجان الذى يواكبه دائما الطابع السياسى لن ينسى انتفاضة الطلبة التى مر عليها ٥٠ عاما، حيث اجتاحت أوروبا، ويبقى أيضا فيلم الافتتاح (جزيرة الكلاب) الرسوم المتحركة وهو أيضا يشارك فى المسابقة الرسمية للمهرجان. درجة الحراة تحت الصفر ولكننا تعودنا على أن الأحداث والأفلام تستطيع أن تواجه البرودة بل تبعث الحرارة للأفلام، كما أن هاشتاج (ME TOO) الذى كان البذرة الأولى لمواجهة التحرش امتلك الكثير من السخونة، ونكمل غدا!!