نرمين حلمي
100 عام مرت على ميلاد الفنانة التي تصدر اسمها عناوين أفلامها مثلما كان نجم جيله الفنان الراحل إسماعيل يس، فكانت “ليلى بنت الأغنيا”، و”ليلى بنت الفقرا”، و”ليلى بنت الريف”، و”ليلى بنت المدارس”، إلى أن وصلت يومًا تلو الآخر إلى “ليلى بنت المصريين” -ليلى مراد- الجميلة الإسكندرانية اليهودية، صاحبة أعلى أجر في تاريخ السينما المصرية، و وقت سطوع نجمها في سماء الفن، بدأت حياتها الفنية ولحقتها بالحياة الزوجية من الوسط الفني، ومن ثمً أشهرت هويتها الجديدة على الأراضي المصرية باعتناقها الإسلام.
يوافق اليوم 17 فبراير، الذكرى الـ 100 لميلاد ليليان زكي مراد موردخاي، والشهيرة بـ ليلى مراد، إحدى أبرز مغنيات وممثلات الوطن العربي في القرن العشرين، صاحبة الصوت الرقيق والهادئ، الذي يخطفك تارة ما بين حنين الحب لجمرة الشوق والغياب، مَن تغنت بالحب وسماته “بالقلب الدليل” وعادت لتبكي لوعته و”قلة أملها في الدنيا”، والتي ودعتنا عن عمر يناهز الـ 77 عامًا في نوفمبر عام 1995.
نرشح لك – سيد النقشبندي.. صنايعي الإنشاد “ماشي في نور الله”
قدمت “مراد” 28 فيلمًا وحوالي 1200 أغنية، بعضها وثق مشاهد بحياتها الحقيقية وبعضها تحايل مع القدر ليتطابق معه، وكأنها تغنت بما ستعيشه أو تتعايش معه، وهو ما يستعرضه “إعلام دوت أورج” خلال السطور التالية:
بريق الحب وشعلة الغيرة
لَمع بريق صاحبة “القلب الدليل”، الفنانة الراحلة ليلى مراد في الأعمال الفنية، وكان المخرج الراحل أنور وجدي أقل منها شهرة حينما تعاونا في العمل الأول الذي جمعهما فنيًا وعاطفيًا؛ ظلً يتقرب لها لتحنو عليه خلال أيام تصوير “ليلى بنت الفقراء”، حتى رَق قلب “مراد” ووافقت على الزواج منه؛ فاستغل الآخر تلك الفرصة الذهبية، لتدق الدفوف على أنغام “مراد”، “كنا قلبين، جت نظرة عين، شبكت الأتنين، صبحم عريسين”، ويجني مشهد زفافهما الحقيقي ثماره، ولم يبق مجرد مشهدًا عابرًا في فيلمهما “ليلى بنت الفقراء”، فتم إحضار مأذون للأستوديو، حيث تم عقد القران داخل البلاتوه، وتهافت الجمهور على مشاهدة الفيلم في السينما وقتئذ، للتمتع برؤية قصة الحب الحقيقية المتجسدة في شخصيتين سينمائيتين هما “وجدي” و”مراد”، وحقق ذلك المشهد أعلى نسبة مشاهدة وقتها.
تزوجت “مراد” من “وجدي” عام 1945، وباتت ثنائيتهما الفنية كالأغنية الرومانسية المثالية التي يتشبه بها الحبيبة ما بين الحين والآخر، ولم يدرك الكثيرون سوى رومانسية الشاشة، المتجسدة في الحبيب والحبيبة اللذان يلمع بريق حبهما ضمن أحداث أفلامهما معًا، غير متطلعين على غيرة الكواليس الحقيقية؛ حسبما عُرف عن “وجدي” كثرة مشاكله معها؛ لغيرته عليها ورفضه إتاحة الفرصة لها للعمل مع أي منتج أخر سواه، حتى احتكرها بعد الزواج بالكامل ليقوم هو ببطولة جميع أفلامها وأيضا إخراجها وإنتاجها.
اعتناقها الإسلام
شهد عش زوجهما -عمارة “الإيموبيليا”- على لحظة فارقة في حياة مَن تغنت للنبي، بـ”يا رايحين للنبي الغالي، هنيالكم وعقبالي”، وهي اعتناق ليلى “الإسلام”، حيث أعلنت لـ “وجدي” عن رغبتها في إشهار إسلامها، وكان ذلك في إحدى ليالي عام 1946، والمتزامن مع ليالي شهر رمضان الكريم من هذا العام، بعدما قضى “وجدي” عامًا معها، و بات يسمع في كل ليلة شكواها المتكررة من صوت الآذان، حينما كانت تؤرق من نومها كلما سمعت صوته من الجامع المجاور لمنزلهما، فتضطرب وتنزعج وتطلب منه أن يعزلا من تلك الشقة.
تكررت القصة كثيرًا، حتى جاء اليوم الذي أيقظت فيه “ليلى” زوجها وطلبت منه إشهار إسلامها على الفور، ومن غرابة الموقف، أجابها “وجدي” وهو غير مكترث بأن عليها أن تنطق الشهادتين، ثم أكمل نومه، ولكنها أخذت تناديه وتؤكد على كلامها أن صوت الاَذان أصبح يطرب أذنها وهي تريد إشهار إسلامها بالفعل، ومن ثمً ذهبت إلى مشيخة الأزهر وأعلنت إسلامها، ثم أقامت مائدة رحمن كبيرة، بعرض شارع شريف أمام عمارة الإيموبيليا، وشهدت وقتئذ على فرحة كثير من العابرين وأصحاب السيارات وجمعت معهم أصدقائهم من أهل الوسط الفني والإذاعي.
السماحة وسحر الجمال خارج الشاشة الفضية
كانت “قيثارة” الغناء العربي وقتئذ، مَن شدت “بالدنيا غنوة، نغمتها حلوه، احنا اللى نطير ونغنيها”، تعد بمثابة فتاة أحلام الشباب، صاحبة الطلة الحالمة الجذابة والصوت الرقيق والروح المحببة للنفس؛ صارت تخطف قلوب عشاقها خارج إطار الدراما والعمل الفني؛ فبحسب ما قصً الكاتب الراحل مكاوي سعيد في كتابه الأخير “القاهرة وما فيها”، عن الزيارة المفاجئة للكاتب الكبير الراحل “عبد الله الطوخي” والد الفنانة صفاء الطوخي، لمنزل “وجدي”، التي سرد فيها قصة “الطوخي” مع مشوار الفن والتمثيل، والذي وأد قبل نموه.
كان “الطوخي” قد ذهب إلى منزل “وجدي” في عمارة الإيموبيليا، في أيام صباه، وكانت تلك الفترة بعد زواجه من “مراد” بأشهر قليلة، طرق باب المنزل، ففتح له “وجدي” مندهشًا من هذا الشخص الذي يراه لأول مرة، ومن ثمً اقتطع حديثهما حينما لَمح “الطوخي” روبها المصنوع من القطيفة السماوي، وقد حبكته على جسدها جيدًا، وكانت متلهفة حينها وتنظر إلى الباب بشغف لمعرفة مَن هذا الشخص الذي اقتحم منزلهما وسرق منها حبيبها لمدة دقائق.
ثم انقلبت الآية، وتبدلت الأحوال لينتقل الشغف بالتبعية لـ “الطوخي” لينظر إلى تلك الفتاة الجميلة التي نسمت عليهما بقدومها، بحسب رواية “الطوخي” التي نقلها “مكاوي” لنا، وأردف واصفًا ملامحها حينما نقل لها “وجدي”، غرض “الطوخي” من الزيارة وهو البحث عن فرصة للتمثيل، حيث إنها أظهرت علامات الاستغراب والاستنكار، ولكنه من نفس نوعية فصيلتها الرقيقة، ليصفه بالاستنكار المهذب النبيل، والذي يحمل معنيين، هما الصبر والاحتمال في طياته على حد وصفه.
خيانة الحبيب ذنب لا يغتفر
“ماليش أمل في الدنيا دي، غير إني أشوفك متهني، حتى إن لاقيت إن بعادي، راح يسعدك أبعد عني”، شَدت صاحبة الصوت الرقيق والعذب بتلك الكلمات التي تحمل بين طياتها ألم الحب ووجع هجر الحبيب، وكأنها تقص معاناتها مع “وجدي” خلال فترة زواجهما، والتي اتسمت بالعديد من مشاهد الغيرة والحزن واليأس.
كان لصراعات الغيرة الحيز الأكبر في حياتهما، وتصاعدت إلى أن تصل لمرحلة الطلاق الأولى بينهما، بحسب ما قيل عنهما سابقًا، حيث إنه كان يتعمد افتعال مشاكل معها في منزلهما قبل الذهاب إلى الإستوديو لتصوير فيلم مع شركة إنتاج غيره، حتى تؤدي أداءً سيئًا ولم توفق في عملها، ظلت تلك المشاكل تحدث حتى اشتدت من وطأتها حينما دخلت في حيز اليأس الناتج عن اكتشاف “مراد” لخيانة “وجدي” لها مع امرأة أخرى.
ذات ليلة أشيعت شائعات حول قصة غرامية جديدة حقيقية، يجسدها “أنور” مع “لوسيت”، الفتاة الفرنسية الجميلة، التي تعرف عليها في مدينة “فينسيا” الإيطالية، قررت “مراد” أن تتأكد من حقيقة تلك القصة الغرامية بنفسها، فارتدت “منديل بأوية وملاية لف”، واستقلت سيارتها لمنزل “لوسيت” ثم صعدت إلى باب منزلها، وسمعت صوتهما وهما يتحدثان الفرنسية، قررت ألا تطرق الباب، مفضلة المكوث في سيارتها، حتى يقضي ليلته، وبالفعل فاجأته وهو عائدًا مع “لوسيت” وأجلت معاتبته، مصافحة “لوسيت” وكأن لم يحدث شيئًا البتة.
عادت “مراد” مع “وجدي” إلى منزلهما في عمارة الإيموبيليا، ولم توبخه أو تعاتبه على أية شيء، تعجب الثاني من صمتها، حتى وجدها في الصباح التالي تحضر حقيبتها في صمت قبل الرحيل، ثم وجهت له الجملة قائلة: “أنا ماشية يا أنور”، ثم أردفت متابعة بوصف حالتها بالفرحة الشديدة، ليجيبها مذهولاً: “عاوزة تقولى إيه؟، فيه واحدة تفرح لما تضبط جوزها مع واحدة تانية؟”، فردت عليه قائلة: “أصل الناس كانوا دايما يقولوا لي أنى اتجوزت واحد مالوش قلب، ما يعرفش يحب غير الفلوس، لكن أنا كنت بقول إن لك قلب، وطلعت أنا صح”، فأثار ردها غضبه وأجابها متسائلاً: “”إنت فاكرة نفسك مين؟ شكسبير؟”.
ودعته “مراد” إلى أن تم الطلاق بالفعل عام 1953، معلقة على هذا الحدث: “ربنا يوفقه”، حسبما قصً الكاتب صالح مرسي في كتابه “ليلى مراد”، لتبرهن صاحبة الأمل المعدوم بحرصها على هناء مَن أحبته يومًا ما واعتزالها حب “وجدي” في أَوْجه، كما اعتزلت العمل الفني في منتصف الخمسينات وهي في قمة مجدها الفني أيضًا.