أحمد شعبان
خلال تجربته العريضة والاستثنائية بين الصحافة والسياسة، خلّف الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل وراءه إرثًا لا يُبارى من الأفكار والرؤى والمقالات والكتب التي تناولت قضايا الأمن القومي والفكر السياسي وقضايا وأزمات ومصائر المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي، ما جعله مرجعًا رئيسيًا عند التعرّض لتاريخ مصر وجوارها. فقد شارك في صُنع السياسة المصرية لفترة طويلة عقب ثورة يوليو، واقترب الصحافي العربي الأشهر من زعماء وقادة، وكشف خبايا وأسرار أبرز الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط خلال القرن الماضي.
نرشح لك – حسين عثمان يكتب: بريق هيكل وظلال خالد عبد الهادي
لخّص “هيكل” تجربته بـ”عمر من الكتب”، فقد أودع رؤاه وأفكاره والوقائع التي شهدها، والوثائق التي احتفظ بها، في عدة مؤلفات جاوزت الستين كتابًا، أرّخت لمراحل عاصفة من تاريخ مصر الصحفي والسياسي، فضلًا عن أنه كان موضوعًا لعدد كبير من الكتب، التي حاولت تفكيك وتحليل “ظاهرة هيكل”، أو حاولت الاشتباك مع أفكاره وما ذكره في كتبه، كما كتب أيضًا مقدمات لعدد كبير من الكتب. وفي ذكرى رحيله الثانية التي تحل اليوم 17 فبراير، يسلط “إعلام دوت أورج” الضوء على “إرث هيكل” وأبرز ما كتبه الراحل الكبير، وذلك على النحو التالي:
1- سقوط نظام
طرح “هيكل” في هذا الكتاب سؤال “لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة؟”، لتأتي الإجابة عبر 600 صفحة، قدّم خلالها قراءة في الخلفيات الإنسانية لما قبل يوليو، وتراجيديا الملك فاروق وأسرته والرجال من حوله وصراعاتهم، وحسب شهادة شيخ المؤرخين الدكتور يونان لبيب رزق فإن “سقوط نظام هو أهم ما كُتب عن تاريخ مصر في السنوات العشر السابقة على ثورة يوليو”، ووصفه رجاء النقاش بأنه “قصة إنسانية فاتنة”.
يقول “الأستاذ” في مقدمة الكتاب: “مرة أخرى في قراءة التاريخ يتأكد لأي قارئ أن الصراعات الكبرى حضانة للتحولات الإنسانية الأهم، وأن الحروب باعتبارها الذروة الخطيرة للصراعات هي الولادة الطبيعية للتحولات المؤثرة على حياة ومستقبل الشعوب والأمم”.
2- أكتوبر 73 السلاح والسياسة
هو الجزء الرابع والأخير من سلسلة “حرب الثلاثين سنة”، التى حكى فيها “الأستاذ” قصة صراع الأمة العربية بقيادة مصر، ضد الهيمنة الأجنبية منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي إلى منتصف ثمانينياته، والتى تضم على الترتيب “لفات السويس”، و”سنوات الغليان”، و”الانفجار”.
يروي الأستاذ هيكل في “أكتوبر 73 السلاح والسياسة”، الذي يضم بين دفتيه 1183 صفحة، مقسمة على ثلاثة أجزاء، تضم 42 فصلًا، وملحقًا وثائقيًا الكثير من الحقائق التي شهدها وعاينها في حرب أكتوبر عام 1973، ويخوض في عدة تحقيقات صحفية حول الاتفاقات والصفقات الحاصلة بين العرب، وانعكاساتها على الحرب مع إسرائيل، كما يروي الكتاب العديد من التفاصيل من قلب دائرة صنع القرار المصري، والقرارات التي اتخذت في ذلك الوقت.
3- الانفجار 1967
يحكي كتاب “الانفجار 1967” بالتفاصيل الدقيقة والوثائق والمخطوطات قصة عام 1967 الذي شهد تطورات خطيرة لا زالت آثارها جارية حتى اليوم، ويوضح “هيكل” فى مقدمة كتابه، أن أكثر ما ميز كتابه هو أن الكاتب نفسه كان شاهدًا على هذه الأحداث باعتباره رئيس تحرير صحيفة “الأهرام”، والصديق المقرب للرئيس جمال عبد الناصر، ويقع الكتاب في أكثر من ألف صفحة مدعمة بالوثائق.
4- المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل
يحاول الكتاب بأجزائه الثلاثة أن يجيب عن سؤال: لماذا كانت الحرب قريبة؟ ولماذا كان مطلوبًا أن تجري أية اتصالات أو مفاوضات بين العرب وإسرائيل من وراء حجب وأستار؟، ويتحدث عن التغيير الجذري الذي حدث في العلاقة بين العرب وإسرائيل، ويقول هيكل فى مقدمة ذلك الكتاب المهم: “إن الفصول الأولى من الكتاب هي بالفعل أشبه ما تكون بـ”تختة الرمل” – نموذج مجسم “ماكيت” للميادين التي جرت عليها “قصة المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل”.
5- زيارة جديدة للتاريخ
قال عنه “هيكل”: “أحاديث مع رجال أتاحت لي ظروف حياتي وتجربتي أن ألتقي بهم، وأن أحتك بأفكارهم وآثارهم أن أسبر –بقدر ما هو ممكن- أغوارهم، وأحاول –بقدر ما هو متاح- استكشاف أسرارهم ولماذا بلغوا من نفوذ على التاريخ الذي عشناه والذي نعيشه”.
يعود الأستاذ هيكل في هذا الكتاب إلى لقاءات أجراها مع 7 شخصيات هم: الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا، والرئيس السوفييتي السابق أندروبوف، والفيلد مارسال مونتجمرى، والعالم أينشتين صاحب نظرية النسبية، ورجل الأعمال الأمريكي دافيد روكفلر، والزعيم الهندي نهرو، وشاه إيران، ويكشف من خلالها كثيرًا من المعلومات والأسرار.
6- بين الصحافة والسياسة
صدر عام 1984 ويحكي فيه “هيكل” عن العلاقة بين الصحافة والسلطة، ويكشف جوانب مختلفة من تلك العلاقة كما يتحدث عن بداياته في مهنة الصحافة، ومما يقول في الكتاب: “علاقة الصحفي بالسلطة علاقة حيوية فهي صانعة الأخبار وهو يريد هذه الأخبار، وهو يريد في نفس الوقت الذي تريد هي فيه كتمانها أو على الأقل تكييف نشرها. ثم إنه بالنسبة لها وسيلة الوصول إلى الجماهير، ولذلك فهي – السلطة – تفضله أداة، ومن ناحيته هو – الصحفي- فإن هناك منزلقًا أن يصبح مجرد سلك وبوق”، وفي مقطع آخر يقول: “أعرف كم هي ضعيفة ذاكرة البشر أمام الأيام وأمام الأهواء، وهكذا فإنني طول عمري أسجل وأكتب وأحتفظ بكل ورقة أشعر أن ملف التاريخ الذي عشته قد يحتاجها في يوم من الأيام”.
7- مدافع آية الله.. قصة إيران والثورة
نُشر الكتاب فى الأصل باللغة الإنجليزية تحت عنوان “عودة آية الله”، وترجم بعد ذلك إلى العربية على يد الدكتور عبد الوهاب المسيري، والشريف خاطر، المدير العام السابق للدراما والتخطيط بالشبكة الثقافية بالإذاعة. ونشرت الطبعة الأولى من الترجمة عام 1982، بعد نحو 30 شهرًا من اندلاع الثورة الإيرانية.
يتناول فيه الأستاذ هيكل قصة الثورة الإسلامية في إيران وتحليل أسبابها، من خلال العديد من المقابلات التي أتيح له أن يجريها مع قيادات الثورة في إيران، ، ليكشف الكثير من التفاصيل والحقائق من الداخل الإيراني عن الثورة وقتذاك، وكيف وصلت إلى الإطاحة بالشاه، وصدر الكتاب لأول مرة باللغة الإنجليزية في بريطانيا.
ويرى “هيكل” في هذا الاسم أنه مطابق للحالة الإيرانية بعد الثورة مباشرة، فقد قال للخميني: “إذا استعملت تعبيرًاعسكريًا لتصوير الوضع فإني اسمع دوي مدافعك”. ولم يكن هذا الكتاب الأول لهيكل عن إيران فقد سبقه كتاب “إيران فوق بركان” عام 1951، وهو أول كتاب أصدره “الأستاذ”.
8- كلام في السياسة
سياق هذا الكتاب فصول كتبها الأستاذ هيكل طوال سنة 1999 وأول سنة 2000 لمجلة “وجهات نظر”، وهي عبارة عن مجموعة من المقالات التي تأخذ شكلاً جديداً على الصحافة العربية، حيث ينتقل هيكل من خلالها من كليات المسائل إلى تفاصيلها، ويربط ما بين الحوادث الكبرى المهمة الموجهة للتاريخ ما بين النزعات الإنسانية للبشر، وهم مادة التاريخ كما هم صنّاعه نفس الوقت. وقد تناول عددًا من الشخصيات مثل كلينتون، بطرس غالي، شخصية الملك حسين، وسار في منعطفات أخرى مثل حوارات مع القذافي ومفكرات في ملفات ملكية ومفاوضات سوريا وإسرائيل.
9- خريف الغضب
أكثر كتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل إثارة ً للجدل، صدر عام 1983 بالإنجليزية، خارج مصر، و فور صدور الكتاب، تعرّض هيكل لهجوم حاد داخل وخارج مصر: كيف يكتب عن السادات بعد اغتياله؟ لماذا لم يهاجمه أثناء حكمه؟، فكان رده: “انتقدته في حياته، وهذا الكتاب خلاصة دراستي وبحثي لحكمه.. والكتاب محاولة لشرح الأسباب التى أدت إلى اغتيال الرئيس السادات، وماذا جاءت النهاية على هذا النحو؟، وبالتالي فهو ليس سيرة لحياته ولا لدوره السياسي ولو قصدته كسيرة لرجل”.
ويروي صلاح عيسى أن فكرة الكتاب نشأت داخل المعتقل –كان السادات قد اعتقل هيكل ومجموعة من رموز المعارضة السياسية وعدد من الكتاب والصحفيين في اعتقالات سبتمبر الشهيرة- وأثار طبعه ونشره ضجة هائلة، وحقق مبيعات لم تتحقق تقريبًا لكتاب سياسي عربي، ومُنع الكتاب من دخول مصر.
10- مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان
في هذا الكتاب يفتح “هيكل” صندوق أسرار أيام مبارك، ليكشف فيها عن العديد من الألغاز والأسرار التي لم يعرفها المصريون عن حاكمهم، ولغز رجل حكم مصر ثلاثين سنة.. “آلاف الصور والحقيقة ضائعة.. هؤلاء الذين يظنون أنهم يعرفون مبارك هم في واقع الأمر لا يعرفون عنه شيئًا”.
ويقول “هيكل” في مقدمة الكتاب: “بدأت التفكير في هذه الصفحات باعتبارها مقدمةً لكتاب تصورت أن أجمع داخل غلافه مجمل علاقتي بالرئيس حسنى مبارك، وقد كانت علاقة محدودة وفاترة، وفى كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أكثر ما فيها – طولاً وعرضاً – لقاء واحد تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحًا لى الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981 – أي بعد شهرين من بداية رئاسته – وأما الباقي فكان لقاءات عابرة، وأحاديث معظمها على التليفون، وكلها دون استثناء بمبادرة طيبة منه، لكن الواقع أن الحوار بيننا لم ينقطع، وكان صعباً أن ينقطع بطبائع الأمور طالما ظل الرجل مسيطراً على مصر، وظللت من جانبي مهتماً بالشأن الجاري فيها، وعليه فقد كتبت وتحدثت عن سياساته وتصرفاته، كما أنه من جانب رد بالتصريح أو بالتلميح، وبلسانه أو بلسان من اختار للتعبير عنه أو تطوع دون وكالة.
وقد تراكم من ذلك كثير مكتوب مطبوع، أو مرئي مسموع، وفكرت أن أجعله سجلًا وافيًا – بقدر الإمكان – لحوارات وطن في زمن، ولعلاقة صحفي مع حاكم ومع سلطة في الوطن وفى الزمن، لكني رُحت أسأل نفسي عن الهدف من جمع هذا السجل، ثم ما هو النفع العام بعد جمعه”.
تجدر الإشارة إلى أن جميع الكتب سالفة الذكر نشرتها لأول مرة أو أعادت طبعها “دار الشروق”.