ذات مرة دخل أحد المواطنين من الشرفة إلى شقته مسرعا وملابسه قد ابتلت، وقال لزوجته إن السماء تمطر، لم تصدق الزوجة وردت بارتياح: “قايلين في التليفزيون الجو معتدل، يعني هصدقك وأكذب التليفزيون؟”، هذه الرواية تؤكد أن الإعلام كان في فترة من الفترات، خاصة فيما قبل عصر الانترنت والتدوينات ومواقع التواصل الاجتماعي، هو المصدر الوحيد للخدمة الإخبارية ذات الثقة، والتي يعتمد عليها المواطن بشكل أساسي في الفهم والمعرفة، وفي أمور حياته اليومية.
في الفترة الأخيرة أصبحت نسبة تصديق الأخبار في كبريات الصحف و المواقع الإخبارية 50% لدى معظم القراء، خاصة من يستخدمون عقولهم في تحليل وتدقيق و”منطَقة” المعلومات الواردة بتلك الأخبار، وأصبحت هناك أزمة ثقة حقيقية بين المتلقي ووسيلة الإعلام رغم كل ما تحاول تأكيده على المصداقية والحياد وخلافه، وهو الأمر الذي لم يتوقف فقط عند وسائل الإعلام ووصل إلى الحكومة ومؤسساتها، فأي بيان يصدر من مؤسسة حكومية يوفر أرضا خصبة للجدل والتكذيب والملاحظات والاستناد لخلفيات سابقة لوقائع شبيهة تعاملت معها نفس الجهة.
نرشح لك: طارق عباس يكتب: هل يتأثر القضاء بالإعلام؟!
في أزمة استيراد الغاز من الكيان الصهيوني ثارت ثائرة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وتهافتت منشورات التشكيك واللعنات والتخوين، وفي المقابل تطوّع المتطوعون في تبرير ما لم تبرره الحكومة نفسها وبدأوا في شرح مميزات الصفقة وآثارها الاقتصادية العظيمة، ودهاء وحنكة المسئولين المصريين في إنهاءها، ووصل الأمر لحد السباب المتبادل بين وسائل الإعلام والاتهامات بالتضليل والتخوين وإحداث الفتنة بين المصريين.
ورغم تحول معظم المصريين إلى خبراء في شئون الغاز المسال وأنابيب البترول، إلا أن الأزمة تكمن في فقد المواطن الثقة في الحكومة التي قد تكون أصابت أو أخطأت في مسألة استيراد الغاز من العدو الصهيوني، وأيضا في الإعلام الذي قد ينقل الصورة مجردة ويترك الحكم للقارئ، أو يحلل ويوجه الأخبار في اتجاه معين يعلمه القارئ مسبقا، وبالتالي لن يصدق ما يقول لأنه يعلم توجهاته.
وعلى هذا المثال هناك عشرات الأمثلة الأخرى منها بيانات الداخلية في أي وقائع تعذيب مواطنين أو وفاة مواطن في قسم شرطة أو سجن، ولنا في بيانات الداخلية عن مقتل الشاب الإيطالي “ريجيني” والشاب المصري “عفروتو” وغيرهما مثالا واضحا، فضلا عن تصريحات مسئولي الصحة عن حالة المستشفيات وحلم الأجانب في العلاج بمصر، وتصريحات مسئولي المترو عند اتخاذهم قرارات بزيادة أسعار التذاكر، وتبريرات مسئولي الكهرباء والبترول لزيادات الأسعار المتتالية في فواتيرهم، وغيرها وغيرها من التصريحات التي يتعامل معها المواطن بمبدأ: “الحكومة كاذبة إلى أن يثبت العكس”.