رباب طلعت
من قلب الحصار خرج “الضوء من عيونهم”، وجوه فلسطينية، أطفال وشيوخ، مناظر طبيعية خلابة، تعكس وجه المرآة الآخر للمدينة الأسيرة، بعيدًا عن الدماء والأشلاء، القتلى والجرحى، والحزن، ظهرت للعالم بعدسة المصور فادي ثابت ، أحد أبنائها الذي بحث عن دورٍ له تجاهها، بأن يراها العالم كما هي، حزينة لكن جميلة، لا صوت لها لكنها مليئة بالحكايات التي ترويها الصور.
نرشح لك: جميلة بو حيرد.. المناضلة التي استفزت ضحكتها الاستعمار
المصور الفلسطيني فادي ثابت ، الذي وصل بصورهِ للعالمية، تحدث مع “إعلام دوت أورج” عن حكاياته مع “الكاميرا”، ورسائل غزة التي ترويها صوره.
عن من يكون؟ وكيف بدأت خطواته الأولى في عالم التصوير يروي:
أنا اسمي فادي عبدالله ثابت ، معلم تربية فنية، من فلسطين تحديدًا من سكان قطاع غزة، المدينة المحاصرة التي اتعبها الحصار والموت.
الأصل كان في البدايات الأولى… رحلة الشغف لم تبدأ مع التصوير، فرحلة الشغف كانت منذ المرة الأولى التي خَطَطْتُ فيها أشكالًا ودوائر وخطوطًا على الأرض بعود شجرة صغيرة على الأرض… منذ ولادتي عندما روت جدتي أنا ولدت بالمستشفى غير كل الأطفال قائلة: “كانت عيونك مفتحة تسكنها دهشة الأشياء، كنت تطلع علينا واحد واحد، طفل غريب!”، كنت وأنا صغيرٌ أميز الألوان، والأسماء، والكنيات، بعكس أقراني، كنت أرسم على أي ورقة أجدها في الشارع، وأجيد التخطيط، لتبدأ الرحلة منذ الطفولة المختلفة التي عشتها، وبعدما كبرت قليلًا أصبحت ألاحق الضوء، تلك المرحلة الأصعب التي بدأتها بروحي ودمي ومشاعري وأعصابي، حيث كنت انتهج عبادة التأمل في مخلوقات الله، لأجد دربًا من دروب الحكمة، إلى أن وصلت للتصوير الفوتغرافي، الذي وجدت فيه ضالتي.
في التصوير بدأت الانتقال من صورة لصورة، بمزيدٍ من الإصرار والشغف والدهشة، اكتشف عوالم أخرى لا يعرفها عامة الناس، وجدت نفسي في رحلة بالعالم الخفي، ذلك الوجه الآخر للحياة.
عن ولادة الفن من قلب الحصار قال:
لدي قناعة قديمة بأن الحصار يكتشف العديد من الامكانيات والطاقات، وقد شعرت بأنني يجب أن أكون صاحب قضية، فغزة مدينة تعرضت للحروب المتتالية ولا زالت، عشنا فيها الموت والقصف والتشريد، خرجنا من بيوتنا هربًا من الموت وآلة الموت، فقدنا أعز الناس، أصحابنا وجيرانا، المنازل سقطت على رؤوس أصحابها، وقع ضحايا بالمئات، رأينا مشاهد، هي أقرب من البعث والخروج من القبور كالنفخ في السور، عشت الانتفاضة الأولى، حيث كنت طفلًا صغيرًا، شاهدت الإصابات اليومية والظلم، ثم عاصرت فترة الاجتياحات، وكيف كانت الدبابات تُدمر الأخضر واليابس، ومن وقتها شعرت أنني سأكون صاحب قضية، ولو بشيء بسيط أقدمه لوطني، فدائمًا ما راودتني فكرة بأنه لا يصح للإنسان أن يكون عاديًا في ظروف غير عادية، إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه أن أوصل فكرتي عن طريق التصوير الفوتوغرافي، وأحاول رغم مشاهد البشاعة والموت اليومي، أن اختطف لحظات الجمال، تلك اللحظة الفارقة، التي جسدتها صوري في شروق الشمس وغروبها، وجوه الأطفال والأيادي المجعدة لأجدادنا ففيها تكمن قصة الصمود الأولى، في أيادي من جبلوا بشرايينهم طين الأرض وعشقها.
عن ذكريات اللقاء الأول مع الكاميرا يسرد:
لم أكن أعلم شيء عن التصوير تمامًا ولم أمتلك كاميرا قبل تلك اللحظة قد، ففي إحدى رحلات التصوير مع أصدقائي، سمعت صوت “شاتر” الكاميرا مع أحد الشباب وهو يصور، فخطفني وأيقظ شئًا ما بداخلي، ومع تكرار صوته، طلبت منه أن أجرب وسألته عن ذلك الصوت الغريب فأخبرني باسمه لأول مرة “شاتر الكاميرا”، ومسكت الكاميرا مستسلمًا لذلك الإحساس الغريب في أعماقي والذي يحدثني، وضغطت على الكاميرا للمرة الأولى، وفي اليوم التالي اشتريت كاميرا، سألت صاحب المحل على كيفية تشغيلها قال لي هذا زر “on” وهذا “off”، وبدأت رحلتي معها.
وعن الوصول للاحترافية ذكر:
كانت بدايتي مع التصوير بأخذ لقطات وجهًا لوجه، لكن في مرة كان معي صديق لي أخبرني أن الاحترافية تطلب التقاط كوادرٍ مختلفة عن باقي المصورين، فأصبحت أجرب من كافة الاتجاهات، لاكتشف عوالمًا أخرى، وألوان مميزة، فأشعر وأنا أصور كأني اتحكم بأصابعي في عجلة الكوكب، أديره كيفما شئت، ومن هنا بدأ الهوس بالمهنة، فوسعت دائرتي، أخرج مع أصدقائي، وأتعرف على مصورين واسألهم، وأتعلم منهم وكذلك من دروس “اليوتيوب” وأطبق إلى أن وصلت للاحترافية، وإلى اليقين بأن عالم التصوير مليء بالأسرار، ونحن نكتشف منه أجزاءً مخبئة عن العامة.
وعن لمَ وجوه الناس أجاب:
وجوه الناس بها التفاصيل، وفيها الحقيقة، والعيون تحمل كل الكلام، كل ما قيل وكل ما لم يُقال، فالوجوه عالم مصغر للكون، مستودع للأسرار، وأنا احتفظ به كله في صورة، لا أعدل عليها إلا ببعض المعالجات الصغيرة، فكل صوري ألوانها طبيعية، وعيون الأطفال والكبار كما خلقها الله.
ما تُفصح به غزة في الصور:
قضيتي أو رسالتي التي أريد إيصالها إلى العالم، هي ما تريد أن تُفصح غزة عنه أولها: غزة من حقها تمارس الحياة كباقي شعوب الأرض، ثانيها: أطفال وشيوخ ونساء وشباب غزة لهم الحق في ما جاء باتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف للأطفال، وثالثها: من حق أهل غزة أن يتمتعوا برزمة من الحقوق كالحق في الحياة والتنقل واللعب والكرامة والعلاج والسفر، فلا يوجد احتلال في هذا القرن إلا الاحتلال الصهيوني لنا، نحن نتوق إلى الحرية والكرامة، وممارسة حقنا في الحياة.
وإجابة عما حققه الشغف قال:
حققت الكثير من خلال عدسة الكاميرا، وحاولت إيصال رسائل المدينة المحاصرة، وفي خلال تلك الرحلة حصلت على العديد من الجوائز مثل الميدالية المتميزة في جائزة حمدان للتصوير الفوتوغرافي محور التحدي، وجائزة عبد الرازق بدران للقراءة المركز الأول مكرر مرتين عن ثيمة آراء الحكام، وحصلت على الميدالية الذهبية والمركز الأول في مسابقة وطني الأكبر في جمهورية مصر العربية بالمسابقة الخاصة بالمنظمة العربية للتصوير، جائزة المنظمة العربية عن محور البورتريه وشهادة الأورد بمصر، وكان لي العديد من المشاركات بمعارض منها، معرض آفاق ـ جمعية الشبان المسيحية عام (2003)، و(2005)، ومعرض شخصي “حالة بحث” وزارة الثقافة الفلسطينية (2006)، ومعرض الصور الذي نظمه مركز الدوحة لحرية الإعلام 25 مارس (2013 ) عن قسم القصة الإنسانية، ومعرض أزهار الربيع 24 إبريل في جمهورية مصر العربية بساقية الصاوي، ومعرض شخصي ضم 120 عمل فوتوغرافي في محترف شبابيك بعنوان على هامش الضوء حكاية 2013، كذلك المنحة الفنية للفنانيين الشباب المقدمة برنامج الفنون المعاصرة “التقاء”، ومهرجان على طريق القدس في المعرض الفني الذي نظمة مركز رواسي للثقافة والفنون مايو (2016)، ومعرض شخصي ضم 1000 عمل من إنتاجي في ميناء غزة البحري (2017 ) باسم “1000 صورة من المدينة المحاصرة”، والكثير من المعارض الجماعية داخل الوطن ورسم الجداريات.
تلك الأحلام صعبة..
مع كل تلك الجوائز والتكريمات، لم أستطع السفر لتسلمها بنفسي، بسبب الحصار، فنحن بحاجة إلى منفذ على العالم الخارجي، فأنا أريد أن أسافر وألف العالم لاكتشاف أشياء جديدة، وعوالم ثانية، كما أطمح في إقامة معرض يضم ١٠٠٠ عمل في أي دولة عربية تتبنى هذه الفكرة مؤسسة مهتمة بهذا الشأن ويكون اسم المعرض “نافذة على غزة” لتوصيل رسائل الناس والبؤساء والكادحين وتوصيل رسالة الجمال الوجه الآخر للمدينة.