طارق الشناوي
نقلًا عن المصري اليوم
برغم أن البيان الأول الصادر من مهرجان برلين عن فعاليات الجزء الأول يؤكد تحقيقه للنجاح، وهو غالبا ما سوف يتكرر فى النصف الثانى، فهناك على الجانب الآخر من يرى الإدارة لم تقدم دورة ناجحة. صحيح أن مؤشرات أرقام شباك التذاكر والإقبال الجماهيرى تؤكد أن الرقم لصالح المهرجان، تجاوز ربع المليون تذكرة، وسوف يصل مع نهاية المهرجان إلى نصف المليون، فالتغيير قادم، لا تزال كفة الإبهار تميل أكثر لصالح مهرجانات منافسة مثل (كان)، ولهذا يرى الغاضبون أن (برلين) من حقه أن يحلم بما هو أفضل.
نرشح لك.. جوائز لجنة التحكيم الدولية لـ مهرجان برلين السينمائي الدولي
النتائج أعلنت، مساء أمس، وبالطبع ظروف الطبع تحول دون تناولها فى تلك المساحة، إلا أن ما يمكن حقا الحديث عنه والتوقف عنده هو أن مستوى الأفلام بوجه عام لم يكن جيدا بالمهرجان العريق، وخلال متابعتى للدورات الأربعة الأخيرة أستطيع أن أقول إنها الأقل جاذبية بالقياس.. مدير جديد يخلف ديتر كوسليك، المدير الحالى هو المعلن بقوة، وهو كان مدركا أن تلك هى دورته الأخيرة، لكى تأتى دماء جديدة تضخ أفكارا مغايرة، خاصة أنه لم يبق على بلوغ المهرجان الـ70 من عمره سوى عامين فقط، فهو الثالث تاريخيا، بعد (فينسيا) و(كان)، اللذين تجاوزا بسنوات قلائل، رغم أن (برلين) من أكثر المهرجانات فى العالم التى لا تكف عن المشاغبة فى المساحات الممكنة سياسيا واجتماعيا.
المهرجانات الكبرى فى العالم يضمها (اتحاد للمنتجين)، وهو يضع شروطا قاسية على الاختيارات للأفلام لا يجوز تجاوزها، وهو أيضا لا يسمح بتغيير الميعاد أو التوجه الجغرافى والفكرى للمهرجان، وهذا الاتحاد ينضوى أيضا تحت رايته مهرجان (القاهرة)، منذ أن أقيمت دورته الأولى عام 76، وبعد عدد من الإخفاقات فقدنا الصفة الدولية، فى مطلع الثمانينيات والتى عادت عام 86، وذلك مع تولى سعد الدين وهبة المسؤولية. الغريب أن يطالب البعض الآن، لعدم دراية تاريخية، بنزع تلك الصفة أو الأقل دراسة خروج مصر من هذا الاتحاد، بحجة أنه يشترط أن الأفلام المشاركة فى المسابقة الدولية تصبح تلك هى محطتها الأولى عالميا، وهكذا تضيق مساحة الاختيارات، والقاعدة كما ترى لصالح المهرجان أن يستحوذ على نقطة الانطلاق الأولى للعمل الفنى برغم صعوبة تحقيق ذلك، وبالطبع كل مهرجان يسعى لتحقيق هذا الانتصار وإلا ما جدوى المهرجان، إذا لم يلعب دور المكتشف الأول للفيلم، أو لاسم مخرج يقدمه، لأول مرة.
الاتحاد دوره تنسيقى، كما أنه أيضا يمارس دور المتابع، ومصر عن طريق غرفة صناعة السينما عضو فى الاتحاد، ولهذا صار المهرجان، ضمن المهرجان العالمى الدولى، وهذا لا يعنى نظريا أى أفضلية خاصة، فقط هو واحد منها، فهو مجرد توصيف وليس تصنيفا.
هناك مشاكل- ولا شك- تواجه مهرجان القاهرة فى العثور على فيلم عربى أو حتى مصرى يعرض لأول مرة، والأمر طبعا يحتاج لتنسيق بين المهرجانات العربية، لقد حاولوا، منذ أكثر من ربع قرن- أقصد عددا من رؤساء المهرجانات العربية- تنظيم اتحاد يجمعهم تحت مظلة واحدة، الغرض هو مواجهة المشكلات والالتزام بجدول زمنى لكل الفعاليات، ولكن على مدى ربع قرن أيضا وأنا اتابع بصفتى الصحفية كل هذه اللقاءات المليئة بالأحلام الجميلة والمفعمة فى نفس الوقت بالنوايا الحسنة والمشاعر الطيبة، ثم لا شىء يحدث على أرض الواقع.
نرشح لك.. 10 معلومات عن الدورة 68 لمهرجان برلين السينمائي الدولي
كل مهرجان عربى يريد أن يقتنص الأفضل والمتاح عربيا قليل جدا، وهكذا صارت النجوم والأفلام تتحرك، وفقا لنظرية (الكعب الداير)، كما أن كل مهرجان فى واقع الأمر لا يملك قراره بيده، حتى موعد الإقامة فهو رهن بما تسمح به الفنادق وشركات الطيران، وهى فى العادة تحدد فترة زمنية تستطيع من خلالها أن تمنح المهرجان تخفيضات، وهكذا تزاحم عدد كبير من المهرجانات العربية فى شهرى أكتوبر ونوفمبر وحتى منتصف ديسمبر رغم أنه لصالح المهرجانات أن يعاد تفنيط أوراقها مثل (الكوتشينة) دون جدوى.
حتى التوافق الزمنى بين مهرجانى (دبى) و(مراكش)، لم يتم حسمه، فى مصر يحاولون الإعلان عن اتحاد يضم كل المهرجانات المصرية السينمائية والتى ازداد عددها فى السنوات الأخيرة فى أعقاب ثورة (25 يناير)، وفى مهرجان (أسوان) لسينما المرأة، تم الإعلان عن اتحاد المهرجانات المصرية بغرض التنسيق، فهل سيتوقف الصراع، فى ظل تضاؤل عدد الأفلام المصرية والعربية الجيدة؟ كل مهرجان يسعى للحصول على أكبر قسط منها، يتكتم الاتصال بصناع الفيلم، حتى يستطيع الحصول على هذا الفيلم أو لتكريم ذاك النجم، كيف يتم التنسيق وكل مهرجان يدخل فى معركة مع المهرجان الآخر ويراعى السرية حتى لا يكشف كل أوراقه، صحيح أن الاتحاد تحت رعاية نقابة السينمائيين واتحاد النقابات الفنية، ولكن من الناحية العملية يصعب الالتزام بقرارته.
هل يملك الاتحاد القدرة على فرض آرائه؟ الحقيقة أن كل رئيس مهرجان مغلولة يده فى الكثير من الأمور، ولكن لا أحد سيعترف.
نرشح لك: صور : مهرجان برلين .. النجاح يبدأ من التفاصيل
يجب أن نذكر أن مأزق المهرجانات فى مصر كان قبل ثورة يناير قائما وأهمها عزوف الجماهير عن الذهاب للمهرجان، وهذا المأزق بعد ثورة 25 يناير ازداد ضراوة، برغم أننا نعيش حقا فى هوجة مهرجانات تملأ سماء مصر، فجأة اكتشفنا أن الكل يرى فى نفسه القدرة على إقامتها، وكل مهرجان مفروض أنه يدبر 50% من نفقاته، ولكن لا أحد فى الحقيقة يفعل ذلك، والكل ينتظر الدولة أن تسدد، بينما الدولة لا تملك سوى القليل.
هل كلهم عشاق للمهرجانات، أم أنها تحقق رواجًا أدبيًا لهم، من خلال مناصب تسند إليهم، حتى إنهم يغيرون المكان والتوجه الجغرافى للمهرجان، لمجرد تحقيق التواجد والحصول على دعم الدولة.
أعلم تماما أن إمكانيات المهرجات المصرية جميعها محدودة جدا، ولا تستطيع أن تنهض بمهرجان يليق باسم مصر، ودخول مهرجان (الجونة) داخل (الكادر) لعب دورا إضافيا فى عقد تلك المقارنات، أفكار عديدة تشابكت، وأنا أنتظر معكم إعلان نتائج مهرجان برلين.