أحمد شعبان
على مدى سنوات طويلة من العمل التليفزيوني، قدّم الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم عيسى خلالها العديد من البرامج السياسية والاجتماعية والدينية والتاريخية، على شاشات مختلفة، ظلّت استعانته بالكتب ملمحًا رئيسيًا من ملامح برامجه، خاصة الأخيرة منها، فالصحفي غزير الثقافة واسع الاطلاع يعرج إلى الكتب مفتشًا عن وقائع من تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي والفني، يرويها ويستشهد بها، عند التعرض لقضية ما، أو خلال حديثه عن موضوع بعينه، فيأخذك في جولات، ويقرأ على متابعيه مقاطع عدة من الكتب التي يسلّط الضوء عليها.
نرشح لك: زيارة لمكتبة “حوش عيسى”.. (3-4)
بعيدًا عن السياسة التي ملّ منها المشاهدون، والآراء الدينية التي تثير جدلًا، اختار ” عيسى ” لبرنامجه الجديد “حوش عيسى” ، الذي يعود به بعد غياب عام كامل عن الشاشة، ويُعرض على شاشة“ON E” ، أن يركز على موضوعات اجتماعية وتاريخية وفنية، ويذكر أحاديث وحكايات مختلفة ومتفرقة وممتعة في آن واحد، ويشرح ويحلل بالأفلام والأغاني، كما يروي حكايات سينمائية لأفلام شهيرة. ويبقى بارزًا في كل حلقة استعانة “عيسى” ببعض الكتب، التي يقرأ على مشاهديه مقاطع وفقرات منها، عند حديثه عن مسألة معينة.
نرشح لك: زيارة لمكتبة “حوش عيسى”.. (2-4)
وفي السطور التالية، يتابع “إعلام دوت أورج” نشر سلسلة موضوعات عن مكتبة “حوش عيسى”، مسلطًا الضوء على الكتب التي استعان بها “عيسى” في حلقات برنامجه، ولماذا استعان بها، والمقاطع والفقرات التي توقّف عندها.
16- كتاب “مأساة مدام فهمي” لـ صلاح عيسى
صدر عام 2011 عن دار الشروق
تحدث إبراهيم عيسى عن مقتل علي فهمي “المصري” على أيدي زوجته مارجريت ميلر “الفرنسية”، في أحد فنادق لندن، موضحًا أن تلك القضية اعتبرها كثيرون واحدة من القضايا المعبرة عن العلاقة بين الشرق والغرب، ويشير إلى العلاقة المأساوية بين علي فهمي ومارجريت ميلر، والخلل النفسي في شحصية كل منهما.
يتطرق ” عيسى ” إلى ظروف نشأة وشكل حياة علي فهمي، يقرأ من الكتاب: “والحقيقة أن علي كامل فهمي لم يكد يتسلم أطيانه وإيرادات سنوات الوصاية حتى دخل مسلحًا بهما إلى مجتمع الكشاكش المصريين، ليحدث فيه قلقًا واسعًا بعد أن ارتفع بمستوى الإنفاق على ضرورات الوجاهة الاجتماعية إلى ذرى غير مسبوقة”، كما يشير إلى حياته المرفهة المترفة وحكاياته ونزقه مع زوجته وخطابها الذي أرسلته إلى أحد المحامين، تتهم زوجها علي فهمي بقتلها لو ماتت، وتذكر تهديده لها بالقتل دون سبب لكن حدث العكس، فهي التي قتلته، كما يشرح كيف قام محاميها بتحويل مجرى القضية إلى شكل صراع ومنافسة بين الشرق والغرب، وقضت المحكمة في لندن ببراءتها في نهاية الأمر.
نرشح لك: حوش عيسى – جزء من حياة “علي فهمي ” من كتاب ” مأساة مدام فهمي ” للكاتب صلاح عيسى
صدر عن دار المعارف عام 1990، كما نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1997
أشار ” عيسى ” خلال برنامجه إلى غزو سليم الأول السلطان العثماني لمصر، وما أحدثته الخلافة العثمانية في مصر من نهب وسرقة وتجريف، وكيف أن كل ما حدث من أعمال النهب والسرقة والقتل كانت من خلال فتاوى دينية، يُصدرها مشايخ السلاطين، ويبررون بها للخليفة أو السلطان ما يفعل من فظائع، وما يرتكب من جرائم.
نرشح لك: حوش عسيى – مارجريت ميلر وعلي فهمي .. علاقة مأساوية بين الشرق والغرب ” الجزء الثاني “
توقف ” عيسى ” عند الفصل الأول من الكتاب بعنوان “الجمعة الحزينة” يقرأ منه: “وحقيقة هذه الفتاوى، الأولى: أنه إذا نادى أحد سلاطين الإسلام بالجهاد لإبادة المارقين، أي العجم، فصادفته عوائق بسبب المساعدة التي يبذلها سلطان آخر من سلاطين المسلمين، فهل تبيح الشريعة الغراء لأولهما أن يقتل الثاني ويستولي على مملكته؟ فأجاب جمالي أفندي: من نصر كافرًا فهو كافر، والثانية: إذا كانت أمة من الأمم التي تدين بالإسلام، يقصد المصريين، تؤثر تزويج بناتها من الكفار، يعني المماليك الجراكسة، بدلًا من تزويجهم بالمسلمين، فهل يجوز مقاتلة هذه الأمة؟ أجاب جمالي أغندي: بلا مبالاة ولا مقاضاة”!.
ثم مضى “عيسى” يستعرض جوانب من سرقة السلطان العثماني لمصر، وكيف نهب خيراتها، يقرأ من الكتاب: “حين دخل مصر أمر بحبس ألفين من رجال الحرف والصناعات وكبار المباشرين والتجار إلى جانب من القضاة والأعيان والآمراء والمقدمين، وكان قد نزع من بيوت مصر أثمن ما فيها من منقول وثابت، حتى الأخشاب والبلاط والرخام والأسقف المُزبكة والأعمدة السماقية بإيوان القلعة، ومجموعة المصاحف والمخطوطات والمشاكي والكراسي النحاسية والمشربيات والشمعدانات والمنابر(..)، وحمل سليم معه بطريق البر على ألف جمل – كما أشيع– أحمالًا من الذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت، ثم أخذ الخيول والبغال والجمال والرخام الفاخر، ومن كل شيء أحسنه، وبطلت من القاهرة نحو خمسين صنعة، وخرج جماعة من المباشرين وبعض كتبة الخزينة وأرباب الصنائع وشيخ سوق الغزل وسباكين وحدادين ونجارين والمرخمين والخراطين والمهندسين والحجّارين، وغيرهم حوالي 1800 نَفْس، وحملت مراكب سليم حتى الشبابيك الحديد والطيقان والأبواب والسقوف”.
يُكمل ” عيسى ” أنهم خرجوا بسفينين إحداهما وصلت وبنت كل ما نراه في تركيا الآن من معالم وجمال، والأخرى غرقت بكل ما فيها من فنانين ومبدعي مصر، الذين سرقهم واستلبهم السلطان العثماني.
نرشح لك: حوش عيسى – شاهد.. إبراهيم عيسى يحلل وحشية سليم الأول في التعامل مع المصريين
صدر عام 1973 عن المكتب المصري الحديث، وطبعته دار الشروق عام 2010
يتحدث عيسى عن عبارة مقولة “زمن الفن الجميل”، وكيف أنها مضللة ومخادعة، وأن ما نعتبره حاليًا فنًا جميلًا كان معاصروه من نقاد وصحفيين ينتقدوه بشدة، وأنه في أيام الماضي و”الزمن الجميل” كان أيضًا هناك فنًا ليس جميلًا، ويتطرق إلى كتاب أحمد رجب، الذي يحكي بطريقته الساخرة المعهودة من خلال مجموعة من المقالات عن الأغاني التي عاشها وعاصرها “رجب”، محاولًا الوصول إلى “كتالوج” لها، من أجل اكتشاف القوانين والقواعد الجامعة للكتابة الغنائية، وكيف أن عدد كبير من الأغاني تدور في عالم واحد، وتدور في دوائر من المعاني والتعبيرات المُعادة والمُستهلكة، والتي تدعو إلى السخرية منها في بعض الأحيان.
نرشح لك: حوش عيسى – صدمة كبرى .. بهذه الطريقة كتبت أجمل أغانينا المصرية
نرشح لك: حوش عيسى – القواعد الأربعون لكتابة الأغاني العاطفية .. كوميديا ساخرة
19- كتاب “فجر التصوير المصري الحديث” لـ عز الدين نجيب
صدر عام 2000 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب
في حديثه عن تاريخ الفن في مصر قال “عيسى” إن مصر بلد “فنانة” منذ نعومة أظافرها، والفن بدأ معها منذ نشأتها، ومنذ بناء المعابد وظهور النقوش والرسوم عليها، ثم تطرّق إلى ظهور الفن في مصر بمعناه الأكاديمي، وتحدث عن تاريخ نشأة أول كلية للفنون الجميلة.
يقرأ ” عيسى ” من الكتاب: “في 1908 استجاب الأمير يوسف كمال لنصيحة صديقه المثّال الفرنسي جيوم لابلان، بإقامة مدرسة للفنون على غرار مدرسة الفنون بباريس.. والغريب في الأمر أن يوسف كمال طلب يستأنس برأي ذوي الفكر من المصريين والأجانب في إمكان إنشاء هذه المدرسة، وفشل لابلان في إقناعهم بوجود مواهب فنية موروثة تكمن في أعماق نفوس الشعب المصري، وأعاد الكرّة مع يوسف كمال إلى أن أقنعه بأن إنشاء مدرسة للفنون في مصر يعتبر حدثًا تاريخيًا يهيئ له مكانًا مرموقًا بين أقرانه من الأمراء”.
ثم يذكر ” عيسى ” أنه بعد موافقة الأمير يوسف كمال على إنشاء المدرسة، تقدّم لها 170 رجلًا لتعلم فن الرسم والفنون الجميلة، والطالب الأول كان محمود مختار فنان مصر الكبير. ويشير إلى أن الأمير يوسف كمال ظلّ يتحمل نفقات المدرسة إلى أن تحولت إلى مدرسة عليا، وأوقف لها مبالغ كبيرة وعمارات وأراضي زراعية، تُنفق على تعليم طلاب المدرسة، وسفر أوائل الخريجين إلى الخارج للتعلم.
كما توقف عند كتاب “صعاليك الزمن الجميل” لـ يوسف الشريف مشيرًا إلى أن أمثلة كثيرة من طائفة الأثرياء والأعيان والوجهاء في مصر الذين أنفقوا أموالًا طائلة على الثقافة وطباعة أمهات الكتب، فخُلدت أسماؤهم.
نرشح لك: حوش عيسى – مصر علمت العالم كله معنى الفن
صدر عام 1995 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب
استعان ” عيسى ” بالكتاب خلال حديثه عن الأديب الكبير نجيب محفوظ، ومشاركاته في بداية حياته في المسابقات الأدبية، والمعاملة التي عومل بها، إلى أن انتهى به الحال حاصلًا على الجازة الأعرق والأهم في العالم، جائزة نوبل. ويسلط الضوء على عدة خطابات أرسلها محفوظ إلى صديقه أدهم رجب، في وقت مبكر من حياته.
حول المسابقات الأدبية التي شارك فيها أديب نوبل في بداية حياته، يقرأ “عيسى” من الكتاب: “”يقول في رسالة حول هذا الموضوع لصديقه أدهم رجب فيقول (نجيب محفوظ): استدعاني سكرتير اللجنة الأدبية بالمجمع اللغوي أنا والأستاذ عادل كامل، وقال لنا إن اللجنة قررت تأجيل البتّ في نتيجة مسابقة القصة وستعلن عنها من جديد، وأدلى إلينا بالمعلومات الآتية:
1- قررت اللجنة أولًا أن تختار قصتي وقصة عادل لتمنحهما الجائزتين على أن تنظر الأمر في جلسة أخرى من حيث الترتيب.
2- في الجلسة الثانية قال العقاد: – ولم يكن قرأ قصة عادل- إن قصة عادل شيوعية صريحة، وبعد مداولات تقرر إخراجها ومنحي الجائزة أنا وثالث – وربما كان الثالث هو محمد عفيفي الذي كتب مجموعة قصص بعنوان أنوار.
3- اعترض العقاد أيضًا على قصة الآخر على اعتبار أنها ليست بقصة فنية، ولم توافق اللجنة على أن أمنح الجائزة بمفردي.
ويعلق الأستاذ نجيب فيقول لصديقه: من ذلم ترى أن فن واحد وعدم فن الثاني ضيّعا عليّ الجائزة وعليه ستُعاد المسابقة.. ثم قال السكرتير إن اللجنة تطلب:
1- من عادل أن يغير روح الرواية ؟؟
2- ومني ان أصور فلسفة الخيانة في قصتي – السراب- أي لا يكفي أن أكتب عن خيانة زوجته من وجهة الرواية السيكلوجية، وإنما ينبغي أن أحكم عليها من الوجهة الأخلاقية وليحيا يوسف وهبي، وبطبيعة الحال قررت ألا أعود إلى شيء اسمه لجنة أو مسابقة.
فما رأيك؟ ألست معي بأني ظُلمت وبأني أظلم كرامتي أكثر إذا تقدمت مرة أخرى؟”.
ثم يشير “عيسى” إلى خطاب أرسله محفوظ إلى صديقه في عام 1947 يقول له أنه تقدم لجائزة هدى شعراوي وفاز بها، ثم عاد أيضًا وشارك في مسابقة المجمع اللغوي، لأنه كان في حاجة ماسّة لنقود، فقدّم رواية القاهرة الجديدة وخان الخليلي وزقاق المدق، ومنحه المجمع 150 جنيهًا مصريًا، يقرأ من الكتاب: “كانت عزائي على التقارير الجاهلية التي قرأتها عن القصص، ولكن بالله ماذا أصنع؟ لست أريد أن أستذل قلمي في التهريج الشعبي، والأدب الحقيقي لا يأتي إلا بالديون ، وقد كان مما شجعني أن تيمور بك دخل مسابقة العام السابق، والحق أنه لولا العقاد والمازني لبرمت مني الجائزة.
ومن أخبارنا أيضًا أن العقاد سئل عن القصاصين الثلاثة الأول فقال: الحكيم وتيمور والعبد لله، وسألوا بيرم التونسي فوضعني في الأول. وكانت النتيجة أن توفيق الحكيم كتب مقاله في أخبار اليوم يهاجم القصة وما يسمونه أدب الحياة ويقول أنه فن نسوان وأن الأدب الحقيقي هو الفكر”.