نقلا عن المصري اليوم
لا أستطيع أبداً استبعاد نظرية المؤامرة على تليفزيونات وإذاعات ماسبيرو ، مما جعلها تصل إلى الحالة التى تمر بها الآن، هوجة دخول تليفزيونات رجال الأعمال على الخط من داخل وخارج مصر كانت واسعة وعنيفة، ولم تكن شريفة فى بعض منها، كان هناك حديث عن سرقة أفلام ومسلسلات وبرامج لحساب القطاع الخاص، كان هناك حديث عن بيع بأبخس الأثمان، ثم جاء الحديث عن شراء وإغراء المذيعين، ليس فقط، بل المعدين والمخرجين وكل الأطقم الفنية، بعد ذلك جاء دور الضيوف الذين أصبحوا يطلبون مقابل الظهور، تليفزيون ماسبيرو لا يدفع، ثم جاءت عملية هروب الإعلانات، وهو أمر طبيعى، قنوات لا يشاهدها أحد، ناهيك عن أن أصحاب التليفزيونات الخاصة هم فى نهاية الأمر أصحاب المشاريع، أى أصحاب الإعلانات، بإمكانهم إسقاط أى منظومة إعلامية منافسة، صحفية كانت أو تليفزيونية، وقد كان.
نرشح لك: سليمان جودة يكتب: ماسبيرو يغلى!
كان من المفترض أن يقوم ماسبيرو بتطوير نفسه سريعاً، حدث ذلك قدر الإمكان فيما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، كان الوزير صفوت الشريف يعى حجم الأزمة ويمسك بخيوطها، بعد ذلك تدهورت الأمور سريعاً حتى كان ما كان من تراجع نسبة المشاهدة إلى الحدود الدنيا، بالتالى يعى الضيوف أن وقتهم يذهب هدراً مع مثل هذه القنوات، كما يعى المعلنون أن أموالهم تذهب كذلك، كما يعى المشاهد أنه أصبح أمام برامج تسجيلية أشبه بإنتاج هيئة الاستعلامات، ظل عدد القنوات والإذاعات كما هو كبيراً دون جدوى، ودون إدراك أن «العدد فى الليمون»، كان هناك انتباه للحالة، إلا أنه القرار، من يستطيع اتخاذ قرارات الإغلاق، والدمج، وإعادة الهيكلة، وتسريح المترهلين، ومن لديه القدرة على ذلك.
توقفت أمام هذه القضية، وأنا أتابع ما قاله قبل أيام قليلة الأستاذ أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب: إن هناك ٢٣ قناة تليفزيونية تتبع ماسبيرو، بخلاف ٧٦ قناة إذاعية، مشيراً إلى أن إعلام الدولة ليس مطلوباً منه الربح، ولكن مطلوبا منه أيضاً عدم إهدار الأموال، قال إن الأساس فى تطوير ماسبيرو هو تطوير المستوى الاقتصادى، ذلك أن إدارته خلال الأعوام الثلاثين الماضية تسببت فى كوارث- على حد قوله.
أعتقد أن هذه الرؤية تجاهلت أن إعلام الدولة فى الماضى- سواء كنا نعنى التليفزيون أو الصحافة- كان يربح، وكان متخماً بالإعلانات، وكان متخماً بالصفقات والتوسع، وكان يتجه فى معظمه إلى الاستثمارات، مما جعل من بعض المؤسسات، كالأهرام وأخبار اليوم وتليفزيون ماسبيرو، مؤسسات اقتصادية كبيرة، بجانب كونها مؤسسات إعلامية، أصبحت لها أملاك هنا وهناك، ومطابع هنا وهناك، واستوديوهات إنتاج وأصول عقارية وتكنولوجية فى كل مكان، وأرباح يتم توزيعها نهاية كل عام، ومكافآت وبدلات أصبحت أمراً مسلماً به فى كل المناسبات الوطنية والدينية.
كان يجب أن نتوقف أمام سر تهافت المشاهد على قناة كالجزيرة، دون حساسية ودون إقحام الخلافات السياسية، ثم بعد ذلك على سكاى نيوز والعربية، ثم بعد ذلك بنسبة أكبر على قناتى الشرق ومكملين، كان يجب أن نتوقف أمام تهافت المشاهد على قنوات روتانا، وإم. بى. سى، وأوربت، كان يجب أن نتوقف أمام انفضاض المشاهد عن قنوات ماسبيرو عموماً، إلى برامج توك شو ليلية بائسة بالقنوات الخاصة، اتسمت طوال الوقت بالصراخ والصياح، ولم تقدم أى مضمون إعلامى حقيقى، كان يجب أن نتوقف أمام المضمون الضعيف الذى حرصت قنوات ماسبيرو على عدم التخلى عنه، رغم ذلك التطور الحادث إقليمياً على الأقل فى هذا المجال.
من المسلم به أن المستوى الاقتصادى الذى يدور الحديث حوله لن يتطور أبداً دون تطور المحتوى الإعلامى، ولن يتم تطوير المحتوى الإعلامى بمثل هذه العقليات التى تدير الإعلام الآن، عقليات الستينيات أو الاتحاد الاشتراكى، فى ظل عدم وجود إرادة عليا فى هذا الشأن، ذلك أن الإرادة ارتضت ذلك كما هو واضح، بل دعت إليه علانية، بل ارتضت تقديم الدعم المالى بصفة شهرية لهذا الفشل، على حساب حاجة المواطن الأساسية من طعام وخدمات ومرافق، وهى الحالة التى جعلت من أى مناقشات أو خطط أمرا عديم الجدوى، ظناً أنها الحالة المثلى للولاء والوفاء، دون إدراك خطورة ذلك على المدى البعيد.
باختصار، يجب أن تكون لدينا شجاعة الاعتراف بمواطن الضعف، وشجاعة المواجهة بكيفية الإصلاح، خاصة إذا كان ذلك الإصلاح سوف يأتى من البرلمان، الذى هو الشعب فى نهاية الأمر، بالتالى يجب ألا تكون هناك محاذير أو خطوط حمراء، وإلا فسوف نستمر فى الدوران داخل حلقة مفرغة، ولا أعتقد أن هناك ما يخفى على رئيس لجنة الثقافة والإعلام فى هذا الشأن، ذلك أنه كان وزيراً للإعلام، وهو أيضاً المسؤول الأول الآن عن مدينة الإنتاج الإعلامى، فقط نأمل فى تغليب الجانب الرقابى البرلمانى على الوظيفى الحكومى، قبل أن يصبح ماسبيرو من الماضى، أو من الزمن الجميل، دون حاضر أو مستقبل.