طاهر عبد الرحمن
نال الفيلم الأمريكي “the post”، الذي عرض مؤخرا، بطولة “توم هانكس” و”ميريل ستريب”، الكثير من الإعجاب والاستحسان من النقاد والصحفيين، خاصةً العرب والمصريين، وأشاد معظمهم به وبالقضية التي يطرحها.
نرشح لك: أبرز 6 أدوار لـ عبد الرحمن أبو زهرة أثَّرَت في الجمهور
وبعيدًا عن القضايا المهنية والسياسية التي يطرحها الفيلم فإن هناك قضية أخرى مهمة، وهي “الشكل الفني” الذي قدمه “the post” لمهنة الصحافة بشكل عام، وللصحفي بشكل خاص، حيث قدمه بشكل “إنساني”، له جوانب قوته وجوانب ضعفه، كأي إنسان طبيعي، بعيدًا عن القوالب النمطية والشائعة التي تظهره بشكل كاريكاتوري مبالغ فيه، وهو الشكل الذي قدمته السينما المصرية على طول تاريخها، حيث حصرت الصحفي في “باترون” محدد ومكرر، دون أي محاولة لفهم طبيعة العمل الصحفي وأجوائه والظروف المحيطة به.
فيما يلي يرصد “إعلام دوت أورج” مجموعة من أشهر الأعمال الفنية المصرية، سينمائية وتليفزيونية، ظهر فيها دور “الصحفي” وتناولت العمل الصحفي بشكل عام.
– الصحفي الكوميدي
منذ البداية الحقيقية للسينما في الثلاثينات والأربعينات، لم تنظر السينما المصرية إلى الصحافة والصحفيين نظرة احترام، وكانت تقدم دوره، إذا استُدعى ذلك في القصة، في دور هامشي، ومن الملاحظ هو أن لفظ “الجورنالجي” كان هو المستخدم والمتكرر للصحفي، ورغم أن الكلمة صحيحة لغويًا، إلا أن طريقة نطقها في تلك الأفلام كانت تنم عن عدم اقتناع تام بها كمهنة حقيقية، حيث كان الشائع عنها أنها مهنة “من لا مهنة له”.
وفي تلك الفترة كان أبرز ظهور للصحفي في عدة أفلام مثل “لعبة الست”، إنتاج عام 1946، في المشهد الشهير حين يسأل ممثل مغمور البطلة ذلك السؤال الذي صار “ماركة مسجلة” في الصحافة الفنية :”أين ترعرعت سيدتي؟”، بطريقة كوميدية، والفيلم الثاني هو “النمر”، إنتاج عام 1952، حيث أدى أنور وجدي دور صحفي فن، يحاول كشف عصابة تهريب طمعا في المكافأة المالية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، وليس بهدف “البحث عن الحقيقة”.
كذلك فيلم “سر طاقية الإخفاء”، إنتاج عام 1959، الذي اقترب لحد كبير من أجواء العمل الصحفي، لكنه تناوله من زاوية خيالية كوميدية، حيث استغل الصحفي “عصفور قمرالدين” امتلاكه تلك “الطاقية” أو “البلالام” كما أسماها، للحصول على الانفرادات والخبطات من أجل الزواج من حبيبته.
– الصحفي “الأوڤر”
هي شخصية رئيس التحرير التي جسدها الفنان عدلي كاسب في فيلم “سر طاقية الإخفاء”، وكذلك الفنان محمود المليجي في فيلم “يوم من عمري”، والذي لا تفارق السيجارة فمه، ويصرخ طول الوقت في الصحفيين للحصول على السبق والانفراد في أي خبر، بأي طريقة، مشروعة كانت أو غير مشروعة، ويستغل كل الظروف من أجل ذلك.
– الصحفي الانتهازي
أشهر النماذج التي قدمتها السينما المصرية، والتصقت بالصحفي لزمن طويل، حيث الشاب الفقير الذي لا يتورع عن عمل أي شيء للحصول على المكاسب الشخصية، ويتنكر لكل المبادئ والشعارات التي كان يرددها في زمن سابق، وكذلك أصوله المتواضعة ولعائلته، وينتمي للطبقة العليا، ويصبح بوقًا دعائيًا لنظام الحكم، وهي الشخصية التي جسدها الفنان كمال الشناوي مرتين، شخصية رؤوف علوان في فيلم “اللص والكلاب”، إنتاج عام 1962 عن قصة لنجيب محفوظ.
وكذلك شخصية يوسف السيوفي في فيلم “الرجل الذي فقد ظله”، إنتاج عام 1968 عن قصة فتحي غانم، وأيضًا فيلم “دموع صاحبة الجلالة” لسمير صبري، إنتاج عام 1992 عن قصة لموسى صبرى، ومع أن هذه الأفلام تحولت لمسلسلات تليفزيونية فيما بعد إلا أن التناول ظل كما هو.
-الصحفي المغامر
واحد من الأشكال التي قدمتها السينما للصحفي ولطبيعة عمله، حيث يخوض البطل صراعًا من أجل الكشف عن فساد ما، قد يتحول لمطاردات مثيرة، ودموية في بعض الأحيان، قد تكلفه حياته أو حياة مقربين له، كما جسدها نور الشريف في فيلم “ضربة شمس”، إنتاج عام 1980، حيث المصور الصحفي الذي يكتشف عن طريق الصدفة عصابة دولية للتهريب وتزييف العملات، فيقرر أن يكشفها في سلسلة من المغامرات والأكشن، وينجو طول الوقت من مكائد تلك العصابة، وأيضا نجد نفس النموذج في مسلسل “بعد النهاية” لطارق لطفي، انتاج 2015، حيث يخوض الصحفي عمر صراعًا قاتلا مع فاسدين حتى يستطيع إلحاق الهزيمة بهم.
– الصحفي “المجتهد”
ربما -للإنصاف- المرة الوحيدة التي قدمت السينما صورة الصحفي بشكل طببعي إلى حد ما كانت في فيلم “الهروب”، إنتاج عام 1988، حيث قام الفنان أحمد آدم بدور صحفي “شاطر” يجتهد في جمع المعلومات عن “منتصر”، المجرم الشهير الذي تطارده الشرطة، وهو في سبيل ذلك لا يستسلم للراوية الرسمية للداخلية، بل يذهب إلى قرية ذلك “المجرم” ويحاول إجراء حوارات مع عائلته وأهل قريته، ويفتش في تاريخه متتبعًا خطواته، منذ نشأته وحتى اللحظة، بما في ذلك علاقاته الشخصية وحتى الشائعات، وفي النهاية يضيع كل مجهوده سدى لأن النائب العام أصدر قرارًا بمنع النشر في القضية.
لكن هذا الدور -الوحيد تقريبًا- كان هامشيًا بأي معيار فني في سياق أحداث الفيلم، وإن كان لا يفوت مغزاه، وبالتأكيد فإنها بصمة الكاتب مصطفى محرم، مؤلف الفيلم، وأيضًا الراحل الكبير عاطف الطيب.
– الصحفية “الشعنونة”
لم تهتم السينما، على الإطلاق، بإبراز العنصر النسائي في الصحافة، وهي إن فعلت فذلك يكون بشكل ثانوي للغاية، كما في فيلم “سر طاقية الإخفاء”، حيث قامت الفنانة زهرة العلا بدور الصحفية آمال، ولكن بصفتها حبيبة البطل، ومحور الصراع بينه وبين ابن خالتها الشرير.
وفي فيلم “بطل من ورق”، إنتاج عام 1988، قدمت السينما دورًا أكبر لـ”الصحفية”، من خلال شخصية “سوسن”، التي قامت بها الفنانة آثار الحكيم، ليس فقط باعتبارها حبيبة البطل، بل وكانت إلى حد كبير مشاركة في الأحداث، وبالطبع كانت مشاركتها بسبب فضولها الصحفي أو “أنف الصحافة”، كما قالت في الفيلم، لكن طريقة “الصحفية سوسن” جاءت بطريقة هي مزيج من الكوميديا و”الأڤورة”، أو “الشعنونة” كما جاء على لسان البطلة بالحرف، وربما لأن ذلك كما رأى صناع الفيلم، جاء ليتماشى مع الخط الكوميدي لعملهم.
– مهمة الصحفيين
قد يكون مفهومًا إلى لحد ما، الطريقة السلبية التي تعرضت بها السينما والدراما لشخصية الصحفي وطبيعة المهنة، فربما كان ذلك يتم لضرورات تخدم الحبكة الدرامية، لكن غير المفهوم هو الإصرار على تقديم تلك الصورة السلبية فقط، على الرغم من وجود شكل أخر، ولعل ذلك يعود إلى تقاعس الصحفيين أنفسهم عن تقديم صورة حقيقية لمهنتهم وأجوائها ومخاطرها، وهو ما حاول الروائي الراحل فتحي غانم تقديمه خاصة في روايته الأشهر “زينب والعرش”، والتي تحولت لمسلسل عام 1979، وفيها قدم كواليس العمل الصحفي بسلبياته وإيجابياته، وكانت أقرب المحاولات وأصدقها، لأن كاتبها عاش تفاصيلها في الواقع قبل أن يكتب عنها، وهذا من أجل المهنة ومن أجل عشاقها، وحتي لا يأتي زمن يكيلون فيه المديح لفيلم أمريكي، قد يكون ناجحًا في عرض صورة مشرقة عن الصحافة، مع الإقرار أن مهنة الصحافة، مثلها مثل أي مهنة أخرى في الحياة لها ما لها وعليها ما عليها.