إسراء إبراهيم
صلاح منصور، عمدة السينما المصرية كما يُلقب، هو أحد الرموز المضيئة في تاريخ الفن المصري، اشتهر بأدوار الشر التي أداها على مدار تاريخه الفني، وعلى الرغم من موهبته التي شهد لها عمالقة الفن وقدراته التمثيلية، إلا أن نجوميته جاءت متأخرة ولم تدم طويلًا.
في ذكرى ميلاد الفنان صلاح منصور التي تحل في نفس اليوم 17 مارس من عام 1923، يسرد “إعلام دوت أورج” أبرز ما مر به الفنان خلال رحلة حياته:
نرشح لك: كيف تقمصت نجمة إبراهيم دور “ريا”.. “قطيعة محدش بياكلها بالساهل”؟
التعنيف من أجل التمثيل
ولد صلاح منصور في مدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية، 17 مارس عام 1923، وانتقل بعد ذلك للعيش في مدينة الإسكندرية بحكم عمل والده، الذي كان يعمل مفتشًا بالتربية والتعليم .
بدأ رحلة عطائه الفنية من خلال المسرح المدرسي، حيث التحق الفنان بالفرقة المسرحية في مدرسته عام 1938.
يتحدث الفنان خلال حوار له في البرنامج الإذاعي “حديث الذكريات” مع الإذاعية أمينة منصور، عن تلك الفترة قائلًا: “اشتغلت في المسرح المدرسي وأنا عمري حوالي 14 سنة، ووالدي كان كثير التعنيف وشديد القسوة عليا لترك هذا المجال”، موضحًا أنا والدته وقفت إلى جواره وطلبت من والده أن يتركه ليفعل ما يحب.
أشار إلى أن والدته قالت خلال حديثها مع الأب: “أنت مش تعرف إن ابنك بيمثل من وهو عنده 3 سنين، كان بيلبس بالليل ملاية لف ويخش يعيط ويعمل نفسه واحدة ست جوزها طلقها، ويقعد يشتكلنا”، موضحًا أن الوالد رد على حديثها قائلًا: “هو مش هيبقى كويس ولا حاجة، هيطلع خايب”، وأنه وعده بترك المسرح المدرسي.
أضاف “منصور” خلال حديثه أن والده جاء في إحدى المرات بحكم عمله كمفتش إلى المدرسة الخاصة به، ففوجئ بحديث ناظر المدرسة عن موهبته في التمثيل وبمشاركته في حفلات السمر داخل المدرسة، منوهًا عن أن مقاومة الأب له بعد ذلك الموقف بدأت تضعف حتى سمح له بالتمثيل مشروطًا بنجاحه في المدرسة.
نقطة التحول
يرى صلاح منصور أن نقطة التحول في حياته جاءت عندما انتقل للعيش في القاهرة، وذلك خلال الزيارة التي وقعت خلالها المصاهرة بين ولي عهد إيران والأسرة المالكة في مصر، حيث طلب من الأستاذ زكي طليمات الذي كان يعمل وقتها مفتش المسرح المدرسي بوزارة التربية والتعليم، أن يجمع مجموعة من طلبة المدارس لعمل حفل مسرحي عن العلاقة بين مصر وإيران.
أوضح “منصور” خلال حواره مع الإذاعية أمينة صبري، أن مدرس المسرح لم يختاره ضمن الطلبه لكونه كان طالبًا انتقل حديثًا من الإسكندرية، لكنه علم بمكان وموعد اجتماع الطلبة بـ”طليمات”، فذهب قبل الموعد بأكثر من ساعة ودخل المكان المخصص للاجتماع، وانتظر حتى جاء “طليمات”.
أشار “منصور” إلى أنه عندما جاء دور “الزمان” بطل المسرحية، قرر التدخل وقال لزكي طليمات: “أنا واثق هعمل الدور أحسن من دول”، وبالفعل سمح له بعمل بروفة على النص، بعدها قال له “طليمات”: “أحفظ الدور يا ابني، هتبقى ممثل كبير جدًا”.
جسد صلاح منصور دور “الزمان” في المسرحية الخاصة بمصر وإيران، وبعد انتهاء الرواية طلب وزير المعارف آنذاك محمد حسين هيكل أن يرى زكي طليمات، اعتقادًا منه أنه من قدم دور “الزمان” في المسرحية، ولكنه أخبر “هيكل” بأن طالب هو من جسد الشخصية، فما كان من وزير المعارف إلا طلب رؤية ذلك الشاب.
طلب “هيكل” فيما بعد سفر “منصور” في بعثة دراسية إلى فرنسا، لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن دائمًا، تغيرت الوزارة والبعثة لم تكتمل.
https://www.youtube.com/watch?v=kNT6tceyqnA
في بلاط صاحبة الجلالة
بدأ الفنان ممارسة مهنة الصحافة في مجلة “روز اليوسف” أثناء دراسته بمعهد التمثيل عام 1940، إذ كان الأستاذ زكي طليمات متزوجًا بفاطمة اليوسف في ذلك الوقت، واستطاع توفير وظيفة له إلى جانب دراسته بالمعهد، وكانت أولى حوارته الفنية مع الفنانة “أسمهان”، لكنه هجر المهنة سريعًا لعشقه الفن.
الزوجة الثانية.. نجومية متأخرة 15 عامًا
تخرج في أول دفعة من معهد التمثيل عام 1947، وكان من بين زملائه في المعهد: فريد شوقي، شكري سرحان، حمدي غيث، عبد الرحيم الزرقاني، وكون مع زملائه من المعهد فرقة “المسرح الحر” عام 1954، وشارك في العديد من المسرحيات سواء كممثلًا، أو مخرجًا للمسرحيات العالمية في البرنامج الثاني في الإذاعة.
بالرغم من تنبؤ كل من حوله بنجوميته ونجاحه بسبب موهبته الطاغية، إلا أن نجوميته تأخرت عن زملائه من نفس الدفعة 15 عامًا، لم يقدم بعدها البطولة المطلقة بل أدوار ثانوية جذبت الجمهور لموهبته ونجوميته.
أشهر أفلامه فيلم “الزوجة الثانية” الذي استطاع من خلاله خطف الأنظار، عن زميل دفعته شكري سرحان الذي كان سباقًا له في النجومية وأدوار البطولة، تسبب الفيلم في ارتفاع أجر “منصور” من 40 إلى 1000 جنيهًا.
أول دقيقتين في السينما
اختارته الفنانة بهيجة حافظ لتضمه لفيلم “زهرة” الذي جسد من خلاله أول أدواره السينمائية، ولم يتعدى دوره في الفيلم سوى دقيقتين فقط.
سبق له قبل تجربة “زهرة” الظهور كـ”كومبارس” في فيلم “غرام وانتقام”، وفيلم “المليونير” في أوبريت “العقلاء”، وذكر خلال إحدى حواراته أنه لا يخجل من بدايته ككومبارس مع الفنان الراحل إسماعيل يس.
محاولة قتله بسبب “ثورة اليمن”
لم تخلُ حياة صلاح منصورمن الطرافة، والتي تعرض لها أثناء تصوير فيلم “ثورة اليمن”؛ حيث ذكر الناقد الفني إلهامي سمير خلال حلوله ضيفًا على برنامج “أهل الفن” على شاشة “النيل الثقافية”، أن “منصور” عندما كان يُصور أحد المشاهد بملابس الإمام في شوارع اليمن، اندفع نحوه بعض الأشخاص يريدون قتله وهم يهتفون “اﻹمام عاد من جديد اقتلوه اقتلوه”، ولم ينقذه من بين أيديهم سوى رجال الأمن المرافقين له أثناء التصوير.
كما أشار “سمير” إلى أن المقربين من الفنان حذروه من العمل في الفيلم، حتى لا يخسر جمهوره اليمني لكنه قرر خوض التجربة رغم التحذيرات.
ما قاله تشارلز لوتون لـ صلاح منصور
ذكر الناقد إلهامي سمير خلال نفس الحوار، أن الممثل البريطانى تشارلز لوتون صفق لصلاح منصور عندما عرض فيلم “مع الذكريات” في لندن عام 1962، والذي قدم فيه “صلاح” دور الأحدب، وحرص “تشارلز” على مصافحة ” منصور” قائلًا: “لو أن هذا الممثل الموهوب موجود عالميًّا لكنت سلمت له الشعلة من بعدي”.
وفاة نجله بالرغم من تدخل السادات
كان لدى “منصور” اثنين من الأبناء هما “مجدي” وكان منتجًا فنيًا له العديد من الأعمال الناجحة مثل: (ملاكي إسكندرية، وكتكوت، والعيال هربت) توفي عام 2008، و”هشام” الذي عانى والده من مرضه، إذ كان يحتاج لتدخل جراحي عاجل في الخارج ما بين النرويج وبريطانيا، لكنه لم يكن يملك كل تلك النفقات لعلاج فلذة كبده، ما اضطره لاتباع الروتين وتقديم التماس للعلاج على نفقة الدولة، وبالفعل وافقت الدولة وتم السفر من أجل الرحلة العلاجية.
مكث “منصور” إلى جوار ابنه فترة طويلة لإجراء الفحوصات اللازمة قبل الجراحة، ما جعله يحتاج إلى تمديد طلب العلاج على نفقة الدولة لمدة ثلاثة شهور أخرى، في تلك الأوقات علم الفنان باجتماع الرئيس الراحل محمد أنور السادات بالجالية المصرية في بريطانيا، فذهب “منصور” كأحد الحاضرين، وطلب من الرئيس السادات مد فترة علاج ابنه، وبالفعل وافق “السادات” بلا تردد “شفاهة”، إلا أن صلاح منصور أصر على توقيع “السادات” على الورقة التي قدمها قائلًا: “لما الرئيس يخرج من المكان ويتحرك الموكب، ما حدش يعرف حد”، وبالفعل حصل على التوقيع.
لكن دراما الحياة لم تمهله الفرحة بعلاج ابنه، إذ توفي “هشام” بعد إجرائه الجراحة بفترة وجيزة.
يحيى الفخراني خلفًا لـ صلاح منصور
أثر موت الابن الأصغر “هشام” على صلاح منصور، حيث أصيب بعدها بحالة نفسية أثرت على صحته، كما أصيب بعدة أمراض أخفاها عن أسرته حتى أصبح الأمر لا يحتمل الاختفاء.
كان “منصور” على اتفاق لتقديم مسرحية “بكالوريوس في حكم الشعوب”، لكن المرض حال دون ذلك، حتى أن الفنان اعتذر عن العمل باكيًا لأول مرة في تاريخه فلم يمنعه سوى مرضه عن مهنته التي عشقها، ورشح خلفًا له الفنان يحيى الفخراني الذي كان لا يزال في بداياته الفنية.
كان لـ”منصور” أخًا يعمل مدرسًا مسرحيًا في الخارج، جاء لزيارته أثناء مرضه، وفي مداعبة منه لأخيه ذكر له أنه شاهد شابًا يذكره به في شبابه وهو يؤدي دور “هاملت”، ليتجاوب معه الفنان رغم المرض ويعتدل في فرشته ويذكر لأخيه بأنه يستطيع تقديم الشخصية بطريقة أخرى، ذلك الموقف بث الأمل في قلوب أسرته من أجل شفاؤه، لكنها كانت الصحوة الأخيرة قبل الوفاة، ليرحل “منصور” صباح اليوم التالي 19 يناير 1979 عن عالمنا عن عمر ناهز الـ 56 عامًا، في مستشفى العجوزة، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وحياة لن تنسى.
معاش استثنائي لأسرته
بعد وفاة الفنان صلاح منصور، قدمت زوجته طلبًا إلى الرئيس السادات من أجل معاشًا استثنائيًا للأسرة، وبالفعل وافق “السادات” على ذلك في مارس 1981، إلى جانب معاشه كمدير عام بالتربية والتعليم، حيث عمل حتى وفاته مستشاراً لوزارة التربية والتعليم للتربية المسرحية.
حلمٌ لم يكتمل
كان حلم حياته تقديم دور الصحابي الجليل عمر بن الخطاب وكان قد سبق له تقديمه في الإذاعة، إذ ناشد الأزهر حتى لو كان ثمن القيام بالدور الاعتزال بعده، لكن لم يستجب أحد لطلبه، كما أن آخر أعماله التي شارك بها “على هامش السيرة”.
قالوا عنه
قال فريد شوقي إن أحسن ممثل في مصر هو صلاح منصور، أما شكري سرحان كتب في “أوتوجراف” موجه له: “يا أعظم موهبة خرجت من معهد التمثيل”، كما لقبه زكي طليمات بـ”ضمير المسرح المصري وصحوته”.
الجوائز
حصل على جائزة أحسن ممثل إذاعي من إذاعة صوت العرب، والجائزة الأولى عن دوره في فيلم “لن أعترف” عام 1963، وجائزة أفضل دور ثاني عن فيلم “الشيطان الصغير”، وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد الفن عام 1966، وجائزة الدولة التقديرية عام 1978.