تهللت أساريري وأنا أستمع لنداء ابني الأكبر: “ماما، تعالي شوفي هدايا عيد الأم علشان تختاري منها هدية”.. يا الله! ست سنوات وأنا أنتظر أن يستوعب صغيري معنى عيد الأم بنفسه، دون أن يهمس أبوه في أذنه، ويدفعه لقول “كل سنة وانتِ طيبة يا ماما” من تحت الضرس!
هرولت إلى التليفزيون وأنا أدعو لصانعي الإعلان، بينما خيالي يرسم ماهية هذه الهدايا، أهي ساعة؟ زجاجة عطر؟ أم مفروشات للبيت؟؟ حتى لو كان طقم “كوبايات” من النوع الذي يثير غضب الأمهات، أنا راضية.
تسمرت أمام التليفزيون وأنا أشاهد الهدايا التي عليّ أن أختار بينها، إنه إعلان إحدى العلامات التجارية المتخصصة في ألعاب الأطفال! فقد تفتق ذهن صانع الإعلان أن يحوّل هدية عيد الأم، لصالح ممول الإعلان، أي مصنع ألعاب الأطفال!.
نرشح لك: مخرجة كليب “مساء الخير”: الكليب تطوعي
الإعلان عبارة عن أغنية تحرض الأطفال على طلب هدية من الأم بمناسبة عيد الأم! ثم يختمه بالحديث إلى الأم عن أهمية شراء هدية للطفل في هذا اليوم، “وإذا كان ع الهدية، هم هديتك”! والله!!
بالنسبة للأمهات، يعد عيد الأم هو اليوم الذي يشعرن فيه بأنهن ملكات، يتلقين الهدايا ويقدم لهن الأيناء فروض الولاء والدلع، أما بالنسبة لي كأم لطفلين تحت سن السابعة، فبعد 364 يوم “مرمطة”، يأتي يوم عيد الأم ليكمل هذه السيمفونية من الضغوطات التي لا تنتهي، فالمطلوب مني شراء الهدايا “المُرضية” لأمي، وحماتي، ومدرسات المدرسة، ومشرفة الباص، والدادات، وبينما يسيلُ لعابي على هذه الهدايا التي اشتريتها بدمي ودموعي دون ابتسامتي، لا يعبّرني أحد “بباكو لبان”، لأن أطفالي لازالوا صغارا! فقط كان ينقصني هذا الإعلان، ليفرض عليّ “تشكيلة” جديدة من الهدايا، هدايا لأولادي تعبيرًا مني عن امتناني بمنحهم لي شرف كلمة “ماما”!
يسألني ابني عن الهدية التي اخترتها! فحاولت تغيير مسار الكلام:
– إنت تعرف يعني إيه عيد الأم أصلًا؟!
– آه، يعني حفلة في المدرسة هاغنيلك فيها!
– هتغني إيه؟؟
فأسمعني أغنية (شكرًا يا أمي) بنبرة صوت هي الأحب لقلبي، وكلمات، على الرغم من معرفتي بها، إلا أنني سمعتها كما لم أسمعها من قبل، وفي النهاية، احتضنني وهو يقول: شكرًا يا حبيبتي..
شعرتُ وقتها بأنني كنت أبالغ في مشاعري المتلهفة للهدية، وأن هذا الصوت، وهذا الحضن، وكلمة “ماما” التي يبحث بها عني لحظة رجوعه من المدرسة، أن هذا الولد وأخيه، هما الهدية الحقيقة، هديتي من الله في الـ 365 يوم، وليس ليوم واحد، أدام الله فضله.
أما بالنسبة لصانع الإعلان، فمبروك عليك نجاح الفكرة، ومبروك على أولادي الهدايا، وبلاش أنا!