إحذروا الصامتين على فيس بوك

محمد حسن الصيفي

ضمن العديد من الأنماط التي ستواجهها على موقع التواصل “فيسبوك” التلقائي الذي يعمد دائمًا للحكي والقص عن كل شئ وعن المواقف والتفاصيل الصغيرة التي تحدث له يوميًا. أنت تكتب وتبوح بكل موقف يحدث لك في الحافلة أو مع سائق التاكسي أو بائعة الجرجير أو السوبر ماركت وغيره من المواقف الساخرة أو العصيبة.

أنت تكتب وتُلقي المنشور خلف ظهرك بينما في حقيقة الأمر الموضوع يختلف عن ذلك.

نرشح لك.. ماذا يقرأ هؤلاء السبعة حاليا؟

أنت تكتُب والصامتون في الموقع الأزرق يسجلون في الدفاتر وعند لحظة ما قريبة أو بعيدة ستصدم بالواقع، سيُذكرك أحدهم أو إحداهن حين يقابلك في الواقع بمنشور طويل عريض، ربما مر عليه يوم أو حتى عام !

مطلع العام الجاري قابلت أحد أصدقاء العالم الافتراضي أخيرًا في الواقع، وبعد السلام والتحية ذكرّني بمقال قد كتبته منذ ثمانية أشهر عن فتاة قابلتها في إحدى الحفلات وغمز بطرف عينه على طريقة حمدي الوزير الشهيرة وسألني “طب إيه ها، إيه” ؟!

أُخرى قابلتني وبعد الابتسامات الأولية المزيفة ذهبت مباشرةً لتعنيفي على منشور كتبته عن المرأة منذ عام وأرادت الاستيضاح في الحال وقبل حتى أن نجلس “قولي دلوقتي لو سمحت كان قصدك إيه بالظبط” ؟

والحقيقة أنني ذُهلت من تلك الواقعتين تحديدًا، فلم يُعلق أحد منهم يومًا على ما أكتب من مقالات أو غيرها، بيد أنهم متابعين بدقة، يكفي أنه في ظل صخب العالم وأحداثه ومستجداته وأزمة عبد الله السعيد وخروج الزمالك من الكونفدرالية على يد حفنة من الهواة يتذكر أحدهم مقالًا أو منشورًا لي منذ عام كامل !

وكانت الفكرة قد لمعت في رأسي فتفتّق في ذهني أن أفتح مجالاً للنقاش مع أصدقائي حولها بعنوان “إيه انطباعك عن المتابعين في صمت” وبعد الضحكات واحتساء المشروبات والانتهاء من صداع “الطاولة” فوجئت بسيل من الحكايات.

حتى أن أحد الكُتّاب حكى أنه في أحد “مواقف الميكروباصات” جاءت فتاة ونادت زوجته وأولاده بأسماءهم أولاً ثم التفتت إليه وسلّمت عليه وأطبقت الصدفة فكيها حيث كانت الفتاة تقصد نفس الجهة المُسافر إليها وزوجته فانطلقت معهم وقامت بسرد آخر ما كتب على حسابه الشخصي آخر ثلاث سنوات وفي النهاية حين قامت بفتح حسابها الشخصي أمامه تبين أنها ليست في قائمة الأصدقاء لديه ولم تكتب تعليقًا واحدًا طوال تلك الفترة !

والحكايات طويلة ولا تنتهي في تلك المسألة كلها تصب في فكرة “الخوف” من هذا العالم الافتراضي الواسع، على حين غفلة تقابل شخص لا تعرفه بينما هو يعرف عنك كل شئ، فيُعريك تمامًا وتشعر وقتها باختراق شديد وبالغ الخطورة.

وهذه الأزمة لها سببين

1.زيادة التقنيات وتعقيد التفاصيل على فيسبوك فيما يعرف ب “خوارزمية الفيسبوك”، وبينما نحن نعيب بشدة على الحسابات المجهولة بأسماءها الغريبة ستجد أنك لو قمت باستكمال بياناتك بقوائم هواياتك وأفلامك وكُتُبك المفضلة والأماكن التي تزورها والمواقف المؤثرة في حياتك وكل يوم تستحدث تقنية أو فكرة منها الأسئلة وغيرها وغيرها …. ستجد أنك أمام سيرتك الذاتية كاملة وبمجرد “سكرول” سيقرأك أحدهم بكل سهولة وفي اللحظة التي ستعتبرها مذهلة ومدهشة ويضربك التأثر على طريقة أفلام الستينات ويعود بك “الفلاش باك” لأن أحدهم ذكرك بشئ كتبته منذ وقت طويل سيكون الشخص الجالس أمامك ربما دخل مجرد دخول وقلب في حسابك الشخصي لدقائق قليلة ليعرف كل شئ عنك دون ذكاء خارق منه أو انتماءه لجهة معلوماتية كبير.

2. ما يزيد الطين بلة هو أنك تحكي كل شئ سواء من باب التندر والفكاهة أو التنفيس عن نفسك أو حتى جلب الإعجابات وإحداث الصخب على صفحتك الشخصية … لكنك في النهاية تكمل المعادلة تمامًا.

“معلومات وتفاصيل كثيرة ودقيقة عنك + تحديث لتلك التفاصيل بإغراقها وإشباعها في الأحداث اليومية المتجددة = مبروك … أنت ضهرك عريان سيدنا الأفندي … فكن على حذر.