في مقال منشور بجريدة الأموال الاقتصادية منذ ما يقرب من عام، كنت قد أشرت إلى القصور الإعلامي الواضح، في منح سوق العمل وثقافته المساحات المطلوبة بقوة الأهمية والضرورة، وهو ما رأيته يشارك بشكل أو آخر، في تفاقم حجم مشكلات البطالة، وعدم فاعلية الأفراد والمؤسسات، وقلة الإنتاجية في مجموعها، وعدم الاستخدام الأمثل للموارد المادية أو البشرية، وإهمال ثقافة التدريب والتعليم المستمر، بل وحتى استيعاب الحقوق والواجبات الأساسية لعلاقات العمل، وأضفت أنه مما يزيد الأمر تعقيداً، أن علوم الإدارة بشكل عام، والمتعلق منها بإدارة الموارد البشرية بصفة خاصة، كاستراتيجية الموارد البشرية، أو تخطيط القوى العاملة، أو السلوك المؤسسي، أو إدارة الأداء، أو التدريب والتطوير، أو القيادة، أو إدارة المواهب، كلها علوم تتطور الآن سريعاً ويوماً بعد يوم.
نرشح لك: 10 تصريحات لـ خالد حبيب من حفل توقيع “استمارة 6”
ولم يشأ خالد حبيب أن يمر العام، إلا وهو يهدينا كتابه الأول “استمارة 6″، والذي صدر لنا عبر دار نهضة مصر للنشر، تحت شعاره الأشهر “تفاءل”، وبصحبة صورته المبتسمة الودودة، فإن كانت “استمارة 6” هي تلك التي تتردد على الألسنة قبل أن يتم تحريرها عند الإقالة أو الاستقالة، وتعد الخط الأحمر للأخلاقيات والمبادئ والقيم، فعند وصول الموظف مع مؤسسته لطريق مسدود، يصبح لزاماً عليه أن يخرج ولن يخسر، فمكسبه في هذه الحالة خبرة وكرامة ومبادئ واحتراماً لذاته، وهنا مكمن التفاؤل، فقد تكون نهاية علاقة العمل هنا، وعلى ما تحمله من شبح البطالة، نقطة انطلاق جديدة في حياة الموظف ومساره المهني.
الكتاب جاء كأحد روافد ثقافة الحياة المهنية، والتي أشرنا إلى فقرها الشديد في حياتنا بما يحمله من تأثيرات سلبية مهنية وإنسانية، فمن خلال خمسين حكاية واقعية، عاش تفاصيلها خالد حبيب الإعلامي وخبير إدارة الموارد البشرية وإعادة هيكلة المؤسسات، يعيد التأسيس لمجموعة من القيم المهدرة بقدر ما يقوم بتشريح الخلل الكامن في أركان المؤسسات ونفوس البشر على حد سواء، ولا فرق تجده في هذا، بين واقع شركات متعددة الجنسيات، وأخرى محلية، وأخريات تبحث عن ذواتها بين المجموعتين، لتجد في آخر المطاف أن الكل في الهم سواء، وأن الصراع الإنساني بمعناه التقليدي، يمثل أحد أهم أوجه علاقات العمل، أياً كانت بيئته الحاضنة.
نرشح لك: الكتب الأكثر مبيعًا بـ “نهضة مصر” خلال 2017
“استمارة 6” وثيقة تحمل خلاصة خبرات وتجارب ثلاثين عاماً، قضاها خالد حبيب في عالم البيزنس والإعلام والتوظيف والإدارة، ولم يسلم الرجل الكبير في حياة خالد حبيب المهنية من لسانه، وعنه يقول: “اتريقت كتير على الراجل الكبير، والناس اللي قافلة على الراجل الكبير، واللي بيفسدوا الراجل الكبير، وبرضه اكتشفت إنه أنا كمان كنت الراجل الكبير في أوقات كتير، وممكن اكون عملت بلاوي وحبيت وكرهت وظلمت ودلعت ناس وأنا بالعب دور الراجل الكبير، وياما ضحكوا عليا وأنا مستمتع بدور الراجل الكبير، وأكيد كنت مقتنع إني رجل الحلال والتقوى، ومع آخر حكاية كنت مكسوف من كم البلاوي اللي عملتها وممكن تكون حرام جداً”.
مصداقية خالد حبيب هي رسالة الكتاب الأهم في تقديري، فهو لم يجعل من نفسه حكماً، إلا كما وضع نفسه في قفص الاتهام تارة، وارتدى ثوب الدفاع عن الجميع تارة أخرى، وهو ما صرح به في خاتمة الكتاب فقال: “كنت فاكر إني هاطلع في الصورة المثالية الجميلة، بني آدم كويس قوي، ما طلعتش كده، وبرضه ما طلعتش بني آدم وحش، طلعت بني آدم، بني آدم وبس، بنفسه البشرية، بفجورها وتقواها، مش ندمان، بس على الأقل هاحاول أتعلم من الأخطاء، وما اكررهاش كتير قوي، بني آدم”.. تجرد خالد حبيب في حكيه، وكتب بصيغة كلامه، فخطف القلب بود، قبل أن يخاطب العقل بمنطق.