مها ناجي
مع اقتراب عيد الأم بدأت التفكير بكتابة مقال، ولكن تغير شيء هذه المرة… هل أكتب عن أمي الحبيبة؟ أم أكتب عن أولادي وبالأخص ابني الكبير صديقي المقرب وعن حبي لهم الذي لا تستطيع الكلمات وصفه؟ فمع الأعوام تغير مفهومي عن كلمة الأم “لما تكبروا وتخلفوا هتفهموا وتقدروا” جملة سمعتها مراراً وتكراراً من أمي في مختلف مراحل حياتي وعند نهاية أي نقاش يخص مستقبلي أو اختياراتي… وأخيرا فهمت معنى العبارة مع ميلاد ابني الأول… وأدركت ذلك الحب… والاحساس بالمسؤولية الذي يجبر على الاهتمام مهما فعل أولادها.
نرشح لك : السيسي: أمي كانت بتقولي أنت مخلص فمتخافش
كنا دائمًا ونحن أصغر في السن نشعر بأن مشاعر الأمومة مبالغ فيها وبعيدة عن شخصياتنا كل البعد… ولكن بمرور السنوات أكتشفت أنني أصبحت أشبه والدتي كثيرًا… في كل شيء… في عبارات التدليل، في طلباتي المستمرة من أجل حضن أو “بوسة”، وفي أشهر عباراتها “انتوا عارفين انا بحبكوا قد ايه؟”، وبغض النظر عن أن الفنانة زينة قد أتلفت معنى السؤال، لكني أجد نفسي أسأل أولادي هذا السؤال الذي لا تلزمه إجابة بقدر ما هو تأكيد مستمر لهم على مدى حبي لهم. وأري أمي الحبيبة في نفسي كل مرة “أصالح” فيها ابني في حضني قبل النوم مهما جرى بيننا مكررة لزوجي العبارة التي سمعتها كثيرا وأنا طفلة “محدش يسيب أطفال تنام زعلانة أو معيطة”، وفي هذه المرحلة العمرية التي أمر بها –مثل الكثير من الأمهات- أصبحت أدرك مدى حب أمي لي، وعليه تختلف صورة وقيمة الأم في ذهني، وتختلط معها المخاوف بفقدان هذه الحب بعد أن أدركت معناه وقيمته.
قد يكون عيد الأم له نفس المعنى لدى كل الناس… ولكن هذا العام مختلف لي ولعائلتي… فعلى مر العام ونصف الماضيين مررنا بتجربة قاسية علينا جميعا… فقد أصيبت والدتي بسرطان في مرحلة متقدمة، وبدأت رحلة العلاج المؤلمة ليس لها فقط ولكن لنا جميعا… عامان من الخوف والتوتر والترقب ومحاولة عدم إظهار خوفنا عليها… وعلى ألمها… وخوفنا من المستقبل دونها في يوم من الأيام التي لا نعلم متى تحل… كيف نستطيع العيش دونها؟ وماذا سيفعل أبي الحبيب؟ بمن سأتصل في كل صباح؟ ومن أسأل عندما أحتاج النصيحة؟ ولمن أذهب عندما يكون كل ما أحتاجه هو الجلوس في حضنها؟
مر العام ونصف الذي تكلم عنهما الطبيب في بداية رحلة العلاج، وخرجت أمي أكثر قوة وجمالا وتفاؤلا من تلك المرحلة الصعبة، ليزداد فخرنا بها وتستمر في إلهامنا أنا وشقيقتي ودفعنا للأمام، ومع مرور تلك المرحلة تغيرت نظرتنا كعائلة للحياة…جعلتني التجربة أعيد التفكير في أولويات حياتي اليومية المكدسة بالمسؤوليات، فالوقت قصير مهما ظننا ألا نهاية له ولا يدري كل منا متى ستكون آخر مرة يقبل فيها والدته ويجلس في حضنها أو أقبل فيها وجنات أطفالي الصغيرين، ولذلك أصبحت أفكر أكثر في كيفية تخصيص الوقت للاستمتاع بتلك اللحظات مع عائلتي ومع أولادي، الضحك معًا، الخروج معًا، والسفر معًا، وتسجيل ذكريات معًا، وتعيش في ذهن أولادي عني وعن والدهم وأجدادهم.
ولذلك، فإن عيد الأم في عائلتنا له معنى مختلف خاصة هذا العام، فمن حقنا الاحتفال بوجودها وسط عائلتها، ومن حقها الشعور بحبنا لها وتقديرنا في كل فرصة ممكنة، اتفهم وجهة نظر الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي مثل كل عام معرضة احتفال الناس على الملأ بأمهاتهم ومطالباتهم بعدم المبالغة في الاحتفال بعيد الأم لمراعاة مشاعر من فقدوا أمهاتهم.
ولكن! هذا هو روح وصميم العيد، الاحتفال بالأم ليس فقط تقديرا وعرفانا بما قامت ومازالت تقوم به، ولكن بوجودها معنا لعام آخر، نحتفل بعام ثمين مضي وهي معنا، عام مضى به الكثير من الذكريات السعيدة، عام مضى في حياة أولادي بوجود جدتهم تشبع فيها الجدة رغبتها في اللعب معهم ويشبعون هم من حضنها و”دلعها” الذي لن يستطيع أحد مضاهاته.
دعوا من يريد التعبير عن حبه لوالدته أن يحتفل بعيدها بالطريقة التي يراها مناسبة، فلا أحد يعلم ما يمر به كل منا من تجارب خاصة تعطي لعيد الأم معنى مختلف في كل عائلة.
كل سنة وحضرتك طيبة يا حبيبتي