وجدت نفسي فى طريقي لزيارته بالمستشفى، فلم أستطع أن أرفض طلبه حين اتصل بي لأكون بجواره عند إجراء عملية ربط الشريان بالوريد فلم يعد هناك مفر من الغسيل الكلوي، كانت علاقتنا شبه مقطوعة، كان يكبرني بخمسة عشر عاما، فى أول مرة انضم للعمل بشركتنا وأثناء التعارف أخبرنا أنه عائد من ألمانيا بعد أن قضى بها 7 سنوات، وحينها قلت له مازحا، لقد عشت فى حي” بادن” عاما كاملا هل تعرفه؟ ارتبك ونظر لي ولم يرد ولكنه غيَّر مجرى الحديث، وحين خرجت إلى الهواء الطلق لإشعال سيجارة اقترب مني قائلا: “لم أمكث فى ألمانيا إلا يومين وتم ترحيلي”، ثم ضحك وضحكت ولم أخبره حتى الآن أني كنت أمزح ولا أعرف كيف اهتدى عقلي إلى بادن.
نرشح لك: صدور “حكايتي مع مدام شلاطة” لـ علاء الدين العبد
في الخميس الأول دعانا جميعا إلى طعام الغذاء في أحد المطاعم ولكن للأسف لم يلبِ دعوته غيري، ولم ألحظ عليه أي استياء من رفضهم لدعوته بل على العكس كان مبتسما طول الوقت، وطلبت وجبة المشويات التي لا أتناول غيرها خارج البيت، أما هو فكان طلباته تكفي لعائلة كبيرة، ويبدو أنه لاحظ دهشتي فأشار إلى معدته قائلا: “لكي يكفي لسد هذا الحيز”، بعد أشهر قليلة، لحقت به أسرته ولم تمكث أكثر من أسبوعين ورحلت، واتفقوا على أن يقضوا معه الأجازة الصيفية فقط، كانت زوجته تشتكي لنا دائما من تصرفاته وتبذيره وإهماله لصحته، وكان يقابل شكواها بابتسامة تزيدها عصبية، وانتهى بهم الحال لعدم العودة مرة أخرى.
كان يحكي لي أنه سيغادر البلاد بمجرد أن ينهي ابنه وابنته الدراسة ويزوجهما، والآن أصبح لديه أحفادا ولم يغادر، يقول لي أنه اعتاد الغربة، وكنت أعلم أنه يقيم فى منزله نهاية كل أسبوع حفلة للعزاب والعازبات، لهذا انقطعت علاقتي به.
في المستشفى كان كما هو لم يتغير، لم تغادره ابتسامته، كانت الغرفة مليئة بأصدقاء لا أعرفهم، كان منهم طبيب اقترب من السبعين، قال لي: “لقد اتصل بزوجته وأولاده، لكي يأتوا له ليرعوه، ولكن زوجته رفضت تماما وقالت، أنه اختار العيش بعيدا عنهم فليكمل ما اختاره أما إذا قرر العودة، فأهلا به”، ولما بدا للطبيب اندهاشي، استطرد قائلا: “لا تندهش فقد حدث من زوجتى وأولادي ما هو أسوأ من ذلك، قررت أن أفاجئهم بنزولي، وحين دخلت المنزل، لم أجد أحدا، واتصلت بابنتي الوحيدة، والتي يفصل ما بين بيتنا وبيتها أمتار معدودة، لكي أخبرها بوصولي، فاعتذرت عن مقابلتي لأن ابنتها لديها اختبار في الصباح، مع العلم أن ابنتها فى كي جي ون، أما ابني، فحين رآني، اكتفى بإشارة لي بيده، وانطلق إلى غرفته واستبدل ملابسه، ثم غادر المنزل، وحين اتصلت بزوجتي، قالت لي بحدة، لماذا لم تخبرني بموعد وصولك، لقد ارتبطت اليوم بمناسبات لا أستطيع الاعتذار عنها، فى الصباح، عدت مرة أخرى مغادرا، وفى خلال أيام تزوجت الممرضة الفليبينية التي تعمل معي، وأرسلت لهم صورنا ومن وقتها واتصالاتهم لم تنقطع ولم أجب أي منهم”..
عندما عدت المنزل، قدمت لزوجتي باقة ورد وعلبة الشيكولاتة التي تحبها، فوضعت يدها على جبيني قائلة : “أنت سخن”؟!