محمد أبومندور: السياسة.. تلهيها وتلهيك

السياسة ملعب الكبار وملاهة الصغار، ترفع من قدر هؤلاء وتتلاعب بأقدار أولئك. يعكف المتخصصون على تصنيفها وتبويب أنواعها طبقاً لمعطيات الأمور والظروف المتباينة، لكنها تبقى في النهاية “سياسة”، و السياسية في الأصل وطبقاً لمعجم الصحاح هي “دراسة الدولة و مؤسساتها و أجهزتها و المهام التي تقوم بها هذه المؤسسات و الأجهزة و الغايات التي أنشئت من اجلها ، و السياسة هي البحث عن العدالة و هي مفهوم القوة و النفوذ و السلطة .. هي نشاط الدولة”.

 
من ضمن أنواع السياسة التي تستخدم بشكل حثيث وخفي في ذات الوقت هي سياسة الإلهاء وقد عرفها ناعوم تشومسكي بأنها ” عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والإقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة.” الا يذكرك هذا بشيء؟

 
لا يعتمد هذا النوع من الممارسات السياسية على اللجوء لأنشطة إعلامية وفقط وإنما يتم استخدام سلاح الشائعات وارساء القناعات وحتى افتعال المشاكل. يكون الهدف الدائم من تلك السياسة هو توجيه الرأي العام إلى توجه معين أو رأي معين فيما يعرف بتعبئة الرأي العام، وفي أحوال أخرى يكون الهدف هو إبعاد نظر الرأي العام عن مشكلة ما أو وضع سياسي معين وذلك للعمل على حله بعيداً عن الضوضاء.

 
تذكر معي كل السجالات الواهية عن مواضيع لا تهم أحد إلا صانعيها وتذكر معي كيف قامت الدنيا ولم تقعد لبعض مما يلي ذكره من أمثلة:
• سلسلة لا نهائية من أخبار فضائح المشاهير (لا داعي لذكرها بالاسم هنا)
• تناول تصرفات وتصريحات “رئيس نادي الزمالك” والتي تستفز الجميع لغرابتها إلى أن أصبح سلاح غير مجدي فيه فتم ايقاف استخدامه ولو مؤقتاً!
• برامج التوك شو وطريقة تناولها لأحداث بعينها وترك أحداث أكثر أهمية
• برامج مسابقات الغناء والنجومية والتي لا تكرس إلا لمزيد من الأموال في جيوب منتجيها ولا فائدة على المتلقي سوى ضياع وقته
• إطلاق الكثير من التصريحات التي تخرج عن العقل في عام حكم الاخوان (الديموقراطية أصلاً حرام، مرسي راجع، لبيك يا سوريا.. إلخ من هذا الغثاء)
• افتعال أزمات تخص الأزهر أو الكنيسة (وآخرها الحرب على اسلام بحيري وتكفيره، ومقاومة مفتعلة لإعادة افتتاح كنيسة قامت القوات المسلحة بترميمها)

 
سياسة الإلهاء تطبق على كل الشعوب أياً كان حجمها وتتبعها كل نظم الإدارة والسياسية بكافة أطيافها، من إدارة منزل إلى إدارة الدول. فأنت تلهي صغيرك عن ألم شعر به عند سقوطه بلعبة تصدر أصواتاً صاخبة لتحول انتباهه عن الألم. كذلك يفعل مديرك في العمل أحياناً ونظم الإدارة السياسية في العالم أجمع والتي تعمل بمنطق ميكافيللي بحت “الغاية تبرر الوسيلة” وهو منطق الغواني والتي يقول عنها رجل الشارع “تلهيها وتلهيك”!.. كذلك هي السياسة.

 

اقرأ أيضًا:

 محمد أبو مندور : إعلام “التكاتك” الموازي

محمد أبو مندور: إعلام مؤيد أم معارض

محمد أبو مندور: (طرق مصر).. يرصد، يعرض، يسخر، ويُبكي

محمد أبو مندور: أسمع كلامك أصدقك، وأسمع برامجك استغرب!

محمد أبومندور: ليت قومي يقرأون

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا