«ما هو أول شىء تفعله عندما تستيقظ؟»، يجيب «أبتسم، وأظل ساكناً فى مكانى لدقائق أتأمل وأنا مبتسم». هذه إجابة محمد صلاح عن سؤال من بين أسئلة وجهتها له صحفية إنجليزية.
لم يقبل المصريون أن يوجه البعض الانتقادات له سواء بالتقليل من حجم إنجازه أو بمطالبته بتهذيب ذقنه وشعره. أحبه المصريون كما هو بعبقريته فى كرة القدم وتواضعه وشعره وذقنه، وابتسامته الحقيقية.
لكن أكثر ما توقفت أمامه فى هذا المصري الشاب الذى تحول إلى ظاهرة هو ذلك القدر الذى فاجأنى به فى إدارة نفسه. تلك الموهبة التى يفتقدها الكثير، ليس فقط من الشباب المصرى، بل من الواعدين فى كل المجالات، بل تفتقدها بلاد بأكملها.
نرشح لك: عائض القرني يرد على منتقدي دعمه لمحمد صلاح
هذا الشاب الذى كان يشاهد منذ بضعة أعوام أباطرة الكرة العالمية فى تليفزيون صغير على مقهى بقرية نجريج الزراعية فى الدلتا المصرية، صار يسمع اسمه فى أكبر ملاعب العالم. صار الهتاف باسمه يعلو فى ملعب «أنفيلد» بقلعة ليفربول الإنجليزية الحصينة، وهو يحرز الهدف تلو الآخر فى شباك المنافسين، معززاً رصيده فى سباق محموم على لقب الأغزر تهديفاً فى أهم دورى بالعالم.
هذا الشاب كان حريصاً منذ اليوم الأول له فى أوروبا على أن يكون على مستوى التحدى الذى اختاره.. أدار نفسه منذ البداية. اللغة، والتى هى العائق الأكبر فى الخارج صار يهتم بها فى كل بلد يذهب إليه. سويسرا أولا، ثم إيطاليا، ثم إنجلترا. ثلاث لغات مختلفة أجاد صلاح التعامل معها وبها. وما عرفت عنه من خلال قريبين منه أنه ما زال حريصا على تلقى دروس اللغة الإنجليزية حتى الآن. وقد فاجأ صلاح متابعيه بإجادته الحديث والتواصل بلغة إنجليزية صحيحة، بل لهجة بريطانية.
صلاح لا يكف عن التعلم، ولا يكف عن معرفة الجديد. كما علمت فإنه يستعين بخبراء نفسيين لإنقاذه من أمراض وقع فيها آخرون، فى كل مجالات الشهرة والسلطة. أمراض الأضواء والشهرة، أمراض الهتاف بلا ضابط ولا رابط، أمراض الإعلام الذى يقذف بكلمات ليس لها محل من الإعراب مدحاً أو ذماً. ولكى يحافظ على استقراره وانضباطه النفسى قرر أن يتعلم ويتدرب كيف ينقذ نفسه من ضعف نفسه.
هو فرعون هبط إليهم من السماء كما يقول عنه جمهور ليفربول. هو الشاب الذى لا يستطيع أحد إيقافه. هو المهاجم الذى يجعل مدافعى الخصوم ضعفاء. هو اللاعب الذى أنقذ ليفربول. هذه الجمل التى يتغنى بها الجمهور فى ملعب ليفربول كفيلة بأن تطرحه أرضًا، اتكاءً على مدح وحب لا حدود له. صلاح يعلم ذلك. علمه بفطرة مدهشة، فكيف لشاب عاش ما يقرب من 20 عاماً فى بلد من بلاد العالم الثالث، أن يخرج إلى أوروبا بفكرها وفكر مستنيريها ومبدعيها، ليس فقط فى عالم كرة القدم، ولكن فى عالم العقل الواعى المدرك.
جزء كبير من جاذبية صلاح يكمن فى أنه لم ينسَ قط من أين أتى. وفى جميع أرجاء مصر يمثل صلاح النموذج للمصرى البسيط، فهو المراهق الذى نجح بعزيمته فى الوصول إلى أعلى مستويات كرة القدم العالمية، ولكنه لم يُدِر ظهره عن جذوره. هو قدوة للملايين، كفرد وكلاعب وكمواطن مصرى.
شعبيته تخطت كرة القدم. أصبح أيقونة ونموذجا للمصريين. صار ابن نجريج تاجر سعادتهم فى أيامهم الصعبة.
كتبت صحيفة إنجليزية زارت قريته وصفا لها، فبجوار «القهوة» يقع الملعب الذى كان يلعب فيه صلاح، وتحت أضواء كاشفة بيضاء يركض مراهقون حُفاة يبلغون من العمر ١٠ سنوات ذهابًا وإيابًا، وكلهم أمل أن يتبعوا خطواته. وعلى مقربة يقع منزل صلاح القديم، وهو عمارة بسيطة مكونة من ٣ أدوار، وهو خالٍ الآن، حيث إن صلاح ووالدَيه وإخوته رحلوا إلى أوروبا، ولكن صلاح لم يقطع روابطه بالقرية.
أهل قريته قالوا إنه كان شابًّا بسيطًا. كان دائمًا جزءًا قويًّا من مجتمع القرية. عاد من مسكنه فى لندن منذ سنوات، عندما كان يلعب فى تشلسى، ليتزوج فتاة من القرية فى حفل زفاف لم يحضره سوى أهل القرية وأصدقائه المقربين.
تبرع صلاح لمجتمع قريته بالكثير، لمدرسته القديمة، لأطفالها، لفقرائها. ساعد الكثيرين.