عندما سأل الشعب السيسي.. فكشف فجوة الإعلام

كتب: عبدالمقصود الملاح

تابعنا منذ أيام حوار الرئيس السيسي مع المخرجة المبدعة ساندرا نشأت، وبكل ما تخلل الحوار من تفاصيل عبقرية، كان الجزء الأهم على الإطلاق هو نبض الشارع، الذي كان ظاهر جزء منه الشكوى من أداء الرئيس في أعوام حكمه الأربعة، لكن التحليل الجيد للتساؤلات والآراء يكشف الخلل الحقيقي وراء الانطباعات السلبية التي شملها التقرير.

نرشح لك:السيسي لأبطال العملية سيناء: احنا بنحارب عشان ربنا

نبض الشارع

بعيدا عن الإطراء والمدح وتعليقات الحب والتأييد، جاءت التخوفات من التعليق مطلقا بسبب هواجس الملاحقة الأمنية، ثم جاءت التعليقات الرافضة لترتيب الأولويات خلال الدورة الرئاسية الماضية والمطالبة بالتركيز على “الأكل والشرب”، مرورا بعدم الرضا عن كون الأولوية للاعتبارات الأمنية، وانتهاء بتلك الفتاة التي عبرت عن اعتقادها بأن المشروعات القومية “مش بتمس المواطن بحاجة يعني”.

ملكي أكثر من الملك

جاءت ردود فعل جزء كبير من الكتلة المؤيدة للرئيس السيسي على وسائل التواصل الاجتماعي متحاملة بشدة على هؤلاء المواطنين الذين عبرو عن آرائهم وقناعاتهم وتساؤلاتهم بحرية، ونالت تلك الفتاة نصيبا من الهجوم والانتقاد، وكان ذلك بطريقة الملكيين أكثر من الملك، فحتى الزملاء العاملين في الإعلام لم يدركو أن هذا التقرير يحمل بين طياته فجوة في الأداء الإعلامي والتواصل مع شرائح ليست بالقليلة من الشعب (الجمهور).

الفجوة

لنأخذ تلك الفتاة كمثال لتوضيح الفكرة، عبرت الفتاة عن عدم قناعتها بجدوى المشروعات القومية، ولم تكن هي المخطئة بالدرجة الأولى، فهي تنتمي لجيل لا يتابع بالضرورة برامج التواصل الاجتماعي “التوك شو”، ولا تنجذب للحشد العاطفي الشعبي الذي يستخدمه معظم مذيعي التليفزيون، ذلك الحشد المعتمد على الأغنية والمقسوم، والذي يجذب شرائح أخرى أكبر تمثل الكتلة الحاكمة في أي حراك.

الأهم هنا أن تلك الفتاة وغيرها لم ينكرو الإنجازات من مشروعات قومية أو تحقيق الأمن ودحر الإرهاب، مما يعني نجاح الإعلام ومنظومة الاتصال بين مؤسسات الدولة والشعب في التوعية بتنفيذ الإنجاز، لكن جاءت عدم قناعة الفتاة بجدوى المشروعات لتعبر عن احتياج فئات وشرائح مهمة من الشعب لخطاب مختلف عن المتاح حاليا في وسائل الإعلام المحلية، خطاب يحترم العقل ويبتعد عن أساليب الحشد، فكل شريحة مستهدفة يجب أن نتواصل معها بأدواتها الخاصة.

تلك الفتاة هي نموذج للشباب الذي يحتاج لمن يخاطب عقله وفكره بطريقة موضوعية، مقدما الأسباب التي دعت لتقديم هذه المشروعات القومية عن غيرها من الخطوات والإجراءات، لا تنتظر هذه الفتاة، ولا الشريحة التي تنتمي لها من الشعب، أن يقوم الإعلام بنقل فعاليات الافتتاح وإطلاق المشروعات القومية فقط، بل تنتظر مقارنات ومؤشرات للأداء الاقتصادي لمصر ودول العالم، وإنتاج محتوى مبتكر يناسب السوشيال ميديا ويقوم على احترام الفكر النقدي للجمهور بدلا من رفضه شكلًا وموضوعًا.

الفئات المستهدفة

عند قياس كفاءة الخطاب الإعلامي يجب أن يتم ذلك على شرائح المجتمع وفئاته المستهدفة Segments وبتطبيق ذلك على المجتمع المصري نجد أن الطبقات الكادحة والمحدودة الدخل وكبار السن ممن عاصروا حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر والسيدات هم الأكثر استجابة للخطاب الإعلامي المصري التقليدي معظم الوقت والانفعالي العاطفي.

فيما يناقش الإعلام قضايا محدودي الدخل والتطور على المستوى الأمني، يغفل مناقشة القضايا من منظور الطبقة فوق المتوسطة التي تحملت جزء كبير من أعباء الإصلاح الاقتصادي بشكل خاص، وذلك دون أن ينهض الإعلام بتوضيح مبسط لرسائل الدولة عن حتمية الإصلاح وأولوياته، ونتيجة لذلك نجد دعم أبناء الطبقة المتوسطة للدولة نابع عن الوطنية الخالصة بمعزل عن الاقتناع بكفاءة السياسات الاقتصادية تحديدا.

أما الشباب، فبالرغم من المنتديات والمؤتمرات الشبابية، نجد أن الإعلام لم يبتكر الجديد لمواكبة هذا الحراك ومخاطبة الشباب بشكل عقلاني وتحليلي نقدي، يتناول التجارب الاقتصادية والاجتماعية للدول بشكل أقرب للعلمي وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ففي حين يتعرض هؤلاء الشباب بشكل مكثف لمختلف أدوات الإعلام الرقمي، بداية من AJ+ وهافنجتون بوست القطرية ومرورا بأكاذيب BBC ونيويورك تايمز، يفشل الإعلام المحلي في مخاطبة عقول هؤلاء الشباب المحبين لمصر بطريقتهم الخاصة وفكرهم الخاص.

الحل

ببساطة يجب أن تعمل وسائل الإعلام المحلية على إطلاق أدوات إعلام رقمي تعمل كحلقة وصل بين الشباب والدولة بشكل عقلاني، كما يجب على الخطاب الإعلامي أن يتحدث إلى الطبقة المتوسطة من منظورها الخاص، ولم يعد وجود وسيلة إعلامية تعتمد على تعليم وتوعية الشعب بعقلانية وموضوعية رفاهية في عصر الديجيتال ميديا.