نورا مجدي
كعادته يأخذك الكاتب عمرو عبد الحميد إلى أراضٍ مجهولة لا تعرف عن قواعدها شيئًا، لتجد عقلك ينسحب تدريجيًا من الأرض التي تعيش عليها بجسدك إلى الأرض الأخرى الموجودة داخل عقلك والتي أصبحت تدرك قواعدها جيدًا وكأنك تعرفها منذ مئات السنين.
نرشح لك.. الكتب الأكثر مبيعًا في7 مكتبات خلال فبراير 2018
أرض جديدة يتطرق إليها بمخيلته بعد نجاح روايتي “أرض زيكولا” و”أماريتا” والتي أخذنا فيهما الكاتب نفسه إلى رحلة لأرض بعيدة يتعامل فيها البشر بوحدات الذكاء بدلا من العملات، وإن نفذت وحداتك فالموت هو مصيرك. حققت روايتيه نجاحًا كبيرا وشهرة واسعة وجاءت روايته “قواعد جارتين” لتكمل نجاحه وتؤكد لنا أيضا أننا أمام كاتب له خيال منفرد وأسلوب روائي يُوصف بالسهل الممتنع حيث أنه قادر على أن يدخلك أدق تفاصيل ما يريدك أن تعيشه معه.
يتسائل الكاتب قبل أن تدخل في ثنايا روايته سؤالا صادما: “ماذا لو وجدت نفسك بأرضٍ أقصى ما يمكنك بلوغه بها هو خمسون عامًا؟.. ليست هذه القاعدة الوحيدة فحسب، بل هناك ما هو أكثر من ذلك”. تلك الكلمات على الغلاف الخلفي للرواية تخبرك أنك أمام أرض جديدة بقواعد أخرى، ستتشوق لمعرفتها كلما تعمقت في القراءة، ثم يبدأ في سرد قصة تلك الأرض من خلال حياة “غفران” تلك الفتاة الشريفة التي أحبت “نديم” الفتى النسلي فالناس في “جارتين” مقسمون لشرفاء ونسالى وهم المرتبة الأقل شأنًا، والذين تحكمهم عدة قواعد تؤثر على حياة الشرفاء والنسالى معًا.
يقول الكاتب أيضا “إن جارتين لم تَنس أبدًا ما فعله العجزة بحضارتها.. لذا لا يعيش على أرضها من يعبر عامه الخمسين” وتلك كانت القاعدة الأولى من قواعد المدينة الصارمة، لكن لم يكشف لنا الكاتب حتى نهاية الرواية كيف سيثور أهل تلك المدينة على تلك القاعدة أو ما هو مصير من يتم أخذهم ليلقوا حتفهم بسبب تخطي أعمارهم الخمسين.
جمعت الرواية بين عدة مشاعر مختلطة سيصيبك بعضها بالدهشة فهناك التشويق والإثارة بسبب طبيعة العلاقة بين “غفران” و”نديم” الذين لا تسمح قواعد بلدتهما بوجود علاقة بينهما، وهناك المفاجأة التي تنتظرك عند منتصف الرواية والتي تعتقد حينها أن الرواية انتهت لتفاجأ بأنك لا زلت في المنتصف، ثم التعاطف الذي قد يجبر دموعك على الانهمار خاصة عندما تعلم أنك في المدينة مجبر على فقد والديك بسبب قواعد صارمة لا دخل لك بها، ثم التحول الشديد من الكُره لبطلة الرواية فاقدة الأحاسيس والمشاعر إلى الحب والتعاطف.
نرشح لك.. ماذا يقرأ هؤلاء السبعة حاليا؟
وإذا تركنا لغة المشاعر وتحدثنا بلغة العقل، قد يرى البعض أن هناك عبارات تعكس إسقاطا على الواقع في بعض الدول فالرواية تعكس ما يسببه الجهل في الشعوب، خاصة عندما يصبح جهل الشعب نتيجة لما تريده السلطة وتقوم به، كما أنها تُثبت أيضا فكرة أن الأمل يُولد من رحم اليأس وهو ما يتجسد في فكرة انتقال الأرواح ممن تم إعدامهم لتنتقل الروح إلى رحم جديد ليبدأ قلب طفل جديد بالنبض بحياته التي قد تشبه حياة حامل روحه أو تختلف لتثور على القواعد.
نجح الروائي في سرد تفاصيل الرواية بشكل يُشعرك أنك قد زُرت ذلك المكان وأنك تعرف تلك الأرض جيدًا وشوارعها وتفاصيل منازلها وساحة “الغفران” التي تشهد كل شهر تجمع أهل المدينة ليشهدوا زواج الأشراف وإعدام النسالى، قد يأخذ البعض على الروائي عدم إيضاحه لزمن حدوث تلك الأحداث خاصة وأن الحياة خارج أسوار “جارتين” لا تشبه الحياة داخلها وهو ما يرصده عن طريق الطبيب، لكن لا يمكننا التعجل بالأحكام خاصة وأن الكثير من الأحداث ظلت مفتوحة حتى نهاية الرواية ليخبرنا الكاتب بوجود جزء ثان تتضح فيه ألغاز تلك القواعد التي لا بد وأنها حركت شيئًا ما بداخلنا كما استطاعت أن تحرّك جميع أبطال الرواية وتتحكم بمصائرهم.