محمد الساعد
كان ظهور قناة CNN في حياة السعوديين بداية حرب الخليج عام 1990 حدثاً مدهشاً ومثيراً، بل مشابه لاكتشاف الأوروبيين القارة الأميركية في حجمه وتأثيراته، لقد كان كشفاً عظيماً، فالصواريخ والطائرات والقنابل الملقاة، تشاهد مباشرة من مجالسهم، وهم متكئون.
الانفتاح على العالم وقيادة الرأي العام، بشكله الكوني لم يكونا متاحين في ذلك الوقت لمتابعي الوسائل الإعلامية المحلية وحتى العربية، لأسباب عدة، أهمها: أن الفضاء التلفزيوني والإلكتروني بشكله الحالي لم يكن متاحاً أبداً.
ظلت «CNN» في وجدان الكثير من السعوديين، تعبر عن الإعلام الغربي في أكثر مظاهره استقلالاً وحيادية، اليوم بعد 25 عاماً من استقلالية هذه القناة -المزعومة- تخرج لنا القناة عبر موقعها الإلكتروني مختلفة، وكأنها قناة صفراء، لا تعدو أن تكون جريدة حائطية في أحد مكاتب الإرشاد التابعة لجماعة الإخوان المسلمون، أو أحد خنادق الحوثيين في صعدة.
فما الذي حدث لتتحول قناة كانت أقرب إلى الاستقلالية، إلى قناة تعرض وتحرِّض وتدعم الجماعات الدينية المتهمة بالإرهاب، بل وتصطف بجانب القتلة، وتصوغ أخبارها وعناوينها؛ دعماً لوجهة نظرهم، كما تقوم نشرات الأحزاب “بردحها” بعضها لبعض.
الأمر ببساطة أن هناك من يحاول السيطرة على الإعلام المنشور باللغة العربية، ولاسيما بعد ثورات “الخريف العربي” والهزيمة التي نالها في جولته الأولى، لتتحول إلى محاولة السيطرة على الرأي العام العربي إعلامياً، ضمن حالة استقطاب شديدة، تقودها جماعات إرهابية ضد الدول العربية الوطنية.
يتم ذلك من خلال نشر مئات المواقع الإخبارية الإلكترونية، التي خرجت كالفطر، تنشر الإشاعات والأخبار المفبركة والكاذبة والمغلوطة؛ لهزم الشخصية، وتغيير الولاء للأوطان، وتدمير القناعات واستبدالها، تساندها وتدعمها في هدم عقل ونفسيات ولاءات المتابعين، بعض القنوات الإخبارية ذات التوجه المتطرف.
لكن أبرز ما في ذلك المشروع كان السيطرة على وسيلتين إعلاميتين إلكترونيتين شهيرتين، هما موقع CNN بالعربي، والهفينغتون بوست المرتقب صدورها قريباً باللغة العربية، من خلال توقيع عقود فرنشايز -أي حق النشر باللغة العربية- في مقابل مادي سنوي مغرٍ، وتتحكم الجهة الموقعة للعقد في النشر وأهدافه وطرقه.
ولنشرح ذلك ببساطة، عليك أن تتقدم إلى الوسيلة الإعلامية العالمية، وتدفع لها مقابلاً مالياً مغرياً، ثم تسيطر على إدارة التحرير والأخبار، وتوظف فيها من هم على هواك وآيديولوجيتك نفسها، ثم تحرِّك الرأي العام من خلال الأخبار الموجهة بخبث، ضد دولهم وحكوماتهم.
ما يحصل اليوم في موقع CNN على سبيل المثال، هو تحوله فعلاً إلى مكتب إرشاد إلكتروني، يخدم بطريقة فجة أهداف «الإخوان» وحلفائهم الإقليميين، وناطق رسمي باسم الحوثيين وجبهة النصرة، وغيرها من التنظيمات. هكذا تتم السيطرة على الجماهير من خلال الاستثمار المفرط في الإعلام؛ من أجل تحريكهم كالدمى في يوم من الأيام، ربما في أي ثورة مصنوعة قادمة، فالحروب لم تعد حروباً عسكرية فقط، بل حروب يتم الفوز فيها بقلوب وعقول الشعوب، من دون مقاومة منها، إما إهمالاً من الدول الواقعة في مرمى نيران الإعلام الموجه، أو عدم اكتراث وعدم إحساس بالخطر الداهم والواقف خلف أبوابهم.
نقلًا عن “الحياة اللندنية”
اقرأ أيضًا:
عمرو أديب: استهلاك المصريين للحشيش قد دعم السلع الغذائية كلها
تامر أمين : ابلة فضيلة علمتنا الادب وفاهيتا نايمة على سرير احمر
حقائق هامة حول الافراج عن مرسي غابت عن أحمد موسي
أحمد موسى : مرسي خارج السجن يوليو 2015
أحمد موسى لـ “الجخ” : لماذا زرت إسرائيل؟
تفسير تفوق شريف مدكور على أمينة شلباية
كاريكاتير إيهاب هندي : رومانسية تجديد الخطاب الديني