في الشهر الأخير من عام 2014 عرض على صديق الانضمام للنسخة العربية لموقع عالمي كبير، هافنيجتون بوست.. كان وقتها يتربع على القمة، ما دفع شركة الإنترنت الأمريكية العملاقة AOL أن تستحوذ على حصة حاكمة فيه، وبات الموقع -الذي بدأ كمدونة بجهد بسيط من السيدة “هافنيجتون”- حديث الساعة لكل المهتمين بالصحافة الرقمية في العالم ..
المنصب كان جيدا، والراتب كان ممتازا، ولكن مكان العمل والنموذج المهني محل شك كبير، بل يقين، مش هسنتعبط على بعض!!
المشكلة الحقيقية أنه لا ضمانات من أي نوع حول الحد الأدنى من المهنية التى سيعتمدها الموقع في نسخته العربية، الشيء الوحيد المؤكد أنه سيكون موجه ضد مصر والدول التي تعادي قطر – الممول- في المطلق، وهذا يعنى أن أي قصة سلبية سيتم نشرها وتضخيمها والتركيز عليها (وما أكثر بلاوينا)، وأي قصة تحمل بعدا إيجابيا سيتم تجاهلها، أو تناولها في سياق التشكيك، وتصدير الأراء المعارضة.
نرشح لك: هشام عبد الله.. ياريته ما راح معاهم
وكلنا يعرف هذا النموذج جيدا، فهو لا يكذب عادة، لكنه لا يقول دائما كل الحقيقة، ويمارس الانحياز في اختيار الموضوعات محل التركيز، فترى المشرف على التحرير مهتما بنوعية واحدة من القصص في إتجاه معين، وفقا لمعايير سياسية بالأساس وليست مهنية أو حتى تجارية..
(جملة اعتراضية هنا: صحيح نادرا ما تجد وسيلة إعلامية في العالم كله تتعامل بمهنية بنسبة 90%، لكن عندما تكون هذه المؤسسة معنية بمحاربة وطنك بصورة علنية، وتًسخر كل غالي ونفيس لهذا الغرض، وأنت مع خلافك مع من يدير وطنك في الكثير من الملفات، ولكن في النهاية يستحيل أن تخالف قناعتك، وتكون نصل سيف في يد المتربصين بوطنك، حتى لو سيكلفك الأمر أن تجلس في بيتك دون عمل، ومقابل هذا الموقف لن يرضي عنك هؤلاء ولا هؤلاء!! )
وظهر موقع هافنيجتون بوست عربي في صيف 2015، ومن أول يوم ظهرت الفجاجة، قصة تمجد في السلطان أردوجان ومليئة بالاسقاطات على مصر، وهكذا لم يمر شهر تقريبا واتضح سريعا للأعمى انحياز وعدم موضوعية النسخة العربية بصورة فجة، فلم ينتظروا مثلا -تكتيكا- أن يبنوا جدار ثقة ثم يسحبوا منه لاحقا، كان التعجل واضحا لقطف الثمار، فالحدث السياسي كان ملحا، والفواتير يجب أن تسد أولا بأول، لطن لم يكن يُتوقع أن يكونوا بهذا السوء، وبهذه السرعة!
ومع ذلك استغرق الأمر 3 أعوام لكي تفسخ هافنيجتون بوست تعاقدها مع شركة Integral Media Strategies الموجودة بلندن، والتي تأسست خصيصا لهذا الغرض، ويرأسها وضاح خنفر، مدير قناة الجزيرة السابق!.
نرشح لك: مصير محتوى “هاف بوست عربي” بعد الإغلاق
وفي الحقيقة أن الخلافات ظهرت بوضوح مع العام الأول بسبب الفجور في التوجيه السياسي، وكان أن حدثت ضغوطا كبيرة على هافنيجتون بوست من مسؤولين عرب وأمريكان، ووصل الأمر لعرض شراكة بديلة، وهو ما كان موجود أصلا قبل أن تقنصها شركة انتجرال التي دفعت رقما كبيرا يقال أنه تجاوز 150 مليون دولار لرخصة تشغيل الثلاثة أعوام.
ومع ضخامة المبلغ والذي كان يتوقع أن يزيد مع التجديد، لكن تجديد التعاقدكان أمر شبه مستحيل، فاستعدت انتجرال مبكرا وقامت بتأسيس موقعا بديلا وهو عربي بوست ArabicPost الذي انطلق 1 أبريل، ياله من يوم، ويالها من دلالة، أما مصير النسخة العربية لم تقرر بعد هافنيجتون بوست كيف سيكون شكل تواجدها في المنطقة العربية، ولكن على الأرجح ستبقي، لكن بإنفاق محدود لا يقارن ببذخ انتيجرال ميديا !!