وليد رشاد
لا يعتبر تطوير ماسبيرو الحالى هو الأول من نوعه، فقد كانت هناك محاولات متتالية لتطوير ماسبيرو قبل ظهور الفضائيات أيام القنوات الأساسية والمحلية، وكانت أبرزها فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، حينما تم تقديم أفكار مبتكرة للبرامج، وكذلك ابتداع فكرة الأيام المفتوحة للتخلص من جمود الفقرات والبرامج التليفزيونية الثابتة منذ نهاية السبعينات.
ومن ضمن الأفكار الجديدة كانت برامج “تاكسى السهرة”، “أمانى وأغانى” وغيرها، ولكن يعتبر برنامج “فكر ثوانى واكسب دقايق” واحد من أغرب وأجرأ الأفكار التى قدمت فى تلك الفترة حيث تم إنتاج البرنامج عام 1990، وكان يقوم على فكرة مسابقة بها سؤال بسيط ومن يجيب الإجابة الصحيحة لا يفوز بجائزة مادية أو عينية ولكنه يفوز بدقايق “خمس دقايق”، وعليه أن يختار ما بين شيئين أما أن يطلب إذاعة مادة فيلمية سواء مسلسل أو فيلم أو أغنية وتعرض على الشاشة فى الحلقة التالية بعد فقرة سؤاله وإجابته، أو أن يطلب خلال تلك الدقائق الخمسة مقابلة ايًا من الشخصيات العامة سواء فنان أو رياضى أو مسئول على أن يحقق البرنامج رغبته.
وكانت الواقعة الهامة التى وضعت البرنامج فى بؤرة اهتمام الرأى العام حينما التقت مذيعة البرنامج اللامعة “نجوى إبراهيم” مع رجل عجوز بسيط، وحاولت مساعدته فى إجابة السؤال السهل لكى تضفي عليه نوعاً من البهجة وتحقق أمنيته بلقاء أى شخصية يريدها، وفاجئ الرجل البسيط الجميع بمن فيهم طاقم عمل البرنامج عندما طلب مقابلة الرئيس “مبارك”، ولا زلت حتى اليوم اذكر تسجيل اللقاء حينما اعتبر أحد افراد طاقم العمل أن الرجل مجنون لمجرد طرح الأسم فقط !!
وكانت المفاجأة التى هزت مصر وقتها أن رئاسة الجمهورية وافقت على لقاء الرئيس “مبارك” مع الرجل البسيط، وكانت خطوة ذكية وموفقة من الرئاسة لمحاولة تقديم الرئيس “مبارك” كشخص قريب من الشعب ولا يتعالى على تنفيذ طلبات مواطنيه البسطاء، وتحدث الرئيس “مبارك” خلال اللقاء فى موضوعات متعددة ومنها صبره على اليهود حتى يحصل على أرض سيناء، وبعدها نجاحه فى استرداد طابا، وكذلك اشتراكه فى حرب أكتوبر وتذكر ايضاً الرئيس “السادات”.
نرشح لك: خالد البرماوي يكتب: هكذا سقطت هافنيجتون بوست عربي!
وبالفعل تحققت أهداف الجميع فمن جهة نجحت إدارة البرنامج فى تحقيق خبطة إعلامية رائعة بمقاييس تلك الفترة أو حتى مقاييس الفترة الحالية، ومن جهة ثانية حقق الرجل العجوز البسيط حلمه بلقاء أقوى شخصية فى مصر فى ذلك الوقت، ومن جهة ثالثة نجح الرئيس “مبارك” فى الدخول إلى قلوب الكثير من المصريين بعد أن اعتبروا اللقاء تعبيراً واضحاً عن تواضع الرئيس وإهتمامه بالبسطاء، وحتى تلك اللحظة كانت الأمور رائعة بالنسبة للجميع وتحرك البرنامج من نجاح إلى آخر بعد تلك اللقطة التاريخية، وأصبح الطريق مفتوحًا أمام طاقم عمل البرنامج لإستضافة أى شخصية فى مصر، بل تسابق الجميع فى الظهور في البرنامج إقتداءاً بالرئيس.
وفى إحدى الحلقات التالية كانت المفاجأة الأغرب حينما فاز متسابق بالدقائق الخمسة وطلب لقاء النجم “محمود عبد العزيز”، الذى كان مستحوذاً على قلوب المصريين بعد نجاحه المدوى فى مسلسل “رأفت الهجان”، وكانت الصفعة الكبرى حينما رفض الفنان الإشتراك فى البرنامج ومقابلة الفائز، ويبدو أن طاقم البرنامج والمذيعة شعروا بصدمة ومرارة الرفض، ولذلك ظهرت مذيعة البرنامج الممثلة “نجوي إبراهيم” بطريقة سينمائية فى ختام الحلقة، وأكدت أنها تعتذر للفائز لأن الفنان “محمود عبد العزيز” رفض طلبه وعلل ذلك بأنه يرفض الظهور فى البرامج التليفزيونية، وقالتها بطريقة بها كثيراً من الاستنكار.
وحدث نوع من الهمسات تحولت سريعاً إلى إنتقادات لاذعة تدور حول كيفية أن يجرؤ شخص مصري (اياً كان) ويرفض الظهور في برنامج تليفزيونى ظهر به رئيس الجمهورية وكأنه يتطاول على الرئيس شخصيًا !!
وبدأت الأزمة فى الاشتعال لا سيما مع طريقة تقديم “نجوي ابراهيم” للإعتذار، وظلت حالة من الغليان ضد الفنان (الذى اشتهر بعدها بلقب الجنتل والساحر وهى أسماء بعض أفلامه)، واضطر إلى الظهور فى برنامج آخر تماماً من أجل إنقاذ الموقف والإعتذار الصريح وتفسير القصة ونزع فتيل الأزمة، ولكن الأعجب من الظهور السريع كان مبرراته خلال ذلك الحوار، حيث ذكر حدوتة غريبة ملخصها أنه يثق فى أحد العمال فى ناديه الرياضى وعلى ما أذكر كان اسمه “زقلط”، وأوضح “الساحر” أنه كان قد ظهر فى برنامج تليفزيونى قبل إتصال مذيعة “فكر ثوانى واكسب دقايق”، وتكلم فى هذا البرنامج فى موضوعات متعددة ولكنه حينما التقى بالعامل الذي يثق فى رأيه، ابدى العامل البسيط إندهاشه (وإعتراضه فى ذات الوقت) على أن النجم المحبوب تكلم فى موضوع مختلف تماماً عن مغزى سؤال المذيعة، ولأن “الساحر” يثق كثيراً فى رأى “زقلط” !! فقد اصابته حالة من الندم والرغبة فى إعادة تقييم موضوع ظهوره التليفزيونى، وأضاف أنه فى تلك الأجواء اتصلت به المذيعة “نجوى أبراهيم”، وأنه شرح لها وجهة نظره بأنه يحتاج فقط إلى فترة راحة من اللقاءات التليفزيونية، واياً كان درجة مصداقية كلام الفنان الراحل أو مدى إقتناع الجمهور به وقتها، فإنه نجح إلى حد ما فى نزع فتيل أزمة كان يمكن أن تقضى مبكراً على مستقبله الفنى، والحمد لله أنه كان ممثلاً مصرياً وليس ممثلاً ليبياً أيام الرئيس “معمر القذافى” وإلا كانت الأمور وصلت إلى ما لا يحمد عقباه، وكنا سنحرم من أعمال محمود عبد العزيز الرائعة التى شارك فيها بعد تلك الواقعة، وأشهرها فيلم “ليلة البيبي دول” ومسلسل “محمود المصري”.