فى كثير من اللقاءات التى شاهدت فيها الكاتب الصحفى مفيد فوزى متحدثًا عن عبد الحليم الإنسان يشعرنى فى إجاباته أنه كان طوال سنوات علاقته بعبد الحليم قابعًا تحت السرير، راصدا عدد مرات نجاحه أو إخفاقه الجنسى.
بعيدا عن مدى نصيب هذه الأحاديث من المصداقية، هل يجوز أن يتحول الخاص جدًّا إلى عام، وفى متناول الجميع؟ لو أننا بصدد الحديث عن شخصيات عامة سياسية أو فنية رحلت عن عالمنا، هل يصبح كل شىء متاحًا للتداول، وهم لا يملكون إثباتا أو نفيا؟ تفاصيل حياة الفنانين الشخصية هل نحيلها إلى المشاع؟ أم أن ما كان سرًّا فى حياتهم ينبغى أن يظل للأبد سرًّا؟ الحقيقة أن هناك أسرارا تستحق النشر والذيوع، بينما أخرى من الأمانة أن تظل داخل الصندوق الأسود.
أتذكر أننا قبل بضع سنوات فوجئنا بتصريح للسيدة نهلة القدسى، أرملة الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، أكدت فيه أنها قد أضرمت النيران فى تلك الرسائل، التى أرسلها لها عبد الوهاب، معبرا لها عن مشاعره العاطفية، بينما مثلا على الجانب الآخر حرصت السيدة جيهان السادات على الاحتفاظ بهذه الرسائل الخاصة للسادات، بل وقرأت بعضها فى أكثر من حوار تليفزيونى وإذاعى.
السيدة نهلة أكدت بكل فخر أنها قد جمعت كل هذه الخطابات، ووضعتها فى قارورة من العطر، كان يفضلها عبد الوهاب، ثم أحرقتها، وعندما سألوها قالت أخشى بعد رحيلى أن تصبح فى أيدى آخرين.
لفقد نفذت أرملة الموسيقار الكبير حكم الإعدام فى هذه الأوراق، حتى لا تقع فى أيدى الأبناء أو الأحفاد، ثم يكتشفون أن جدتهم وجدهم كانا يتبادلان خطابات الغرام والعتاب والهيام، واختارت لحظة شديدة الرومانسية قبل 12 عامًا، وهى ليلة الاحتفال بيوم ميلاد الموسيقار الكبير 13 مارس، وغمرتها بماء العطر الباريسى المفضل لموسيقار الأجيال، ثم أشعلت عود الثقاب. اعتبرت نهلة أن هذه الخطابات شأن خاص، إذ إن ما يربط عبد الوهاب بجمهوره هو أغنياته، وهى لم تفرط فيها، وحافظت عليها، وقدمت حتى المجهول منها كاملة، وبلا مقابل للجمهور!
كل مقتنيات الفنان مع مرور الزمن تتحول إلى وثائق، وليس مجرد مؤلفاته أو لوحاته، مثلا سيدة الغناء العربى أم كلثوم احتفظت أسرتها بمناديلها الشهيرة ونظارتها السوداء وفساتينها، ولدينا فى القاهرة متحف يضم عددا منها. صحيح أنه منذ 16 عامًا تم التبرع بعدد منها فى مزاد علنى، ذهبت حصيلته لمكافحة الجوع، وحقق أحد مناديلها الذى كانت تحرص على الإمساك به فقط مليون جنيه، لكن تبقى فى المتحف جزء من المقتنيات الأخرى، إلا أن ورثة أم كلثوم مثل ورثة عبد الوهاب لم يسمحوا بأى أوراق خاصة للعرض فى المتحف!
وليم شكسبير تم الاحتفاظ بكل متعلقاته الشخصية ورسائله، وقبل بضع سنوات ثار جدل واسع حول «غليون» شكسبير هل كان لاستعماله الشخصى أم شاركه فيه الآخرون. الزعيم الوطنى سعد زغلول مثلا نشرت مذكراته الخاصة، التى اعترف فيها، آسفا، أنه كان يلعب القمار.
جبران خليل جبران، الذى كان يجمع بين موهبة الشاعر والفنان التشكيلى والفيلسوف لم يتم الاكتفاء فقط بتجميع أدبه سواء الذى أبدعه بالعربية أو الإنجليزية، بل كل مقتنياته تم الاحتفاظ بها، وبالطبع نشرت رسائله الغرامية التى كتبها للأديبة اللبنانية مى زيادة فى كتاب، والمنضدة التى شهدت إبداعه وأدوات الكتابة والفرشاة كلها مع الزمن أصبحت شهودا على هذه العبقرية الاستثنائية، ولهذا تحولت هذه أيضا إلى مزار أقيم له فى لبنان مسقط رأسه!
كل التفاصيل الصغيرة ينبغى أن نحتفظ بها كشاهد على الزمن، إنه الخاص عندما يُصبح فى جانب منه عاما، لكنْ هناك خاص ينبغى أن لا ننتهك خصوصيته، حتى لو عرفه صحفى، هذا لو صدقنا أنه كان طوال سنوات علاقته بعبد الحليم قابعا تحت سريره!
نقلًا عن “جريدة التحرير”
اقرأ أيضًا:
5 متناقضات لوائل الإبراشي فى حلقة “السيجارة البنى”
أصالة ومحمد عبده فى برنامج لاكتشاف المواهب
حقيقة فتوى مفتي السعودية عن أكل الزوج لحم زوجته
مشاكل أصالة في بيروت تربك “تاراتاتا”
موسى يطلق حملة لترشيح السيسي لنوبل