محمد حسن الصيفي
رُفعت الأقلام وجفت الصُحُف، أحمد خالد توفيق في ذمة الله، خبر صادم ومؤسف، كل من له علاقة بالورقة والقلم الآن لا شك وأنه في نوبة من الحزن، حتى ولو لم يقرأ كلمة للعرّاب.
فالأمر لا يتعلق بكاتبًا عاديًا تتفق وتختلف معه ومع أطروحاته، بل مع رجل مؤسس ومؤثر في أجيال عديدة تربت معه وعلى أفكاره وكتبه، يشعرون الآن بمرارة فقد جزء من تاريخهم وهويتهم ونوستالجيتهم الخاصة.
الآن يذهب أحمد خالد توفيق بعد أن تأكد أننا “الآن نفهم” أما نحن فالآن نعرف “لماذا تثور البراكين” من الحزن !
تاريخ طويل من الكتابة والعطاء، و جزء من تاريخ الكتابة في مصر على الأقل في الربع قرن الأخير، سلسلة ما وراء الطبيعة، الفانتازيا والرعب والخيال، مقالات الطبيب الحاذق، الروايات ….ضرب في كل ملف بسهم، بل وبسهم صائب.
حين قرأت الخبر منذ ساعتين انتابني شعور الحزن والألم على كاتب وقيمة وقامة ولاعب أصيل في حلبة الكتابة في مصر، لكنّ لفت انتباهي لقاءه الأخير والممتع مع “صنايعي الكتابة” عُمر طاهر خلال الجمعة الماضية، قبل أيام قلائل من رحيله المحزن.
لقاء ثري وجاد لم ينتمي لعالم الفانتازيا والخيال، بل لقاءً سلسًا وبسيطًا وواقعيًا لأبعد حد.
لقاء من اللقاءات التلفزيونية القليلة لكاتب عشنا معه أوقاتٍ طويلة في خيال جامح، لقاء وداع يليق بتاريخ رجل أخلص للكتابة وقدم فيها إنتاجًا غزيرًا يليق بحبه وولعه الشديد لها.
أسترجع تفاصيل اللقاء، الرجل بسيط وهادئ وسلس، يرتدي ملابس عادية قميص وبنطلون ومعطف عادي يرتديه أي شخص من الطبقات الإجتماعية المتوسطة أو الدُنيا.
يتحدث بالعامية، يأخذ الأسئلة من طاهر ويجيب عليها بهدوء وببساطة ودون أي مبالغة، إجابات موزونة ومنطقية وحقيقية عن صنعة الكتابة، لا توجد بها أي شبهة لتصنع أو تزلف أو نفاق لأحد.
لا أريد المبالغة والحديث عن إحساسه بأنه اللقاء الأخير، لا أريد اللعب على وتر البكائيات، لكن الصدق والأمانة يقتضيان أني شعرت بالصدق في كل ما قاله الراحل الكبير.
الرجل شرح أفكاره عن مسألة الكتابة، تحدث عن شهرته الواسعة بشئ من التواضع والبساطة، أبدى سعادته بكل الذين أحبوا كتاباته، وكل الذين استفادوا من المعلومات الطبية المتخصصة التي كتبها عبر إصداراته المتعددة.
انتقد شعراء الفيسبوك بسخرية مألوفة دون تجريح أو فجاجة، بدا واقعيًا لأبعد حد، تحدث عن ظاهرة “الأكثر مبيعًا” بأنه ليس كل ما في قائمة الأكثر مبيعًا هو الأجود وليس العكس، تحدث عن اختلاف الزمن وتغيّر أجواء الكتابة عن ذي قبل واكتساح وسيطرة مواقع التواصل، تحدث عن سهولة النشر مقابل المال، تحدث بإعجاب عن تجربة الأسواني وشهرته، تحدث عن مستقبل الكتابة ….
تحدث في كل ما يخص الكتابة بهدوء وخبرة رجل طوته التجربة أو طواها من خلال نظارته الطبية العميقة.
ليس وقت إسهاب عن كتاباته من باب المدح أو القدح، فالموت له هيبته ووقاره، الموت يخلع عباءة الحياة وتباعاً يخلع كل ما يخصها من ألقاب وزخارف ومن اتفاق أو ولع أو حتى اختلاف.
لكن الحق أنه ترك إرثًا يشهد كده وتعبه واجتهاده لسنوات طويلة في تلك المهنة الشاقة والمرهقة …..أحمد خالد توفيق في أمان الله ورحمته، إلى اللقاء