مع حلول إجازة شم النسيم بمدرسة ابني قررنا السفر في رحلة عائلية قصيرة للأقصر، فمن ناحية هي من الوجهات التي لم نقصدها بالأولاد بعد ومن ناحية أخرى تكون فرصة لابني المستكشف الصغير لرؤية تاريخ مصر.. والأهم من ذلك كله للطفلين هو.. ركوب قطار النوم!
وبعد تجربة أقل ما يقال عنها انها غير سلسة لحجز التذاكر جاء اليوم المنشود، وتوجهنا لمحطة الجيزة لنستقل القطار السريع -نسبيا- للأقصر. ومن المؤشرات الطيبة التي وجدناها في المحطة هي وجود سائحين أجانب في انتظار القطار مثلنا، ولكن…لا يوجد كرسي واحد للجلوس على الرصيف بأكمله! وبالطبع فلم نجد لنا مكانا على الدرجة اليتيمة الفاصلة بين مبنى المحطة والرصيف للجلوس عليها بين عشرات المنتظرين عليها. ونظرت حولي لأحاول معرفة ان كنّا علي الرصيف الصحيح او ميعاد القطار من أي يافطة أو شاشة…ولكن لا يوجد أي شيء! ولا حتى عامل بالمحطة لنسأله. وبعد فترة من الانتظار فزع كل من في المحطة علي صوت عال ومزعج بدرجة غير طبيعية يشبه تباعين الميكروباصات ليعلن قرب وصول القطار المنتظر باللغة العربية فقط، ولكن الأجانب تنبهوا غالبا لاتجاه اغلب المنتظرين نحو حافة الرصيف، ركبنا القطار الذي استقبلنا طاقمه بأدب وترحاب لتبدأ الرحلة المقبولة ولكن غير المشرفة على متن القطار رقم ٨٤.
ومع وصولنا للأقصر فجر اليوم التالي تغيرت فكرتي عن الرحلة، فبغض النظر عن سائقي التاكسي اللحوحين والمكتوبين علينا في كل ربوع مصر، كان أول ما لفت نظرنا جميعا هو أن الأقصر بلدنا بلد…نظيفة! -فلة يعني!- فلا توجد أي أكوام قمامة كما نألفها في شوارع القاهرة والجيزة ولا توجد حتى بقايا مخلفات على جانبي الطريق. وبدأت النظر في الشوارع الجانبية في طريقنا للفندق ربما اجدها غير نظيفة كعادتنا في التنظيف “من فوق الوش” او في الأماكن الظاهرة للمارة فقط، ولكن…المدينة نظيفة فعلا! وتسألنا فيما بيننا، هل هي البلدية أم هم الناس؟ ولماذا نحن بهذه القذارة في العاصمة؟
ومن الأشياء الأخرى التي لاحظناها هي وجود أرقام زرقاء كبيرة على جانبي كل سيارات الأجرة، وعند سؤال أحد السائقين أخبرنا بأن المرور هو المسؤول عن تلك الأرقام والتي تستخدم لضمان أمان السائحين وسهولة الاتصال بالسائق ان تم فقد أو نسيان اي شيء بالسيارة بعد نزولهم…شيء جميل والله، وطبعا الدور ثم الدور ثم الدور في عملية ركوب اي سيارة اجرة سواء من ناحية السائقين المنتظرين بصبر في المواقف أو من ناحية الركاب
ومن أجمل ما لاحظت في رحلتنا هو تنظيم عمل الباعة المحيطين بالآثار من خلال تخصيص محال مرقمة ومنظمة بشكل حضاري في مداخل ومخارج المزارات، وبالرغم من إلحاح الباعة الذي لم يتغير على مر السنين ولكن التجربة كانت بشكل عام أفضل بكثير من سابقاتها في الأعوام الماضية.
وخلال الرحلة كان كل ما يدور بخاطري: طب ما إحنا بنعرف أهو! فهي ليست معضلة…طلبات بسيطة: النظافة وتوفير تجربة غير منفرة للسائحين، جميع من في الأقصر ممن قابلناهم من مرشدين وبائعين وعاملين بالأماكن السياحية شديدي الأدب والترحاب والابتسامة لا تفارق وجوههم، حتي خفراء المقابر والمزارات الذين يقفون ليل نهار في نفس المكان في هذا الحر الشديد. لماذا لا نستطيع نقل هذا النموذج للأهرامات مثلا؟ أو لتاكسيات القاهرة؟ ما الصعب في أن نوفر تجربة مقبولة للسائح لا تدفعه لكتابة تجربته السيئة في مصر على منتديات السياحة والسفر؟؟
ولكن.. .ما زال هناك مجال للكثير من التحسينات التي تجعل من التجربة أكثر متعة لأي زائر، أشياء بسيطة مثل مظلات في أماكن تجمع السائحين والمرشدين من اجل الشرح المبدئي، مزيد من اللافتات بجانب كل أثر للزوار بدون مرشد وأشياء أخري كثيرة تتطلب تفكير بعين الزائر فقط. “مفيش ميزانية لحاجات زي كده” قالت لي مرشدتنا النشيطة البشوشة وهي تتحدث عن بعض تطلعاتها من تحسينات وترميمات وغيرها. إذن في ماذا تصرف الميزانية؟ وكيف لا تكون مدينة مثل الأقصر علي قمة قائمة الأولويات؟؟ كثير من الأفكار للتطوير دارت بذهني ونحن نجوب المعابد المختلفة في تلك المدينة التي لم تأخذ حقها مقارنة بما يمكن أن تقدمه لاقتصاد هذا البلد وصورته أمام العالم…فالخلاصة أننا “بنعرف” ولكنها مسألة أولويات.