استضاف “إعلام دوت أورج” الفنان الكبير علي الحجار ، في ندوة أقيمت بمقر الموقع، احتفاءً بالمسيرة الفنية الطويلة، التي زادت عن 40 عامًا، قدّم خلالها عددًا من الأغاني والأعمال الفنية، التي أثرت في وجدان أجيال متعاقبة، ولا تزال. كما احتفل فريق الموقع، بعيد ميلاد “الحجار”، بحضور عدد من أعضاء فرقته الموسيقية وأبرز صناع ألبومه الجديد “ما تاخدي بالك”، وعلى رأسهم الفنان هيثم توفيق، والملحن أحمد حمدي رؤوف والملحنة إسراء ماجد والشاعر سالم الشهباني، فضلا عن حضور الشاعر أحمد شبكة والكاتب والشاعر أشرف توفيق والكاتي محمد توفيق والكاتب حسين عثمان والناقد الموسيقي محمد شميس.
نرشح لك: 5 أدوار لا تنسى لـ علي الحجار
خلال الندوة، غنّى “الحجار” عددًا من أبرز أغانيه، وتوقّف عند محطات بعينها في مسيرته الفنية الممتدة، وعمله مع الكبار “بليغ حمدي، وعمار الشريعي، ومودي الإمام، وصلاح جاهين، وسيد حجاب، وعبد الرحمن الأبنودي، وغيرهم”، كما تحدث عن ألبومه الغنائي الجديد، وتطرق إلى عدد من الموضوعات على الساحة الغنائية والفنية، ورأيه في برامج المسابقات الغنائية، وعن أعماله المقبلة، وحفلاته في “ساقية الصاوي” وغيرها،
وفيما يلي أبرز تصريحاته:
1- الفضل في “نُضج” المطرب يعود إلى “نُضج” الشاعر والملحن، وعلى الرغم من أن المطرب هو من يختار أغانيه، لكن النجاح لا يعود إليه وحده، وعلى المطرب أن يختار الكلمات ويختار الملحن الذي يعرف جيدًا كيف يقدم لحنًا مناسبًا ومميزًا لهذه الكلمات. وأخاف أن أفكّر في أني وحدي سبب النجاح، باعتباري أنا من فعلت كل شيء، لكن الفضل ليس لي وحدي.
2- من بداية مشواري الغنائي وأنا أعمل مع مبدعين كبار، وهذا جزء من رحمة ربنا بيّ، “إنه وقّفلي في طريقي ناس كيار”، وجدت نفسي أتعاون مع بليغ حمدي في أول أغنية، ثم تعاونت مع الشاعر عبد الرحيم منصور، الذي كتب أغاني الشريط الأول، ثم أخبرتني الإذاعية آمال فهمي أن الفنان محمد عبد الوهاب والشاعر صلاح جاهين يريدون التواصل معي، ووجدت نفسي أطلب من”جاهين”، الذي كنت أحلم برباعياته منذ صغري، أن أغني رباعياته، ويبذل جهدًا كبيرًا مع الشيخ سيد مكاوي حتى يوافق، ثم تعاونت مع عمار الشريعي وسيد حجاب في مسلسل “الأيام” بترشيح من يحيى العلمي، وقد كان المسلسل كله نقطة تحول كبيرة، وشهد بدايات نجومية الفنان الكبير أحمد زكي، وأشاد صلاح جاهين بالمسلسل.
3- بعد ذلك قال الأبنودي إنه يتمنى أن يكتب لي، فجمعنا مسلسل “النديم” عام 1982، ثم بعدها مسلسل “أبو العلا البشري”، وقبل ذلك كنت قابلت الشاعر الكبير فؤاد حداد، “اللي زي ما بيقولوا عليه أشعر الشعراء ووالد الشعراء”، في فيلم “المغنواتي”، وهذا الفيلم كنت أحد أسباب سقوطه “لأني مثلت فيه وحش، كنت لسّه بجرّب”، إضافة إلى أنه عُرض بعد تصويره بحوالي 8 سنوات، و”كان نجومه “شكري سرحان، سهير المرشدي، ليلى حمادة بطلوا تمثيل، وكان صلاح منصور توفي”، فالظروف كلها كانت غير جيدة، لكنّي استفدت كثيرًا من خمس أغنيات في الفيلم كتبهم فؤاد حداد، وفي عام 1985 ذهبت إليه أطلب منه “صلينا الفجر فين”. وقابلت محمود درويش وسميح القاسم وغنيت لهما. هذه كلها ظروف “اتحطت في وشي كده، وربنا يسّر لي إني أكون مع الناس دول، وكل واحد فيهم كان بيحب يكتبلي”.
4- تعاونت مع الشاعر عصام عبد الله في ألبوم “في قلب الليل” واعمال أخرى كثيرة، وكان سيد حجاب يقول لي عنه: “ده الوحيد اللي الواحد يعمل حسابه”، ثم تعاونت مع الشعراء جمال بخيت وإبراهيم عبد الفتاح، وأخيرًا تعاونت مع الشاعر سالم الشهباني، وهو شاعر مختلف ومتميز عن بقية أبناء جيله، وله مدرسة خاصة، ربما لم تتضح جميع معالمها للناس بسبب كثرة وتشعّب “الميديا”، وكثرة القنوات التليفزيونية والإذاعية، “ساعة ما طلعنا كانت الإذاعة وقناتين بيقفلوا الساعة 12، فأي حاجة هتتذاع كل الناس هتشوفها، لكن دلوقتي عندك أكثر من ألف قناة، ومحتاج فلوس كتير جدًا عشان تدفع دعاية وإعلانات وبرضه مش هتتشاف لأن عادات المشاهدة تغيرت، والمشاهد مبقاش يكمل أي حاجة للآخر”.
5- الغناء بالنسبة لي ليس مصدرًا للرزق المادي فقط، وإنما هو مصدر “رزق الروح”، ولك أن تتخيل السعادة والحالة التي يعيشها المطرب عندما يغني “أغنية حلوة”، يشعر معها كأن “في رجل على الأرض ورجل تانية طايرة في حتة تانية مش عارفها فين، وللأسف بعض المطربين يتعاملون مع الغناء كأنه “موظف”، وما دام ظروفه المادية مستقرة لن يفكر في الغناء أو تقديم جديد.
6- تعاونت في الألبوم الأخير “ما تاخدي بالك” مع عدد من المبدعين الشباب، كتابةً وتلحينًا، وهذا ليس بجديدٍ عليّ، فلو رجعنا إلى البدايات نجد أني تعاونت مع عمار الشريعي في بداياته، وسيد حجاب في بدايات تقديمه أغاني المسلسلات، وعند إنتاج ألبوم “اعذريني”، وهو أول ألبوم أنتجه بمشاركة صجيقى مصطفى الجوهري، وكانت “اعذريني” من كلمات محمد العوضي، و”كان شاب صغير، زميلي في كلية فنون جميلة”، أيضًا كان معنا أخي أحمد الحجار وهو أصغر مني بسنة و5 شهور، وخليل مصطفى، ملحن أغنية “كان احساسي صحيح” كان طالبًا في كلية تربية موسيقية، وهكذا خلال مسيرتي، فمثلًا أغنية “عنوان بيتنا” في شريط “ما تصدقيش”، كلمات محمد البنا ووقتها كان شابًا، أيضُا عماد الشاروني، كانت أول أعماله “ما تصدقيش” كأغنية لحنها وكألبوم وزعه كله، كان هذا أول عمل في حياته قبل أن يتعاون مع الفنان مدحت صالح وبدأت شهرته.
7- تعاوني مع كبار الملحنين والشعراء مثل سيد حجاب وعمار الشريعي وغيرهم كان في أغاني المسلسلات بشكل كبير، وسيد حجاب فقط هو من تعاون معي في شريط “تجيش نعيش”، ومرة أخرى في أغنية “مكتوبالي” وأغاني أخرى كتبت بشكل منفرد، الخلاصة أنك ستجد أن معظم أعمالي مع الشباب، لأنهم لديهم دائمًا شيئًا جديدًا يقدموه، وفرقتي أغلبها من الشباب، وهذا أضاف لي شيئًا جديدًا وروحًا جديدة ومختلفة، أيضًا بالإضافة إلى وجودي في ساقية الصاوي لمدة 10 سنوات أحرص على تقديم حفلات فيها، وهذا جعلني قريبًا من الشباب.
8- عدد كبير من ألبوماتي وأغانيّ ذات طابع شبابي، فمثلًا ألبوم “في قلب الليل” أغانيه كلها فيها تجديد وعصرنة و”مش هتلاقي خالص حتة الطرب غير مثلًا في أغنية جفنه”، والتي قصدت أن أعيد غناءها لأني أرى أنها أغنية “مودرن جدًا” رغم إنها إنتاج عام 1938، لكنها كانت ذات صياغة موسيقية حديثة وقتها.
9- التصق بي لقب “مطرب المثقفين”، وهذا غير حقيقي، لأني لأ أحب الفكرة المتداولة أن “هذا الفيلم يتشاف في المهرجانات وخلاص لكن ميتشافش في السينما”، أو إني أخاطب فئة معينة وخلاص، فهذا يضرب فكرة وجودك كمطرب على الساحة، وهذا اللقب استمر كثيرون في ترديده فترة طويلة لمدة 10 سنوات وأكثر، بالرغم من أني وقتها كان يحرص الشباب على حضور حفلاتي، وهذه الصفة “طلعت من حد شرير وكملت ومشيت لكنها غير صحيحة”.
10- فكرة أن تقدم أغنية جماهيرية أو إيقاعية وخفيفة لا يتنافى مع أنها لابد أن تكون ملائمة وجيدة من الناحية الفنية، وأن تقدم فنًا محترمًا سواء كانت الأغنية عاطفية أو دينية أو وطنية أو أغنية أطفال، المعادلة ليست صعبة، أن تجمع بين الفن الجيد والجماهيري أيضًا، ونحن للأسف وصلنا إلى أن أصبح عندنا فنون كثيرة “مش محترمة”، وهذا خرق للقاعدة وليس القاعدة نفسها، فقد قدمت أغنية “سمرة وبعيون كحيلة” من كلمات الشاعر الكبير سيد حجاب، هي أغنية إيقاعية “والناس بترقص عليها في الأفراح هي وآدي الزين وآدي الزينة وأغنية عنوان بيتنا زي ما كان”، هي أغاني خفيفة وإيقاعية ورغم ذلك جيدة على المستوى الفني، الفكرة هي “أن تقدم أغنية محترمة وفي نفس الوقت توصل للجمهور”، هذا هو الأساس.
11- تجربتي مع “ساقية الصاوي” بدأت بالصدفة منذ 10 سنوات، كنت وقتها أعمل في مسرحية، وكانت إجازتي يوم الأربعاء، وطلبوني في ساقية الصاوي للغناء في حفلة، فاخترت يوم إجازتي لإقامة الحفل، وحقق الحفل نجاحًا، وتكرر الأمر في الشهر التالي، وتوالت الحفلات، إلى أن أصبح لي حفلة ثابتة يوم الأربعاء، أضيف لها بعد ذلك حفل يوم السبت، وفي البداية كان نوعية الجمهور الذي يأتي ليستمع إلى كان الكبار القريببن من سني مصطحبين معهم أولادهم، الذين كانت أعمارهم وقتها 14 أو 15 سنة، “واللي هم دلوقتي بقى عندهم حاجة وعشرين سنة وبييجوا يسمعوني وبيطلبوا أغنية عارفة اللي هي بقالها 28 سنة، ويطلبوا اغاني تانية حافظينها”.
12- ساقية الصاوي ومثلها من الأماكن، ووسائل التواصل الاجتماعي أفادت جدًا المطرب، ويستطيع أن يُعرّف الجيل الجديد على أغانيه القديمة التي لا يعرفها ذلك الجيل، من خلال مواقع مثل “يوتيوب” و”فيسبوك” وغيرهما، وأنا استفيد من حفلاتي في ساقية الصاوي من خلال شيئين، الأول هو أني أصبحت أمام جمهور واعي وفاهم، جمهور لا نراه في مصر كثيرًا، جمهور يأتي إلى الحفلات يستمع إليك وهو يعلم متى يردد وراء المطرب ومتى يسكت، وإلى جانب إحياء الأغاني القديمة، أيضًا أقدم أغانٍ جديدة، “عشان استمر 10 سنين حفلة شهرية لازم كل شهر أقدم أغنيتين جداد”، وساقية الصاوي أصبحت طقسا مهما في حياتي.
13- عندما يغني المطرب للدراما يجب أن يأخذ في اعتباره أنه يشخّص ويعبر عن مواقف وتجربة شخوص مختلفة لهم ظروف معينة، ولا بد أن يمثل صوته المعنى المراد والمعبر عن الشخصية وسياق الأحداث، وأنا كنت أقرأ سيناريو العمل كاملًا في الأعمال التي شاركت فيها كممثل ومطرب، حتى أعرف دوري جيدًا والأحداث وظروف شخصيات العمل، أما أغاني المسلسلات التي لم أشارك فيها كممثل، كنت أسأل المخرج أو المؤلف ليحكي لي عن قصة العمل قبل أن أغني، حتى أعرف شخصيات العمل وسياق الأحداث، ويجب على المطرب أن يعرف ويفهم لمن يغني من شخصيات العمل وفي أي موقف، و”في مسلسل “الأيام” أحمد زكي كان بيعمل حاجة عجيبة، مكنتش المشاهد اللي مثلها على أغنية نازلة، زي وهو مثلًا بيناقش رسالة الدكتوراه، كل الأغاني اللي هو كان بيمثل فيها صامت والأغنية نازلة، كان لازم نسجّل إحنا الأول والمخرج ينزله الأغنية في السماعات في الاستديو عشان يعرف يمثل، فكمان ده دور المطرب لازم يبقى فاهمه، أن يعرف هو بيغني لأي موقف”.
14- في بداياتي كانت هناك ضغوط عليَّ لتغيير اسم “الحجار”، وتكرر الأمر مع والدي قبل ذلك، وأذكر أني كنت في لقاء مع الإعلامية نجوى إبراهيم وسألتني هذ السؤال، وكان البرنامج وقتها من إعداد الكاتب مفيد فوزي، وجاوبت على السؤال نفس إجابة أبي على رئيس الإذاعة: “قاله ما فيه فريد الأطرش وفيه فاتن حمامة، فالحكاية مش حكاية اسم بقدر ما هو الفن اللي بتقدمه إيه”.
15- أذكر أيضًا أن مفيد فوزي وضعني في “فخ” بسبب أحد الأسئلة التي وضعها الخاصة بالفنان محرم فؤاد، حيث سألتني “إبراهيم” حول أني أقلّد صوت الفنان محرم فؤاد، فقلت لها: “أعوذ بالله، أستاذ محرم فؤاد مطرب عظيم جدًا، بس أنا حريص إني ما أقلدش أي حد خالص”، لكن في مونتاج الحلقة توقفوا عند كلمة “أعوذ بالله” وأذيع بعدها أغنية لـ”فؤاد”، و”كأني أقول على محرم فؤاد أعوذ بالله، ومحرم فؤاد انتظرني على باب المسرح عشان يضربني، وحصلت حاجات عجيبة أخرى، فالرجل مفيد فوزي يعني طيب قوي، آذاني فترة طويلة، واستمر الموضوع أكتر من 6 سنين، ولم يخل أي لقاء صحفي أو تليفزيوني لي من عتاب لي على ما قلت عن محرم فؤاد، فكنت أعيد ذكر الحكاية وتوضيح الأمر”.
16- شاركت المطربة الشعبية جملات شيحة، بأغنية “جبلي”، بألبوم “ماتاخدي بالك”، كما قمت أيضًا بدويتو غنائي مع منير الجزائري في أغنية “مين فينا”، بدأت الحكاية حين سمعت اللحن لأول مرة من خلال أشرف محروس الموزع والملحن، وأخبرني أنه لحن خاص بـمطرب من الجزائر وهو منير الجزائري، وتواصلت مع منير ففرح فرحة شديدة، وعندما عرضت اللحن على أخي أحمد الحجار أبدى إعجابه الشديد باللحن وبصوت منير الجزائري وقال لي إن صوته خامة مختلفة عن صوتي ولو جمعنا عمل غنائي واحد سيخرج بشكل مختلف، أخبرت منير بالفكرة وكان الاتفاق على أن نرسل له الموسيقى عبر الإيميل ليرسل لنا الأغنية بصوته، لكن من شدة حماسه أتى إلى مصر ومكث فيها شهرًا كاملًا على حسابه الخاص، وغنّينا سويًا، وخرجت الأغنية بالشكل الذي شاهدتموه على موقع “يوتيوب”.
17- لا تزال مصر رائدة في الفن والغناء، ولا أتفق مع القول بضياع أو خفوت الريادة المصرية والتأثير المصري، فما زالت الموسيقى المصرية هي السائدة، وكثير من المطربين والمطربات قديمًا مثل فايزة وصباح وغيرهما، وحديثًا مثل كاظم الساهر وأصالة مرورًا بوائل جسّار وصابر الرباعي وحسين الجسمي، جاءوا إلى مصر وأصبحوا نجومًا بسبب أنهم غنّوا فيها ولأهلها، وستجد أنهم يغنون في بلادهم منذ سنوات كثيرة لكن لم يحققوا ما حققوه إلا بغناءهم في مصر، فلا يزال سحر مصر الفني قائم، وبطولة ونجومية المطرب أو الفنان تأتي منها. واللهجة المصرية لم تتراجع، فمثلًا الأغاني التي اشتهرت بها الفنانة إليسا باللهجة المصرية، ونانسي عجرم كذلك، وصابر الرباعي اشتهر بأغانيه المصرية، هذا إضافة إلى تميز فرق العمل المصري من ملحنين وموزعين وشعراء ومهندسي الصوت، و”الخليج ميقدروش يستغنوا عن الموسيقى المصري، والشاعر المصري”، وقال لي كاظم الساهر ذات مرة أنه سافر إلى فرنسا وغنّى قصيدة كاملة بالأوركسترا الفرنسي، ولكن في النهاية جاء إلى مصر وغنّاها بالأوركسترا المصري و”مش هيألف حاجة زي كده عشان يجاملني”.
18- صحيح أننا خلال أكثر من ثلاثين سنة فاتوا أهملنا الفن المصري والفنان المصري، في الوقت الذي قام غيرنا في الخليج بفتح قنوات خصيصًا لمطربيهم وفنانيهم وقدموا لهم دعمًا كبيرًا، لدرجة أن مكاتب إنتاجهم وشركاتهم تسعى أيضًا إلى استغلال الفنان المصري وعمّال الإضاءة والموسيقيين وغيرهم، وهم يفعلون ذلك كله بعبقرية، ولا يمكن أن نلومهم على ذلك، “مفيش مطرب خليجي إلا وراءه شيخ أو أمير بيرعاه ويدعمه/ وهذا شيء مهم جدًا”، زمان كانت الإذاعة المصرية هي التي ترعى المطرب أو الفنان، وكل الأغاني الرائعة التي تربينا عليها من نجاة الصغيرة لعبد الحليم حافظ وغيرهم، كلها إنتاج الإذاعة، باستثناء أغاني الأفلام، وكان قطاع الإنتاج وصوت القاهرة يصدرون المسلسلات المصرية للدول العربية، لكن الآن تجد أن رفض من قبل المسؤولين لشراء مثلًا حقوق عرض بث مباريات كأس العالم، على سبيل المثال، بحجة أن التكلفة مرتفعة، ولو افترضنا ذلك، فالعائد أكبر بكثير، والإعلانات وحدها قادرة على تغطية التكلفة وأكثر.
19- كانا هناك خطة لهبوط الفن المصري، وأُهمل من قبل الحكومات المتعاقبة، حتى أصبح فن الأغنية مرتبط فقط باحتفالات أكتوبر وأعياد سيناء وغيرها من الاحتفالات الوطنية، دون الأخذ في الاعتبار أن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وأيضًا فايزة أحمد وصباح وفريد الأطرش الذين “اعتبرناهم بتوعنا، هم اللي أعطوا حسّ لمصر مش عبد الناصر لوحده”، لابد أن نفهم أن الفن ليس قوة ناعمة فقط وإنما قوة خشنة.
20- قدمت خلال تعاوني مع الشاعر نبيل خلف أغانٍ جيدة، مثل “لو تعرفي، الزين والزينة وهذه أغنية أفراح، وما زالت تُطلب مني حتى الآن”، وغيرها من الأغنيات الرائعة، في أول تعاون بيننا كتب لي حوالي 45 أغنية، اخترنا منهم 14 أغنية للألبوم، وهذه عادتي لا آخذ الكلمات من الشاعر كما هي، ولكن أتناقش مع مؤلف الكلمات ومع الملحن. مشكلة نبيل خلف هي الانطباع الشخصي عنه، اعتقد البعض أن أحدًا يكتب له أغانيه، لكن هذا غير صحيح، فأنا عشت معه وتعاونت معه كثيرًا وهو رجل قارئ نهم ومثقف ثقافة عالية جدًا. وانتهى التعاون بيني وبينه منذ عام 2009، بسبب مسرحية كنت سأتعاون معه فيها، لكن لم أحب موضوعها وهو “زعل مني بسبب ذلك”، المسرحية كانت بطولتي أنا ونور الشريف واعتذر الأخير بسبب انشغاله، فاقترح نبيل خلف أن يشاركني بطولة المسرحية عزت العلايلي أو حسين فهمي، لكني اقترحت عليه محمد منير، فأبدى استغرابه، “وقلت له المسرحية كلها شعر وميوزيكال وحلو جدًا إن الناس تتفرج سوا هو لون وأنا لون وهنكسب جمهور كبير، وهتكون تجربة مختلفة”.
21- عندما عرض نبيل خلف على محمد منير أن يشاركني بطولة المسرحية فـ”بدل ما يقوله عايزينك في مسرحية بطولتك أنت وعلي الحجار، قاله عايزينك في مسرحية أنت البطل وعلي الحجار المساعد بتاعك”، وهو ما أزعجني وأغضبني، لأني أنا من رشحت له منير، وأنا من عرّفت نبيل خلف على الوسط كله، وأنا لم آخذ منه أي مليم واحد في الألبوم الأول “يمامة”، لأنه روج للألبوم بشكل جيد، وعلّق أفيشات في الشوارع، و”أنا عمر ما كان ليا أفيشات من أيام ما بليغ حمدي اكتشفني، فجه نبيل خلف يقولي فلوسك قد إيه قلتله أنا مش عايز”، وكل من حولي من أهلي وأصدقائي استغربوا لذلك، لكني كنت أقول لهم أن “خلف” صرف مبالغ مالية كبيرة على الألبوم وأقسمت ألا آخذ منه جنيهًا واحدًا، وفي الألبوم الثاني “حوا وآدم” كنا شركاء، أنا أنتجت 6 أغاني من فلوسي، وهو أنتج 6 أغاني من فلوسه.
22- أميل دائمًا في اخيار أغنياتي إلى الكلمات التي فيها قيمة وصورة، لأني رسام ومصور في الأساس، ومن أول رباعيات صلاح جاهين والتجربة مختلفة، وعندما ذهبت إليه وطلبت الرباعيات لأغنيها استغرب جدًا، لأن الشريط كان يحوي أغنيتين، والرباعيات كل أغنية فيها مدتها دقيقة تقريبًا، يعني بمعدل السوق وقتها “مش هيبيع يعني مش هيبيع”، وغيرها من التجارب الأخرى التي كانت مختلفة عن السائد وقتها، لكنها فكرة الاختيار، وكما قلت أميل دائمًا إلى الصورة، فمثلًا “في قلب الليل” كلها صورة، وبها معاني كثيرة وتأويلات كثيرة، وأنا شخصيًا قابلت تجربة مثل التي تحدثت عنها الأغنية، وعصام عبد الله مؤلف الأغنية قابل كذلك نفس التجربة ولكن بطريقة مختلفة، ومودي الإمام أيضًا، وتجربتي مع عصام عبد الله تجربة مختلفة، وترددت كثيرًا قبل أن أغنّي “في قلب الليل”، لأنها كانت ستايل غناء مختلف ومودي الإمام لحنها بشكل مختلف، وأذكر أنني وعصام عبد الله ومودي الإمام اقترضنا من عم جاد البواب 500 جنيه، كنّا نحتاجها في إنتاج الشريط.
23- في بعض أغنياتي، كنت أذهب إلى الشاعر ليكتب الكلمات على لحن معدّ مسبقًا، فمثلًا أغنية “الزين والزينة” كانت “تيمة” من الفولكلور الليبي، أخذتها وطلبت من نبيل خلف أن يكتب أغنية على لحنها، وفي أحد المرات أطلعني هيثم توفيق على لحن جيد جدًا، لكن لم تكن الكلمات على مستوى اللحن، وتعرفت على شاعر آخر بدأ يكتب إلى أن وصلنا إلى صيغة مناسبة، وأحيانًا يكون هناك توزيع لأغنية وينفّذ اللحن بناءً عليه، وفي مرة اختلفت مع أحد الملحنين وكانت الأغنية قد وُزّعت، وخرج لحن جديد على التوزيع الموجود، هذا شيء طبيعي وارد حدوثه، لكن المهم هو أن يكون الملحن محترف ويفهم ويعي ذلك جيدًا، لأنها مسألة صعبة وليست بسيطة.
24- أذكر أن “عندما أخذ صوت القاهرة الاغاني لعمل شريط، وضعوا أغنية “الهوئه الموئه الزلموئه”، وهذا أغضبني جدًا، لأنهم كان يجب أن يخبروني، فكنت شايف إن دي حاجة مش كويسة حصلت وسط كتاب كويس، في الدراما جوه ليها مكان لكن إنها تنزل لوحدها، مش حلوة”، وأذكر أن نبيل عصمت كتب مقالين هاجمني وشتمني بسبب هذه الأغنية، وكيف أني “المطرب اللي عامل نفسي مثقف أقول الكلام ده”، لكن واضح أنه لم يشاهد المسلسل، وإنما استمع إلى الشريط فقط.
25- الميزة الوحيدة في برامج المسابقات الغنائية هي أنها جعلت الجمهور العربي يعرف جيدًا كيف يميّز بين الصوت الحلو والصوت “الوحش”، لكن يبقى أن القائمين على هذه الأعمال يكون هدفهم المكسب والعائد المادي والإعلانات من وراء وجود النجوم في لجان التحكيم، لكن بعد ان يفوز شخص ما في المسابقة لا يدعمونه ولا يفعلوا له أي شيء إلا عن طريق الصدفة، أي مخرج ما مثلًا شاهد أحد المتسابقين أو الفائزين ورشحه في عمل وهكذا، لكن منتجي هذه البرامج لا يقدمون للفائز أي شيء.