لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي بكيت فيها لفقد الأحبة.. كثيرا ما تفكرت فيما وراء الموت.. وراء الاختفاء، في من يرحلون، أتحدث معهم وأسألهم وأنتظر الرد في صبر، أشعر بأنفاسهم تملأ الأماكن وبروحهم تفرح وتتألم معنا، لكن الطيبون يرحلون سريعاً، مقولة أصدقها وأراها واضحة في كل جسد يفنى وروح تبقى، الطيبون لا يحتملون العيش في كل هذا البؤس، كل هذا النفاق والتعب، يرحلون لينظروا إلينا في شفقة، ما كل هذا التنافس؟! لو تعلمون أن كل الصراعات تذوب مع سكرات الموت لفكرتم ألف مرة، الموت الذى نحسبه بعيداَ عنا وعن أحبابنا ولا ننتظره، بل نكره ذكره وتذكره، فإذا به يأتي بغتة وفي غفلة ليذكرنا رغما عن أنوفنا بوجوده الخالد إلى أن تقوم الساعة، ينظر إلينا فى ثقة قائلا: “أنا الحقيقة الوحيدة المضمونة في الكون أيها الغافلون”.
نرشح لك: إبراهيم عيسى يناقش مشوار أحمد خالد توفيق
أكتب الآن لأبعث رسالة إلى الإنسان الطيب أحمد خالد توفيق، أعلم علم اليقين أنك لن تقرأ رسالتي، لكنك ربما شعرت بها وشعرت بنا الآن، لا أنعيك يا سيدى ولا أزكيك على الخالق، لكني أشارك جمهورك العظيم فقدهم الأعظم، أتأسف لك عن جهل البعض بكلماتك، لأنهم فقط لا يدركون خلود الكلمات، أتأسف لك عن حماقة البعض حتى وإن كانت عن جهل، أتأسف عن إدخال البعض آراءهم وتوجهاتهم السياسية حتى عند الرحيل، غير مبالين بقدسية ورهبة الموقف، لن أكتب عن أعمالك أو مقولاتك المأثورة فهي باقية بين محبيك، ويا للعجب وكعادة الإنسان لا يحب الحاضر إلا بفقده، لا يتأثر بوجوده كما رحيله، ولا ألومهم فربما كنت مثلهم لم أعلم بحقيقة قدرك إلا بفقدانك، لم أتذكر كلماتك إلا برحيلك. بكى الكثير على فراقك حتى وإن لم يكن من الأقربين إليك، حقيقة الأمر هم لا يعرفون على وجه التحديد لماذا بكوك، ولكنه إحساس الفقد الذى يُولد المرارة
لكن الحقيقة المؤلمة أن الحياة تستمر في دورانها ولا تتوقف بموت أحد، لا شيء يتوقف، لا شيء ثابت، مهما كانت صلة قربك وتعلقك بمن رحل، فاعلم أنك سوف تمارس حياتك الطبيعية يوما ما، اضرب عن الطعام ما شئت، لا بد يوماً ستأكل، اضرب عن الحياة بأكملها، الإضراب لن يستمر، لا شيء يستمر في الكون إلا الدوران والنسيان، ولن تملك إلا أن تحتسب وتصبر على أمل اللقاء.
فلتعلموا أن الموت ليس فناء يا سادة، الموت ليس عدم، ففي الموت حياة لا يدركها الكثيرون، حياة لا نعلم عنها الكثير لكنها وبكل تأكيد موجودة، رحلت بجسدك وبقت كلماتك حاضرة لا ترحل.
لقد وصل القطار إلى محطتك الأخيرة يا أستاذى كما انتظرتها منذ سنوات، فانعم بالراحة إلى جوار ربك ذلك أفضل جداً..