دور الإعلام أن يزيل الملل، لا أن يكون مملًا، في وقت ليس ببعيد انتشرت ظاهرة الروتين داخل جميع المؤسسات… لكن الغريب هو دخول هذا الأسلوب إلى مجالات تعتمد بشكل كبير على الابتكار والابداع المستمر، لدرجة حولت الأداء الإعلامي إلى قوالب جامدة مباشرة، تفتقد إلى أي نوعٍ من الإبداع أو المجهود في طرح المعلومات، أو حتى التنوع في زوايا المناقشات للموضوعات، حتى وصلنا إلى مرحلة قلما نجد فيها مشاهد يتحدث عن نجاح إعلامي أو مؤسسة إعلامية مختلفة، في التناول والتنوع، لكن الجميع يسبح في فلكٍ واحدٍ، وقس على أمثلة الحاضر ما تشاء.
نرشح لك: محمد أبومندور يكتب: آدي الربيع عاد من تاني
ومن هنا نتساءل حول المسئولية المهنية التي تحدث عنها والتر ليبمان في كتابه “الرأي العام”، عندما ذكر مسؤولية وسائل الإعلام في بناء الصور الذهنية لدى الجمهور، وفي كثيرٍ من الأحيان تقدم بيئات زائفة في عقولهم.
كثير منا يرى أنه ليس هناك أي وقتٍ كافٍ لتحقيق معادلة الكم والكيف، فهناك أنواعٌ مختلفة من الحياة الروتينية، واحدة تفرضها علينا الظروف وطبيعة العمل الإعلامي، والسياسة التحريرية لكل مؤسسة إعلامية.
أما الثانية فهي حياة نفرضها نحن على أنفسنا من دون المحاولة للتغيير، فالحياة العملية بحورها واسعة وبها معايير كثيرة تحكمها فكرة العمل على الكم وليس الكيف، وأصبح الإعلامى يعمل بمنطق دور “زكي قدرة” الذي قدمه الفنان عادل أدهم.
ليس ببعيد عن أسلوب الروتين، فهناك نظام الشيفتات، الذي أصبح معياره الوحيد، هو الوقت دون النظر إلى ما يتم إنجازه من محتوى.
بات العمل الإعلامي مع هذه الحالات، مرتبطًا بشكلٍ أو بآخر مع منتجٍ تقليدي، مجرد من أي إبداعٍ مهني، أو أداءٍ صحفي كفء، ربما يكون مقبول أو جيد في بعض الأحيان، وفقًا للسياسة التحريرية، لكنه بلا طائل، حتى تحول فيه الإعلامي إلى “موظف تقليدي”.
في حديثي عن الموظف الإعلامي، لا أشير فقط إلى فئة العاملين بالمهنة فقط، بل أيضًا الضيف الثابت، فالجميع يبحث عن الكم، وهنا نتذكر مقولة ألبرت أينشتاين “العلم أمر رائع جدًا إن مارسه الإنسان بدافع العشق وليس بدافع كسب الرزق”.
للإنصاف، هناك من يحاول أن يكسر هذا النمط، بإدخال جزءٍ من الاجتهاد والتنوع في المحتوى، لكنه يصطدم دائمًا بالوقت، وضرورة إنجاز الكم المطلوب، وهناك آخر يدخل بعض التطوير بشكل تدريجي للبحث عن الاختلاف، وإن حدث هذا فهو بشكلٍ كبيرٍ في مرات قليلة استثنائية.
ليس مطلوبًا من هذا المقال أن نقلل أو نخالف الكم المطلوب إنجازه، لكن على الأقل أن نطفىء نوعًا من الإبداع والتنوع الذي لا يخل بمهنية التناول، فالإعلام من المجالات دائمة التطوير.
ما أقوله ليس إلا طرحًا لجزءٍ من الواقع، ومحاولة الحل ربما تكمن في مفهوم أوسع، يدرك معنى الكيف وليس الكم، ويرتبط بشكل كبير بأخلاقيات المهنة وبالضمير المهني، الذي أراه حليفًا مهمًا في كل مسيرة نجاح، فصناعة وسائل الإعلام يجب أن تحاول استشراف المستقبل، حتى تكون مستعدة للتعامل والتأقلم مع التغييرات الجديدة بشكل محترف ومهني، كذلك كل فرد منا عليه مسئولية الاجتهاد المستند إلى التنوع والابتكار، حتى نتمكن من تغيير النمط السائد القائل: ليس بالإمكان أبدع مما كان.