مع دقات الساعه الثانية ظهرًا من يوم الثامن عشر من فبراير الماضي، بدأت تفاصيل واحدة من أهم الأيام الفارقة في حياتي، تلك الليلة التي وطأت فيها قدماي الضفة الشرقية من قناة السويس في مهمة عمل شاقة محاطة بالمخاطر وإن كنت اعتدت على ذلك في مهنة البحث عن الحقائق والأخبار.
نرشح لك :نصيحة رئيس البرلمان لـ مرتضى منصور
أصوات طلقات الرصاص هي التي تجذب انتباهك ما إن تصل إلى مدينة العريش بشمال سيناء، الأمر الذي يبدو لك في الوهلة الأولى بأن المكان غير آمن لكن مع مرور بضعة دقائق وبالسؤال تعلم جيدا أن ما يسمع من دوي طلقات النيران ما هو إلا “تمشيط” يدل على يقظة خيرة أجناد الأرض.
“مرحبا بكم على أرض الفيرو”، كانت هي الجملة التي اصطحبت الإجابة على سؤالي عن مصدر طلقات النيران، وما إن تخطو خطوة على الأرض المباركة التي امتزجت رمالها بدماء الأجداد والأبطال، إلا وتجد نفسك تستحضر الماضي.. فهي أرض ترويها دماء الشهداء منذ سنوات.
في مقر إقامتنا في ضيافة إحدى كتائب القوات المسلحة بشمال سيناء.. كل شىء بنظام وتعليمات؛ فليس الأمر نزهة أو رحلة، بل معركة تدور رحاها.. الغدر يأتي عبر طلقة قناصة أو حزام ناسف أو جبان متخفي في ستار الليل.. معركة حقيقية الكل بها متأهب.. الكل ملتزم بموقعة.. والخطأ يساوى أرواحا.
في الليلة الأولى طوفان من الأفكار يأخذ النوم بعيدا، فبعد حوارات مقتضبة مع عدد من ضباط القوات المسلحة تحيط بك تساؤلات عدة في محاولة لاستيعاب عقيدة هؤلاء الرجال. لماذا لا تبدو حياتهم مثلنا؟! لا يشغلهم ضجيج القاهرة، لا تفتنهم زينة الحياة.. حياتهم تدور بين فلكي النصر أو الشهادة.
على أرض سيناء كل يملك سلاحا، وسلاح المراسل هو قلمه وعدسته.. جئت بهما لرصد الحقيقة وإن كانت حقيقة الأمر هي ما تعلمته من هؤلاء الأبطال الذين لايعرف الخوف طريقا لهم..