أشرف أبو الخير : من شباك المهنية الضيق .. حاسبوا لمياء حمدين

قرأت على إعلام.أورج قبل قليل مقال الصديق والزميل محمد عبده بدوي “قبل أن تحاسبوا لمياء” .. وبعد قراءتي للمقال أكثر من مرة قررت أن أدلو بدلوي فيما أحدثته صورة “لمياء حمدين” مراسلة (أون تي في) و هي تحمل طفلها أثناء تصويرها لأحد التقارير التلفزيونية.

 
بادئ ذي بدء ، فكلا من الأستاذ محمد عبده بدوي و الأستاذة لمياء حمدين زملاء سابقين لي و بيني و بين كلاهما علاقة تغلفها المودة و يكسوها الاحترام، لذا فإنني أثق في تقبلهما لرأيي الذي لن يكون في صالح الزميلة المجتهدة بحق، لمياء حمدين… والتي أعتذر منها مقدماً بسبب رأيي الذي اقوله من باب إحترامي لها قبل احترامي لمهنة صناعة الأخبار.

 
ركز الأستاذ محمد عبده بدوي في مقالته، على البُعد الإنساني في الصورة الشهيرة، وصوَب طلقات قلمه ناحية قلوب الجميع متهماً صناعة الإعلام المصري بانعدام المهنية، وغياب الضمير الإنساني، مشيرا في الوقت نفسه إلى الأزمات المادية العاصفة بمعظم العاملين في مدينة الإنتاج الإعلامي من تأخير الرواتب والفصل التعسفي وضغط العمل .. الخ.

 
فهل ألوم الأستاذ محمد على رأيه ؟ .. لا، لن افعل .. لكنني أستأذنه كما أستأذنكم في توجيه الأنظار على نقطة أراها مفصلية هنا.. و هي أن “غياب المهنية يتسبب في تردي أوضاعنا الاجتماعية والمهنية … كما تسبب في تجرؤ حمل “لمياء” لطفلها الجميل “يوسف” بيد، و حمل ميكروفون (أون تي في) بيد أخرى و كلاهما لا يرتضيه أي محترف.

 
Capacity building … ابحث في جوجل من فضلك عن هذا المصطلح و الذي يتم ترجمته حرفياً إلى “بناء القدرات” ، ففي إعتقادي الشخصي أن هذا المصطلح يعد مصطلحا مفتاحياً لتعليل رأيي في خطأ لمياء و في أزمة قرائتنا لهذه الصورة.
تقول المراجع أن مصطلح بناء القدرات يعني: التخطيط لتطوير (أوالزيادة) في المعرفة،ومعدلا  لانتاج،والإدارة،والمهارات،والقدرات الأخرى لأي منظمة من خلال الاستحواذ،والحوافز،والتكنولوجيا، أوالتدريب.

 
بما يعني أكاديمياً أن بناء القدرات للأشخاص والمؤسسات هو : منهج للتنمية التي تركز على فهم العقبات التي تعيق الأفراد أو المؤسسات و المنظمات على مختلف أشكالها و فلسفاتها من تحقيق أهدافها الإنمائية في الوقت الذي يوضح فيه بناء القدرات كيفية تعزيز إمكانات من شأنها أن تسمح لهم تحقيق نتائج قابلة للقياس والاستدامة، بناءاً على خطط واضحة لها ابعاد زمنية/ لوجيستية/ مادية صارمة.

 
دعنا من النظريات و الكلمات الأكاديمية المعقدة الآن ولنقم سوياً بتحليل ما قامت به لمياء بشكل موضوعي محايد وبناءاً على بديهيات ثلاث.
– (أون تي في)ككل المؤسسات ترغب في التطور والاستدامة في سوق الإعلام.
– الإعلام بيزنس .. و البيزنس لا قلب له
– غياب المعرفة، والتدريب، والنظم الإدارية الواضحة .. جعل من “لمياء” فريسة لتهكم الناس، جعل منها فريسة لضغوط العمل داخل مؤسسة تعمل بها (وهي ضغوط معتادة في العمل داخل القنوات الإخبارية)، كما جعل من المحطة نفسها فريسة لتصرف غير مسؤول من “لمياء”، قد يؤثر على الكيان ككل.

 
ألا ترى معي أن أي كيان إعلامي ليس له إلا سُمعته بين الناس، تلك السمعة التي تؤثر على طريقة استقبال المشاهد/ العميل/ الزبون لسياسات هذا الكيان؟؟

 
ألا ترى معي أن سمعة الكيان الإعلامي إن اهتزت فإن ذلك يؤثر حتما على ثقة المعلنين (الممول الرئيسي للقنوات الفضائية و الجرائد) ، و تكون سبباً في صرف إنتباههم عن المحطة الفلانية أو الجريدة العلانية ، مما يتسبب فورا في التأثير على التطور الاقتصادي/ المهني للعاملين بتلك الكيانات ؟

 
إذا كنت توافقني على ما سبق، فأعتقد أنك ستوافقني على أن ما فعلته “لمياء”– حتى وإن كانت مضطرة– قد يؤثر على الصورة الذهنية لـ (أون تي في) كمحطة إخبارية جادة، حتى وإن كان هذا التأثير مقصور على الناس اللذين رأوا هذا المشهد رأي العين بدون أن تنتشر الصورة على السوشال ميديا ؟ و كلماتهم حول أون تي في (اللي عاملة فيها قناة جد و هي سايبة المراسلين بتوعها ينزلوا التصوير بعيال صغيرة)، هل سيسكت هذا العدد المحدود من الناس عن التندر بتلك الواقعة (البسيطة) ؟!!.. أشك في هذا.

 
تخيل معي لو أن (أون تي في) كمثال لمؤسسة إعلامية تقوم بانتظام بالتقييم المؤسسي الدقيق المبني على أسس واضحة وصارمة وشفافة -وهي لا تفعل كما لا تفعل معظم المؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية في مصر- للعاملين فيها ، تقييما إجتماعياً و مادياً و مهنياً.. فهل سيكون من المسموح من الأساس بنزول أم/ موظفة لها ظروف وقتية تمنعها من نزول الشارع بدون طفلها؟!!… هل سيكون من المقبول لدى إدارتها أن يساهم تصرف (بسيط) كالذي فعلته لمياء في هز صورتها الذهنية لدى المشاهد/ الزبون/ و المعلن/الممول ؟!! .. أشك في هذا.

 
تخيل معي أن لمياء قامت بفعل مماثل أثناء عملها بمؤسسة إعلامية لبنانية أو إماراتية أو كيان إعلامي دولي.. فهل ستخرج من هذا الموقف سالمة بدون لفت نظر على الأقل ؟؟ .. أشك في هذا.

 
أوافق القائلين على أنها تصرفت تصرفاً مقبولا كأم، كما أوافق على تقبل إدارة المحطة للأمر لأسباب إنسانية وليست مهنية، لكنني أرفض تماماً تحويل لمياء إلى أيقونة للأم العاملة المجتهدة، فهي أخطأت – في رأيي- في حق وظيفتها بالمحطة، وفي حق مهنتها كمراسلة لم تتحمل مسؤوليات عملها، كما أخطأت في حق طفلها بنزولها به إلى الشارع وهي تحمل في يدها شعار لمحطة لها بعض الأعداء في الشارع أو على الأقل يرفض البعض سياساتها التحريرية والإخبارية – كما يعلم الجميع – .

 
في المرة القادمة يا لمياء، اتركي طفلك مع صديقة، ابحثي عن حضانة مسائية.. أو اعتذري عن نزول الأوردر.

 
في المرة القادمة (مستخدماً نفس الفاظ أ/ محمد عبده بدوي)، لا تتشدقوا بالإنسانية وإحترام الأم العاملة لأمومتها، و دعونا كعاملين بالمجال الإعلامي نعترف أن إنسانيتنا المزعومة لا تتناسب مع كوننا نعمل بالقطاع الخاص، وأن إدعاء الإنسانية الزائفة، قد يتسبب في تدمير سمعة مهنتنا فلا نلق جميعاً إلا مصائر بائسة كالتي يعيشها معظمنا الآن.

 
عزيزتي “لمياء حمدين” .. أعتذر بشدة إن أزعجك رأيي فأنت تعلمين كم أعتز بصداقتنا و أحترم زمالتنا.
و لكم المودة بلا حدود

تواصل مع الكاتب عبر فيسبوك من هنا

تواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنا

اقرأ أيضًا:

أشرف أبو الخير : ماسورة الدماء الثقيلة

 أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (11).. الإخوة المراسلون

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (10).. و ما أدراك ما الخارجي

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (9).. والمونتيرون أصناف

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (8).. جناب المونتير

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (7).. الريجيسير V.S العلاقات

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (6).. إنسان الإيربييس

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (5).. من الإيربيس للرئيس

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم.. المقال الرابع: في أهمية الـ Q

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثالث (البديع الفظيع)

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثاني (التايتل)

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الأول (البروضيوصر)

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على الفيس بوك من هنا