محمد حسن الصيفي
دائمًا ما يأتي اسمه مقترنًا بنجيب محفوظ، بل إن نجيب محفوظ يسبقه في كثيرٍ من الأحيان، مقارنة من باب الإكليشيهات القديمة ما بين الطالب المجتهد والآخر البليد، بين من أتم دراسته على أكمل وجه وبين من تركها وانصرف عنها!
نرشح لك: 7 معلومات عن المبادرات العراقية للتصدي للأخبار الزائفة
لاشك وقد عرفت، إنه الأديب الرائع عادل كامل.
لماذا اختفى بعد “مليم الأكبر”؟
لا أجد سببًا يدفعني لتكرار من سبق ووضع المقارنة بين هذا وذاك، فلكلٍ منهما ظروفه وحيثياته ومشواره الذي قضاه بطريقته الخاصة.
لكن السؤال الذي ينهش في العقول لماذا ابتعد عادل كامل بعد رائعتيه “ملك من شعاع” و”مليم الأكبر”؟!
البعض يرجع السبب لأنه كان في زمن السماحة فترك الملعب لنجيب محفوظ بطيب خاطر ليكمل المسيرة من بعده..ولما لا فنجيب صديقه ورفيقه في رحلة الكتابة من البدايات.
كلام صعب أن يتقبله العقل والمنطق، وعديد الأسباب الأُخرى، والتي منها أنه فضّل جمع المال عن حياة الكتابة والأدب وهو أحد أغنى أبناء جيله من الكُتّاب ولديه سيارة في زمن عز فيه امتلاك السيارات على أغلب الناس !
أسلوبه المتفرد
القارئ الجيد لكتابات كامل وبالتحديد “مليم الأكبر” سيكتشف دون شك أن الراجل بداخله ثورة، ثورة جامحة طغت على كل شئ.
“مليم الأكبر” جعلتني أتخيل عادل كامل يقف شامخًا على مسرحه وسط عالم من الموتى يطلق عليهم كل الرصاص الذي يحمله قلمه وبعد أن يتأكد يحمل الفارغ وينزل من فوق المسرح بقرار واحد … لن أعود مجددًا.
“مليم الأكبر” تحمل ثورة على الأدب والحياة الإجتماعية المترهلة، مقدمة مختلفة ومشبعة وتجريد للأدب الكلاسيكي والموروث من كل الحليات والزينات الكاذبة.
الرجل خلال النصف الأول من الرواية يعصف بكل ما هو مزيف، تخيّل أن “مليم الأكبر” التي نُشرت مطلع الأربعينات تكشف الزيف وتُسقط الأقنعة الأدبية المستمرة حتى يومنا هذا فيقول في نصفها الأول الذي يعد دراسة نقدية بالغة الأهمية في الأدب العربي:
“إنهم لا يعيبون عليك أن أسلوبك لم يكن بالسهل الواضح وإنما فهمت أنهم كانوا يريدونه جزلا، متقعرًا، رنانًا، فلقد كان من واجبك أن تستعمل ألفاظًا ضخمة تملأ الفم، وتلفق سجعًا موزونًا يلذ السمع، وتأتي بمفردات غريبة تبهر النفس، حتى يقال إنك كاتب متمكن”
وعن الحياة الأديب في مصر يقول في النصف الثاني من الرواية عن خالد البطل:
“فأعمال الخبز جميعًا أعمال آلية تافهة لاتفيد فكرهُ فائدة ما، ولكنّها قد تضر نماءه الروحي أبلغ الضرر، أما أعمال الفكر فكفيلة بتشريد مُزاوليها وتجويعهم، كما أنها تحيلهم أدنى مرتبة من حيث احترام الناس لهم، فمرتبة الكاتب أو الفنان الفقير في أمة متوسطة الحضارة كمصر، تترجح بين مرتبة سائقي السيارات ومرتبة كتبة المحامين”
جملة ربما تنهي كل الشكوك وتعطيك مفتاح الإجابة السحري لماذا ابتعد عادل كامل وترك المسرح ، إنها الفجوة بين رجل يحلم بتغيير العالم وواقع شديد البُعد عن تحقيق ذلك.
أثره في الأدب والمسرح
عادل كامل المولود بالقاهرة 1916 خريج الحقوق 1936 لم يترك الكتابة بالشكل المُتخيّل لدى الكثيرين، الرجل كتب مسرحيات بعدها مثل “ويك وعنتر” وربما محاولات أُخرى لم تنشر بعد ذلك، إلى أن عادت دار الهلال بعد ما يقارب ثمانية وأربعين عامًا لتنشر له “الحل والربط” لكنها في الواقع لم تكن هي الحل، فبعد غياب نصف قرن عن عالم الرواية لم تكن “الحل” تملك الحل السحري للعودة مرةً أُخرى ولم تُحدث الصدى المطلوب، لقد تغيّرت الخريطة بالكامل ولم يعد عادل يحمل خريطة النجاح “بالكامل”.
نعود للوراء مرةً أُخرى، فهل قدّم كامل كل ما لديه في ثنائية “ملك من شعاع” و”مليم الأكبر”؟
من الوارد أن تقول نعم.
هناك لاعب كرة يقدم مواسم قليلة رائعة في الملاعب ويتراجع، عشرات الفنانين يبرعون في أداء شخصية معينة ويتوهون بعد ذلك أو يختفون وإذا ذكرهم أحد يذكرهم باسم الشخصية وليس بأسمائهم الحقيقية، كل هذا وارد، لكن ربما يأتي الاستغراب الأكبر أن حالة كامل لم تتكرر كثيرًا في مجال الأدب، فمن ذاق طعم النجاح والأسبقية يصبح من الصعب عليه ترك الحلبة بهذا الشكل، بل إن المتعارف عليه أن هناك نقطة مضيئة حين يصل إليها الكاتب لا يعود بعدها إلى ما كان عليه من قبل، مهما تأخرت هذه النقطة أو حتى جاءت مبكرة قبل موعدها المنتظر.
لكنه حدث وترك كامل الأدب واتجه للمحاماة وارتقى فيها وتقدم، وكما تقدم في إحدى مسابقات الأدب في بداياته المتوهجة على الأديب العملاق نجيب محفوظ، سبقه أيضًا في الموت وتوفي قبل الأخير بعام ونصف وذلك في العاشر من يناير عام 2005 تاركًا خلفه أعمال قليلة وأثرٍ كبير.