الليلة الأولى فقط في شمال سيناء هي ما تداهمك فيها مشاعر القلق والتوتر، لكن ما أن تتولى الليالي في مهمتك كمراسل حربي في ضيافة أبطال الجيش المصري بشمال سيناء، حتى ينتابك شعور بالأمان حتى خلال مصاحبتهم إلى مواقع القتال.
تكمن مهمة المراسل الحربي بالأساس في رصد ما يدور على أرض المعارك وعلى أرض سيناء.. عشرات المشاهد التي تلفت الانتباه فتتوقف عندها.. تشكل ملامح قصصا إخبارية أو إنسانية.
الطريق الساحلي الدولي.. ذلك الشريان الذي يربط مدن وقرى شمال سيناء وصولا إلى الشيخ زويد ورفح المصرية.. ثلاثي شكل في أذهان المصريين على مدى الأعوام الماضية خوفا ورعبا؛ كونه بؤرة ومسرحا لعمليات إرهابية متعددة، وإن كان الواقع مغايرا لذلك تماما وما تم بثه من لقطات مصورة للعناصر التكفيرية على مواقع التواصل الاجتماعي هو مجرد فيديوهات تعتمد في المقام الأول على الخداع البصري واجتزاء الصورة لتصدير واقع مغاير للحقيقة.
نرشح لك: أحمد عبد الصمد يكتب: مهمة خاصة (1).. الليلة الأولى بسيناء
مهمة جديدة:
“النهارده.. هنتوجه للشيخ زويد” كلمات مقتضبة.. تحمل وجه يوم جديد برفقه أبطال الجيش المصري.. الكل على أتم استعداد، مهمة تمشيط معتادة لتأمين الطريق الساحلي، المشهد مختلف حقا لما يدور في أذهان معظم المصريين. سيطرة كاملة على الطريق، كمائن ثابتة وأخرى متحركة، مداخل المدن والقرى تبدو طبيعية وحركة المواطنين آمنة، حتى على أعتاب مداخل الشيخ زويد يبدو كل شيء هادئا ومستقرا.
منزل من بعيد بدا في الأفق، صغير تحيط به الأشجار وبجواره شاب ثلاثيني العمر ومن حوله أبنائه يرعون عددا من الأغنام، بل اللفظ الأدق يلهون معهم، مشهد بذاته كفيل بأن يفضح الآلاف من الأكاذيب عن وضع المدنيين في سيناء. اقتربت منه فوجدت منه الترحيب، وبعد كوب من الشاى الدافىء حكى لي عن أرضه وبيته وأغنامه، عن أعوام شداد رفض فيها ترك أرضه فهنا تربي ولن يربي أبناءه بأرض غيرها.
على قدر قوة العملية العسكرية الشاملة التي تدور على أرض سيناء على قدر اهتمام حقيقي وجدته لدى خير أجناد الأرض بأبناء تلك البقعة الغالية، تأمينهم هدف يوازي فى صلابته هدف القضاء على الإرهاب، فلا مجال لعملية عكسرية يمكن أن يضار منها مدني واحد؛ ففي جيش مصر تجتمع صفتان هما القوة والبطش بالعدو الغادر والرفق واللين بأبناء مصر وخاصة أبناء أرض الفيروز. شعور لم أره بعيني فقط بل نقل لي من الأهالي حين شعروا به ولمسوه لسنوات تقدر بعمرهم.
في أسواق العريش أصوات ضجيج البائعين، تنم عن حركة السكان الطبيعية.. محال تجارية ومقاهي.
مشهد مألوف فى كل بقاع مصر، لكن وجوده في العريش مبهج ومريح للانفس، يحطم أي صورة ذهنية مسبقة أو تحاول أبواق مغرضة فرضها أو تصديرها عن حال اهالي سيناء.
وجوه الأهالي تحمل حديثا طويلا تقرؤه الأعين، ملامح صلبة وثابتة، تطل منها نظرات تختلط فيها الطيبة بالجلد، الصبر والانتظار.. أحاديث باحت به العيون قبل الألسنة.. وللحديث بقية.