شاهدت قبل قليل فيلم “The Girl on the train” والذي تحكي قصته عن سيدة مطلقة تذهب كل يوم إلى عملها بالقطار، ومن خلال رحلتها اليومية ذهابًا وإيابًا على مدى فترة ستة أشهر، تمر على بيتها القديم والذي يعيش فيه زوجها السابق مع شريكته. أثناء مرورها بالمنزل بعد منزلها على الطريق إلى وجهتها ذات يوم انتبهت إلى أن هناك زوجين يسكنان في البيت المجاور؛ كانت تشاهد الزوج في مشاهد رومانسية مع زوجته فرسمت لهما حياة مثالية -هذه هي طريقتها في محاولة التأقلم مع فقدان حياتها المثالية- تخيلت ذلك رغم أن حياتهم الحقيقية مليئة بخيانات وعلاقات مشبوهة وزوج مسيطر. حرصت تلك السيدة علي مراقبتهما بصفة مستمرة، إلى أن وجدت نفسها متورطة في قصة غامضة بسبب ما رأته من النافذة، فقد رأت المرأة تقبل رجلًا آخر فاعتقدت أنها تخون زوجها رغم أن هذا الشخص كان طبيبها النفسي الخاص، ولم تكن على علاقة به. تطور الأمر بعدما ذهبت إلى زوجها لتروي له ما رسمه لها خيالها من خيانة زوجته.
نرشح لك: مينا عادل جيد يكتب: محمد صلاح ينهي عصر الفهلوة
تلك القصة جعلتني أربط بين ما فعلته هذه المرأة في رسم قصة من خيالها المريض وبين ما حدث من ردود أفعال على صورة زوجة محمد صلاح، بعدما بنى بعض المرضى حكايات من خيالهم عن “نظرتها”، فقال البعض إن “بوزها مثل بوز السيدة المصرية” وقال البعض الآخر إنها لم تظهر فرحتها لصلاح لأنها زوجة نكدية -على أساس إنها كان لازم أول ما تشوف الكاميرا تهلل وتتراقص. لم يسأل من قام بمشاركة الصورة وهذا التعليق، عن ماذا سيشعر صلاح أو زوجته حينما يروا هذا التعليق؟ لماذا يصر هؤلاء على إيذاء الآخرين وعدم مراعاة مشاعرهم؟، ما المتعة وما الفائدة التي تعود عليهم؟ هل لهذه الدرجة أصبحوا مرضى لشهرة بلا إنجازات؟!
زوجة محمد صلاح، زوجة مصرية متدينة صالحة، وقفت بجوار زوجها وساندته ولولا ذلك لما وصل إلى ما وصل إليه الآن؛ هذا ما يراه الأسوياء في الصورة.
هكذا أصبح مجتمع السوشيال ميديا مجتمعًا متوحشًا ومريضًا، يبني المزيد من الحكايات عن أناس لا يعرفهم، لمجرد أن خيال الشخص يسمح له بذلك أو ربما لمزيد من الشهرة عن طريق الشير والتعليقات.
كثيرون منهم لمجرد أن يشارك شخص بصورته وهو يضحك، أصبح هذا الشخص من وجهة نظرهم يعيش حياة سعيدة، لا يحمل همًا لشيء، يختلقون لهم “حياة حلم” ويبدأوا بتعليقاتهم السخيفة من أن هؤلاء أغنياء فلماذا لا يعيشون سعداء، وكأن السعادة من وجهة نظرهم هي المال. ينسى هؤلاء أن هذا الشخص ربما يشارك بصورته للتخلص من حزن ما يعتريه، أو التفكير في مشكلة ما يمر بها. وحتى إذا شارك أحد الأشخاص بصورة عادية له أو لأحد أفراد عائلته، اتخذوا من هذه الصورة وسيلة للتريقة والاستهزاء وربما تحول الأمر إلى حد الاعتراض على شكله الذي لم يكن له يد فيه -فهذه خلقة الله سبحانه وتعالى- دون مراعاة شعورهم ودون الإحساس بأن هذا التصرف سيؤذيه نفسيًا.
منذ فترة قصيرة شارك الفنان محمد هنيدي جمهوره على الموقع المخصص لعرض الصور “إنستجرام” بصورة ابنته، وإذ بتعليقات قمة “السخف والتخلف والقرف” ولا أعلم ما الذي يشعر به المشارك بتعليقه حينما يضيف تعليقًا سلبيًا؟ هل يشعر بالسعادة مثلاً، إذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يوقن أنه ليس شخصًا طبيعيًا وعليه أن يعرض نفسه على طبيب نفسي.
أصبح التدخل في حياة الآخرين سمة رئيسية لدى مجتمع السوشيال ميديا؛ لم يعد معظمهم يدرك كم أن المظاهر خادعة وأن الشكل وحده ليس مقياسًا للحكم على الآخرين، وأن لكل فرد حياته الخاصة التي لا يجب لأحد أن يخترقها طالما لم يسمح له هو بذلك. لم يعد أحد يتفهم كل هذا بل أصبح من السهل جداً اختراق خصوصيتك وعدم استئذانك في نشر صورك حتى وإن أصبحت صورتك أو سيرتك الشخصية وسيلة لمزحهم أو استهجانهم طالما سيمنحهم ذلك مزيدًا من النشوة والشهرة المزيفة. وللأسف لا ينجو من هذا المرض إلا القلة القليلة التي تحتفظ ببعض الضمير وترفض رفضًا تامًا الدخول في تلك الدائرة المرضية.