محمد الريس يكتب: مراسل بدرجة سائح.. زيارة لمدينة فوة التاريخية

زرت محافظة كفر الشيخ مرات عدة وفي كل مرة كنت اتعجب من بعض مسميات قراها ومدنها وكان أكثرها تسببا في تعجبي مدينة فوة صاحبة الاسم صعب النطق.

المدينة تطل علي فرع رشيد في نهر النيل وكل مافيها يؤهلها لتصبح مدينة كبيرة لما لها من تاريخ في التجارة والزراعة والصناعة وحتي بكورنيشها البسيط الذي يعتبر متنزه رئيسي لشباب المدينة. فوة لها تاريخ يمتد للعصور الفرعونية ثم الإسلامية المختلفة وبقيت عمارة بيوتها البسيطة ومساجدها شاهدة علي ماعاصرته هذه المدينة من ثقافات متنوعة.

نرشح لك: محمد الريس يكتب: مراسل بدرجة سائح.. مدينة شلاتين الحدودية

الشوارع بعضها ضيق أشبه بالممرات والبعض أوسع قليلا تكسرت طبقات الأسفلت في معظمها فيتطاير التراب فوق المنازل والمارة مع مرور أي سيارة مؤثرا علي لون كل بيت قديم وشكله مضفيًا عليه شكلًا أكثر قدمًا، البيوت القديمة لها طابع مميز فتري بعضها واقفًا في مكانه منذ سنوات تقارب المئة أو تزيد وبعضها الآخر أكثر من ٢٠٠ عام حسب روايات أهل المدينة وللبيوت أبواب خشبية تكسوها زخارف منحوتة من الخشب ذات طابع إسلامي جذاب، والصامد منها تري أسقفه الخشبية تحمل طابقًا أو طابقين بشرفات بارزة تحملها ألواح خشبية عريضة غير لونها الزمن وتركت الرطوبة فيها شقوقًا عميقة .

مدينة المساجد هو اللقب الذي أطلق علي مدينة فوة لكثرة المساجد الآثرية المتواجدة فيها والتي كان يحكي الاهالي أنها كانت تعتبر مآذنها منارات للسفن التي يميز أصحابها المدينة والحيز الذي يبحرون فيه في النيل من خلال هذه المآذن حينما كانت المدينة القديمة وجهة للتجارة وملتقى للتجار الآتيين من كل مكان .

دخلت أحد هذه المساجد الآثرية وهو مسجد أبو المكارم، المسجد يطل علي النيل وخلفه حديقة صغيرة تابعة له وجدت فيه مجموعة من كبار السن يجلسون بين أعمدته الرخامية يقرأون القرأن بين صلاتي الظهر والعصر وله سقف خشبي مطلي باللون البني الداكن ويتوسط المسجد مقام الشيخ أبو المكارم محاط بألواح خشبية مزخرفة والغريب في المسجد أن فيه محرابين لا محراب واحد وملحقة به مكتبة قديمة في غرفتين واسعتين ملحقتين بالمسجد .

نرشح لك: محمد الريس يكتب: مراسل بدرجة سائح.. أسوان الأرض الطيبة

في مواجهة المسجد يوجد مبني يسمي بربع الخطابية عرفت من المتواجدين هناك أنه من الآاثار الاسلامية الموجودة في المدينة وأنه كان يستخدم لمبيت التجار الوافدين وبه أماكن أشبه بالمحلات لعرض بضائع التجار وأماكن آخري لتخزينها وأماكن لمبيت دوابهم، المبني مكون من دور أرضي ودوريين علويين وله واجهة مزخرفة جميلة لها شبابيك خشبية مزخرفة تشبه المشربيات القديمة وفيه غرف واسعة لإقامة التجار وخلف هذا المبني تقع الوكالة التجارية المسماة بوكالة ماجور التي كان وجودها ضروري لعمليات التبادل التجاري في المدينة وقيل لي أنها ثاني وكالة قديمة موجودة حتي الآن في الوجه البحري بعد وكالة السلطان الغوري في مدينة المحلة .

المدينة كانت مدينة صناعية في القرن ال ١٩ وكانت مقر لصناعة الكليم والسجاد اليدوي ووفقا لروايات الاهالي عمل معظم سكان المدينة في هذه الصناعة في فترات ازدهارها لكن النسبة قلت بشكل كبير في الأونة الآخيرة وتناقصت أعداد العاملين المهرة أو حتي الساعين لتعلم المهنة والعمل فيها نظرا لقلة الدخل العائد منها لكنها لم تندثر ومازال قليل من كبار السن يعملون فيها .

تخليل الفسيخ وتجارته واحدة من الصناعات المهمة التي ازدهرت في مدينة فوة منذ اكثر من ١٠٠ سنة وبدا الكثيرون يقبلون علي العمل فيها حتي ان بعضهم اصبح علامة لتجارة الفسيخ في المدينة وعرفت في زيارة ان هناك عائلة بعينها تعمل في المهنة منذ ١٥١ عام بالتمام والكمال وعند الذهاب اليهم وجدت وافدين من محافظات مختلفة ياتون منذ الصباح الباكر لشراء الفسيخ من هذه المدينة طوال العام و تكثر فيها حركة التجارة والبيع بالاخص قبيل شم النسيم ، وقد دفعني احد اصحاب هذه المحلات لتذوق الفسيخ الذي ينتجونه وكانت مرتي الأولي عموما فأدهشني الطعم والجودة ودفعني لاتخاذ قرار بالشراء منهم حتي وان لم اكن معتاد علي الطعم .

نرشح لك: 15 تصريحا للمراسل “محمد الريس” أبرزها عن الفرق بين “الفضولي” و”المتطفل”

أهل المدينة من النوع الودود الذي يالف الغرباء بسرعة فتجد منهم كل الود والتعاون الذي يساعدك علي تنفيذ مهامك بشكل اسرع ودون تدخلات كثيرة من فضوليين او متطفلين ، اضافة الي روح الكرم التي يغمرك الاهالي بها حال الوصول الي اي مكان مابين دعوات لشرب الشاي او الغداء او غيره مما لايسمح وقت العمل به دائما .

في الزيارات المختلفة للمدينة اعجبتني مقوماتها المتعددة التي قد لا تتواجد إلا في عواصم محافظات أخري وهو مايتيح لها فرص اكبر للازدهار حال الاهتمام بها وببنيتها التحتية وزيادة المتنزهات فيها .