إيمان مندور
توفي اليوم الثلاثاء الموافق 25 فبراير 2020، الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عن عمر يناهز الـ 92 عاما.
يعيد “إعلام دوت كوم” نشر هذا الموضوع عن القصة الكاملة لوفاة حفيد مبارك وعلاقتها بالثورة
في الثامن عشر من شهر مايو لعام 2009، قطع التليفزيون المصري الإرسال ليعلن نبأ وفاة الطفل محمد علاء مبارك صاحب الإثني عشر عامًا، الحفيد الأكبر لرئيس الجمهورية آنذاك محمد حسني مبارك، لتلغي بعدها جميع القنوات التابعة للتليفزيون الرسمي المصري برامجها المعتادة، وكذلك القنوات الخاصة، وتبدأ في إذاعة أغاني دينية وأدعية وآيات من القرآن الكريم حدادًا على روح الفقيد.
حالة كبيرة من الحزن عمّت أنحاء البلاد، وشرع المسؤولون في تقديم واجب العزاء معربين عن حزنهم للمُصاب الذي حلّ بأسرة الرئيس، فأرسل كبار رجال الدولة والمسؤولون باختلاف درجاتهم الوظيفية، بدءًا من رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشورى والوزراء والمحافظين ومن تحتهم من موظفين، برقيات عزاء للرئيس، كما وقف العديد من العاملين في قطاعات الدولة “دقيقة حداد” على روح الفقيد، سواء في المدارس أو الجامعات والمؤسسات الأخرى.
انهيار الأب والجد
الأب كان منهارًا في الجنازة، فصوّرته كاميرات التليفزيون باكيًا أثناء الصلاة على نجله وتشييعه. وأما ما لم تلتقطه عدسات الكاميرا فرواه الكاتب محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير جريدة “الجمهورية” الأسبق في حوار له بمجلة “الشباب”، موضحًا أنه عندما دخل علاء بصحبة شقيقه جمال ورفع النعش من مسجد آل رشدان “سقط على الأرض مغشيًا عليه وشهق شهقة تقترب من شهقة الموت، وكاد أن يلقى ربه من الحزن”.
الجد كان الأكثر تأثرًا بما حدث، فعقب الوفاة اعتكف مبارك في منزله لفترة ولم يقابل أحدًا، ولم يشهد صلاة الجنازة على حفيده ولم يُشيّع جثمانه، وشَهِدَ من كانوا يتواجدون في القصر وقتها أنه بكى بكاءً شديدًا وعاش حالة نفسية سيئة للغاية، فقد كان معلومًا للجميع أن الرئيس شديد التعلق بحفيده الأكبر، لذا كان يحرص على اصطحابه معه في العديد من المناسبات الاجتماعية والرياضية، ويظهر معه في عدة صور أسرية، بل ويكسر البروتوكولات الرسمية بسببه، وهو ما ظهر خلال حمله للطفل أحيانًا، وجلوسه بجواره في أكثر من مناسبة.
مشهد الوفاة
التعلق بالطفل لم يكن السبب الوحيد لهذه الحالة الجارفة من الحزن لدى الرئيس الأسبق، بل درامية مشهد الوفاة كانت صاحبة النصيب الأكبر، فالحفيد مات بين يدي جده، وهو ما كشفه رجال مبارك عقب خروجه من الحكم، فروى كثيرون منهم تفاصيل “اليوم الأسود” الذي شهده القصر _على حد قولهم_ بسبب محمد علاء.
بداية الإعلان عن ما حدث تعود لبيان الوفاة الذي أصدرته رئاسة الجمهورية صباح الثلاثاء 19 مايو 2009، أعلنت فيه أن الوفاة وقعت مساء الاثنين 18 مايو بسبب أزمة صحية استمرت لمدة يومين، ولم يوضح البيان طبيعة الأزمة الصحية. لكن عقب خروج مبارك من الحكم، تم التطرق لروايات الشهود من رجال الدولة وقتها عن الأسباب الحقيقية للوفاة وكواليس ما حدث داخل القصر.
نرشح لك: قصة صور مبارك “الخاصة” التي أحرقت قبل الثورة
رجل الأعمال حسين سالم كشف في حوار تليفزيوني أن الطفل كان جالسًا بين يدي جده يتحدث معه، وبعدها طلب “قرص أسبرين” لأنه يشعر بصداع، وقبل أن يأتيه ما طلبه من دواء، أصابه نزيف حاد في المخ حتى سال الدم من أنفه وتوفي في الحال، ورغم محاولات إسعافه في مصر إلا أنه وصل المستشفى في باريس ميتًا أصلًا، فالفيروس النادر الذي أصابه يُهاجم المخ في ثوانٍ وإن لم يتم علاجه في الحال يؤدي للوفاة، مشيرًا أن وفاة حفيد مبارك بالإضافة الي العملية التي أجراها في العمود الفقري في عام 2004 أثّرا كثيرًا علي صحته بعد ذلك.
أما محمد علي إبراهيم رئيس تحرير جريدة “الجمهورية” الأسبق، قال إن الطفل مات بطريقة طبيعية ولم يسقط من على الحصان ولم يكن مريضًا كما أُشيع، وإنما أصيب بفيروس نادر جدًا في المخ يصيب واحدًا من كل مليون شخص، وهذا قدر، ولم يكن مريضًا، بل “مات في ثانية” بينما كان يلعب.
التفاصيل الأدق أوردها فريد الديب محامي الرئيس الأسبق، لافتًا إلى أن مبارك قصّ عليه باكيًا ما حدث في ذلك اليوم قائلاً: “كان معايا في المكتب وقلتله روح يا محمد عشان وراك مدرسة الصبح، ونص ساعة لقيتهم بيندهوا عليا، وبيقولوا محمد مبيردش وفي حاجات بيضة بتخرج من بقه وفيه نزيف دم، ثم حدثت الوفاة”. وأكّد “الديب” أن مبارك كلما تذكر حفيده يبكي ويقول: “كان بين إيدي”، مضيفًا: “بكاء مبارك على حفيده لا يزال مستمرًا حتى الآن، وفي كل مرة تيجي فيها سيرة محمد يبكي بكاءً شديدًا ومبعرفش أسكته”.
انعزال وأزمة نفسية
مبارك فضَّل العزلة التامة في الأيام التالية للوفاة، وكان يكره أن يراه أحد من العائلة في هذه الحالة، لكن الإجماع منعقد من رجاله في ذلك الوقت على أنه بعد وفاة الحفيد الأكبر أصابته أزمة نفسية شديدة، ترتب عليها انخفاض حاد في مناعته فهاجمه مرض السرطان، وتم التأكد من ذلك من خلال بعض التحاليل حتى تم إقرار السفر لألمانيا، إلا أنه تم التكتم على الأمر ولم يُنشر وقتها في الإعلام، ثم سافر بالفعل وأجرى عمليات استئصال للورم وكانت خطيرة للغاية، نظرًا لحالته الصحية.
تأثير الوفاة
إنسانيًا، وفاة الطفل وبهذه الطريقة أمر مؤثر للغاية، إلا أنه قدر لا مفر منه لكل البشر، فلا يوجد إنسان لم يفجعه الموت على قريب أو حبيب أو حتى صديق. لكن بالعودة لسياسة الدولة والحُكم فإن وفاة الحفيد كان لها أثرًا بالغًا على الرئيس، وتبعات قوية في حُكمه لمصر بعد تلك الأزمة. فمثلًا الفريق أحمد حسام خير الله وكيل أول جهاز المخابرات المصرية الأسبق، قال إنه بعد وفاة محمد علاء تنحى مبارك جانبًا عن الحكم، وكان نجله “جمال” الحاكم الفعلي للبلاد، وتصرفاته كلها كانت تدل على ذلك، فماذا يعني تعنيفه لبعض الوزراء، وتوقيعه على “بوسطة الرئاسة” أو ما يطلقون عليها المُكاتبات الخاصة برئاسة الجمهورية، بدلًا من أبيه؟!
أيضًا تردد أن مبارك كلَّف جميع أجهزة الدولة بالتحقيق سرًا في أسباب الوفاة، لأنه أُشيع من البعض بأنها عملية اغتيال دقيقة، إلا أن التحقيقات أثبتت أن الوفاة كانت طبيعية بسبب الفيروس النادر الذي هاجم الطفل، لكن رغم ذلك لم ينف أو يثبت هذه الواقعة أحد المسؤولين الكبار إبّان عهده.
أما رئيس جريدة “الجمهورية” الأسبق فيقول إن الرئيس الأسبق ظلَّ “تائهًا” وحزينًا لدرجة لا يتصورها أحد لمدة 6 أشهر، موضحًا أنه خلال تلك الفترة كانت هناك أحاديث عن مصالحة بين مبارك والرئيس السوري بشار الأسد، وعندما سأل مبارك حول حقيقة ذهابه لقبول المصالحة أجاب قائلاً: “أنا مش هروح عشان ما عزانيش في حفيدي”.
أسباب التعلق
تعلق مبارك الشديد بحفيديه فسّره البعض بأنه كان يحلم بأن يفعل مع “محمد وعمر” ما لم يستطع أن يفعله مع نجليه “جمال وعلاء” وأن يكون قريبًا منهما في صباهم، لأن الحياة العسكرية والحرب لم تجعلاه يعيش طفولة نجليه كما يجب، فبدا وكأنه يريد تعويض ذلك مع الحفيدين. الدكتور مصطفى الفقي المفكر السياسي يقول إن سوزان مبارك ربّت نجليها بمفردها نظرًا لانشغال مبارك الشديد بوظيفته العسكرية، وهذا هو سبب تعلقه الزائد بحفيديه لأنه لم ير ولديه في هذه السن.
كما أن أتباع مبارك “الآسفون على رحيله” يكررون دومًا أن “قبر محمد علاء” من أهم الأسباب التي جعلت الرئيس الأسبق وأسرته بالكامل يرفضون السفر أو الهروب من مصر بعد الثورة، مشيدين كذلك بارتداء مبارك المستمر لـ”كرافتات سوداء” منذ وفاة حفيده وحتى تنحيه عن الحكم، حدادًا وحزنًا عليه.
لكن في النهاية ورغم ما في قصة وفاة الطفل من أحداث مؤثرة، شأنها شأن كل حادثة مشابهة نأسف لها، إلا أنه من الواضح أن الحزن العميق الذي أصاب الرئيس الأسبق بسبب حفيده يُعتبر المؤشر الأبرز الذي لاحظ بعده جميع من حوله بأن هناك تغيُّرًا في حُكمه، وفي ظروفه الصحية، فكان الاعتماد على نجله “جمال” في كثير من الأمور، وكذلك كبار رجاله العاملين في الدولة، وهو ما زاد من الغضب الشعبي ضده بلا شك.