محمد حمدي سلطان
ما يقدمه محمد صلاح مع ليفربول من أداء مذهل، في موسم هو بكل المقاييس استثنائى في مسيرته الكروية حتى الآن، جعل عشاقه ومحبيه يصلون بنجمهم المحبوب إلى عنان السماء، فمنذ شهور قليلة كان البعض يشكك في كون صلاح هو الأفضل في أفريقيا، الآن تم تجاوز هذه المسألة ووصلنا إلى درجة أبعد بكثير جدًا، فصلاح الآن هو لاعب العام بانجلترا، واسمه أصبح يأتى في كثير من الجمل المفيدة بجوار الأسطورتين ميسى ورونالدو. البعض يستنكر، ويغلق الموضوع من بابه، رافضًا لفكرة المقارنة من الأساس، البعض الآخر يرى أن محمد صلاح بأدائه الحالى، وما يحققه من أرقام قياسية، أصبح يصنف من ضمن “صفوة” لاعبى العالم، ولا يقل في شىء عن ميسي ورونالدو، وهناك من يزايد، ويرى أن صلاح لم يصل فقط لمستوى الثنائى الخارق، بل تجاوزهما، وحاليًا هو الأفضل في العالم. ومع كل الإحترام لهذه الآراء – فمن حق كل إنسان أن يعتقد ما يشاء – سنحاول أن نعرض المسألة من مختلف جوانبها. بموضوعية، ودون تحيز، آملين ألا نقع في فخ المبالغة، وألا يجرفنا تيار العاطفة، فربما نصل في النهاية لرأى مختلف عن كل هذه الآراء السابقة.
نرشح لك – محمد صلاح يفوز بجائزة اتحاد كتاب كرة القدم
1- المقارنة تجوز
المقارنة بين لاعب وآخر، لا تعنى أننا نضعهم على قدم المساواة، بل الغرض الأساسى منها هو العكس تماما، وهو ان نعرف بماذا يمتاز أحدهما عن الآخر، لذلك فرفض المقارنة ما بين صلاح وميسي أو رونالدو، كفكرة من الأساس، أراه نوع من الاستعلاء الغير مبرر، فما دمنا في النهاية، نقارن ما بين أشخاص، يمارسون نفس المهنة، فلا يوجد أى داعى للرفض، والاستغراب، فميسي لاعب كرة، يمتلك قدمين ورأسًا، ولا يزيد ” نظريًا ” في أى شىء عن أى لاعب آخر، وليس صلاح فقط، فالمقارنة تصلح وتجوز من حيث المبدأ، بين أى لاعب كرة وآخر، حتى ولو كنا سنقارن بين ميسي وسامح العيدروس، مع كل الاحترام للأخير بالطبع.
2- العاطفة والمنطق
في عالم كرة القدم 1 + 1 لا تساوى 2 على الدوام. رغم توغل المادة في السنوات الأخيرة، وتحول الكرة إلى صناعة كبرى، والمحاولات الحثيثة لفرض ” المنطق ” التجارى والمادى على اللعبة التى تفقد يومًا بعد يوم، الكثير من سحرها وعفويتها، إلا أنها لا زالت تعاند، وظنى أنها ستنجح على الأقل فى الإبقاء على جوهرها، المتمثل في كونها لعبة عاطفية بالدرجة الأولى. فهى تقوم على مبدأ الصراع، والصراع هو جوهر الدراما، والدراما لا ترفض المنطق، لكنها لا تقبل به وحده، فالكرة – أو الدراما – عالم رحب، يتسع لكل الأشياء ونقيضها، ستجد المنطق، واللا منطق، والمفاجآت، والتحولات، اللحظة التى ينقلب فيها كل شىء. أهداف تأتى عكس سير اللعب، وأهداف تأتى مثلما تتوقعها تمامًا. فهذه اللعبة التى تهدف إلى المتعة، سواءً لمن يمارسها، أو لمن يشاهدها، تغازل لدى الإنسان، غريزة أساسية، وهى غريزة الانتماء. وهنا أيضًا ستنتصر العاطفة على المنطق، فالانتماء إلى وطن، أو جماعة، أو أسرة، أو إلى فريق كرة قدم، أمر يتعلق بالقلب، وتحكمه المشاعر، لأن العقل غالبًا ما يفشل في تفسير أسبابه. ما الذى يجعل مواطنًا أسبانيًا ما، لديه في بلاده أكبر ناديين في العالم، فيتركهم ليشجع ريال بيتيس على سبيل المثال ؟ ببساطة لأنه نادى مدينته، التى ينتمى إليها بحكم العاطفة، فلو كان الاختيار للعقل، لانقسمت أسبانيا كلها ما بين ريال مدريد وبرشلونة فقط، وما وجدنا مشجعًا واحدًا لأى نادٍ آخر. هذا الشخص يعي جيدًا – بحكم المنطق – أن ريال مدريد وبرشلونة أهم وأكبر بكثير من فريقه، لكنه يؤمن تمامًا في نفس الوقت – بحكم العاطفة – أن فريقه هو أعظم نادٍ في العالم، بالنسبة له على الأقل. بنفس هذا المنطق، أو للدقه، بنفس هذا اللا منطق، من الطبيعى أن نرى البعض يؤمن تمامًا بأن صلاح أفضل من ميسي وكريستيانو. لكن هل هذا الكلام يعنى أن محمد صلاح لا يمتلك أي حظوظ واقعية، أو فرص منطقية، للتفوق على هذا الثنائى بعيدًا عن العاطفة ؟
3- العالم ما قبل ميسي ورونالدو
كانت كرة القدم قبلهما شىء، وبعد ظهورهما أصبحت شيئًا آخر، ولا أعرف كيف ستصبح بعد اعتزالهما، واختفائهما عن المشهد الكروى، بالتأكيد سيتركان فراغًا كبيرًا، سيبقى أثره ممتدًا، لعدد غير قليل من السنوات، فتأثير ثنائية ميسي ورونالدو على اللعبة، وصل لدرجة ربما تكون غير مسبوقة. قبل ميسي ورونالدو لم يكن هناك هذا الهوس بالأرقام والإحصائيات، لم نكن نشاهد أرقامًا قياسية يتم كسرها بشكل شبه يومى. لم تكن صناعة الأهداف بنفس هذه الأهمية الحالية، وأقصد الأهمية الرقمية، فالآن يحتسب لكل لاعب، عدد الأهداف التى صنعها بجوار التى سجلها، وهو ما لم يكن يحدث في الماضى. لم نرَ قبل ميسي ورونالدو لاعبين فقط يحتكران جائزة ” الكرة الذهبية ” لأفضل لاعب في العالم، لعشرة أعوام متتالية، بالتساوى بينهما. كانت هناك حدود، وسقف للقدرات البشرية في ملاعب الكرة، وجاء هذا الثنائى، كطفرة تاريخية، تجاوزت هذه الحدود إلى مستوًا أبعد من المألوف قبلهما. لذلك فأى لاعب كرة، سيأتى بعدهما، ليقترب مما حققاه من إنجازات، أو يتجاوزها، فهو يدين لهما بالفضل، لأنهما أول من طرقا هذا الباب الذى بالتأكيد، سيدخل منه خلفهما، العديد من اللاعبين، وربما يكون صلاح أحدهما.
4- قواعد اللعبة
لا خلاف على قيمة الموهبة الفريدة، والمهارات الخاصة، التى يمتلكها الثنائى ميسي ورونالدو، لكن بنظرة واقعية، فسطوتهما الكروية، لم تأتِ من هذه المنطقة فقط، فالإحصائيات الآن أصبحت هى التى تتحدث، والأرقام القياسية لها القول الفصل، كل ما يحدث على أرض الملعب يتحول إلى أرقام. هذه هى قواعد اللعبة التى وضعها ميسي ورونالدو بنفسيهما، وفرضاها على الجميع، وأن تفرض شروطك، لا يعنى أن تضمن، ألا يأتى من يتفوق عليك، بنفس هذه الشروط، فالكرة ” دوارة ” كما نعلم، والحياة لا تدوم لأحد. الأهم أن تبقى قواعد اللعبة كما هى، عندما لا تأتى في صالحك. فإذا جاء لاعب ما – وليس شرطًا أن يكون صلاح بالتحديد – وتفوق على ميسي ورونالدو، بتحقيقه للقب القارى الأهم ” دورى الأبطال ” ولقب فردى كبير ” الحذاء الذهبى ” كهداف للدوريات الأوروبية الكبرى، مع كسره للعديد من الأرقام القياسية، فما الذى يمنع أن يفوز بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم ؟ أم أن ميسي ورونالدو احتكراها للأبد، ويجب أن يحصل عليها أحدهما، بحكم العادة، وبحكم أشياء أخرى لا علاقة لها بما يحدث على أرض الملعب، ولا داعى لذكرها.
5- كيف يتفوق محمد صلاح
ليتفوق محمد صلاح على ميسي ورونالدو، في سباق الأفضل في عام 2018، يحتاج إلى نزع هيمنتهما الواضحة على الألقاب الفردية والجماعية. صلاح الآن في وضع مبشر للغاية، فمن حيث الأرقام القياسية، فقد كسر العديد منها مع ليفربول، وآخرها وصوله للهدف رقم 31 فى الدورى الإنجليزى، ليتساوى مع رونالدو ولويس سواريز، وما زال يتبقى لصلاح مباراتان قبل انتهاء المسابقة، وفي حال نجاحه في تسجيل 4 أهداف، سيكسر رقم ألان شيرر ” أكثر من سجل فى تاريخ البريميرليج بـ 34 هدفًا “. أما عن الألقاب الفردية فهو أفضل لاعب في أفريقيا لعام 2017، ومنذ أيام توج بجائزة لاعب العام في إنجلترا لهذا الموسم، وهو يقترب من حسم لقب هداف ” البريميرليج ” وقد يصبح هدافًا للدوريات الأوروبية الكبرى، ليسجل تفوقًا مباشرًا على ميسي ورونالدو. كل هذه الإنجازات سيتضاعف تأثيرها، حال نجح صلاح في قيادة ليفربول للفوز بدورى أبطال أوروبا. فكل ما تحقق – أو في طريقه للتحقق – شىء وفوزه بدورى الأبطال شىء آخر تمامًا. صلاح الآن على بعد خطوتين من لقب دورى الأبطال، ولو فاز به، سيصبح دون شك، متفوقًا على ميسي ورونالدو في عام 2018. فرونالدو وقتها سيكون خرج من مولد الألقاب ” بلا حمص ” وخسر كل شىء، وميسي حقق ثنائية الدورى والكأس في أسبانيا، لكنه خرج أوروبيًا بشكل مهين على يد روما.
6- لا تتفاءلوا كثيرًا
يتبقى بعد ذلك كأس العالم، وجرت العادة في السنوات الأخيرة على تجاهل لاعبى المنتخب المتوج بالمونديال، عندما يتعلق الأمر بجائزة ” الكرة الذهبية ” ففى عام 2010 توجت أسبانيا باللقب، وتجاهلوا لاعبًا مثل إنيستا، وأعطوا الجائزة لميسي، وفي عام 2014 فازت ألمانيا، فتجاهلوا لاعبيها، ومنحوها لرونالدو. وهو ما يثبت بشكل قاطع أن اللقب المونديالي، أصبح يأتى في مرتبة ثانية من حيث الأهمية بعد لقب دورى الأبطال، في ما يخص ترجيح كفة لاعب على آخر، في سباق ” الكرة الذهبية ” ونتمنى أن تستمر هذه القاعدة، عندما يتعلق الأمر بلاعب غير ميسي ورونالدو. لكن ما يجعلنا لا نتفاءل كثيرًا هو أن ميسي ورونالدو خسرا لقب دورى الأبطال، في بعض الأعوام، ورغم ذلك أعطوهما الكرة الذهبية، وهو أمر غير مفهوم، ولكن من الوارد جدًا ان يتكرر مرة أخرى.
7- المسافة لا زالت بعيدة
بإمكان صلاح أن يتفوق على ميسي ورونالدو، في مباراة، أو بطولة، أو في تحقيقه لرقم قياسى، أو لقب فردى. ومن الوارد جدًا، أن يأتى التفوق على مدار موسم كامل، يكون صلاح فيه الأكثر فاعلية، وتأثيرًا، مثلما يحدث الآن بنسبة كبيرة. بينما إذا جاءت المقارنة بينهم، على إجمالى العطاء، والمسيرة الكروية الكاملة لكل منهما، فلن نحتاج لكثير من الجهد، لنرى أن ميسي ورونالدو في مكانة مختلفة، والمسافة بينهما وبين صلاح لا زالت بعيدة جدًا. نجومية ميسي ورونالدو بدأت مبكرًا، الألقاب والبطولات، والشهرة والمجد، والنجومية والتأثير، كلها أشياء استطاعا تحقيقها منذ مواسمهما الأولى في الملاعب، والأهم هو قدرتهما على الاستمرار بنفس التوهج، لهذا العدد من السنوات. أما صلاح فقدم مسيرة جيدة مع بازل وفيورنتينا وروما، لكنها لن تكون مبهرة بالمرة، عندما نضعها أمام ما فعله ميسي ورونالدو في سنواتهما الأولى. انفجاره الحالى مع ليفربول، ما زال في عمر الزمن موسمًا واحدًا، يحتاج صلاح إلى أن يكرر ما يفعله الآن مع ليفربول في عدة مواسم قادمة – وهو قادر على ذلك – لكى يعوض تأخره النسبى فى التوهج، ولكى يثبت أنه ليس لاعب الموسم الواحد، أو مجرد ” ظاهرة ” كروية، ستأخذ وقتها وتنتهى سريعًا. ستحمل الأيام لنا الإجابة، فعندما يعتزل ميسي، ويترك رونالدو الملاعب، ويصل صلاح لمحطته الكروية الأخيرة، وقتها سنرى هل حقق صلاح مسيرة تساوى، أو تقترب، من مسيرة هذا الثنائى الخالد، أم أن المسافة بينهما ستبقى بعيدة.