وسط المفاوضات المتعرقلة بشأن سد النهضة ومحاولة الحكومة اتخاذ إجراءات بشأن استهلاكنا للمياه شاء القدر أن تحدث المناقشة اللطيفة التي أقصها عليكم فيما يلي والتي تعكس تفكير المواطن المصري في أزمة المياه المرتقبة.
كنت على موعد مع صديقة لي أمام محطة مترو المعادي وبصحبتي أولادي وأصدقائهم في السيارة، وفي أثناء بحثي عن مكان لانتظار السيارة وجدت واحدا من الباعة الجائلين أتوقع أن يكون في العقد الرابع من عمره علي أقصى تقدير يقوم باغتراف مياه نظيفة من صندوق لتبريد المياه “كولمان”، ورشها بكوب كبير حوله في الشارع أمام المحطة حوالي عشر مرات في الدقيقة الواحدة وسط مشهد حضاري جميل تتوسطه التكاتك السائرة بعكس الاتجاه والمكيروباصات المسرعة وسط صياح الكثيرين من مختلف المهن حول المحطة. وطبعا كعادتي جادهت نفسي لكي ألتزم الصمت ولكن سذاجتي المعتادة في الإيمان بأن التغيير يأتي بيد كل منا، وضرورة أن أكون مواطنة إيجابية قررت التحدث إليه ودار الحوار الآتي:
نرشح لك – بين صلاح وميسي ورونالدو.. المسافة لا تزال بعيدة
“حرام كده علي فكرة.. المية دي مش هتلاقوها كمان خمس سنين”، قلت له
نظر إلي الشاب نظرة كلها ثقة وصمت برهة وهو يهز رأسه بعلامة النفي ونصف ابتسامة ثقة تعتري وجهه ثم قال بمنتهي الهدوء: “مش هيحصل على فكرة، عارفة ليه؟”
أجبت وكلي أمل في أن يكون هناك سبب مقنع وراء تلك الاجابة.. ليه بقي؟
قال وهو يشير إلي السماء بحركة لم أفهم علاقتها بالاجابة: “عشان الرسول قال الخير في وقي أمتي إلي يوم الدين!”
لحظات ذهول قطعتها بسؤال ما زال يحمل بعض الأمل في المناقشة.. هو ده سندك؟!
– أه القرآن بيقوللي كده أمال إيه؟!
– فأنت على أساس كده بترش مياه من غير حساب!
– انا متعلم عشان تبقي عارفة متكلمنيش كده
-طب اقرأ واعرف الأول ليه الميه دي مش هتلاقيها كمان كام سنة
-أنا مش محتاج اقرأ أنا رسولي قالي كده وديني بيقوللي كده
– ولما أنت متعلم.. ربنا ودينك مقالش برضه أننا منسرفش؟ ده هدر كده أنت بتهدر ميه نضيفة. هتستفيد ايه لما ترميها في الأرض؟
أجابني وقد بدأ بإظهار علامات الضيق.. “هما شوية المية دول اللي مضايقينك؟ يعني هو احنا بقالنا 30 سنة في نهب وسرقة وأنت جاية تقوليلي على المية
في إصرار غريب من الشخصية الساذجة المتفائلة بداخلي أكملت حديثي قائلة: “أيوه برضه إيه علاقة ده بده؟ مش الميه دي إحنا أولى بيها بدل ما تترمي علي الأرض؟ جاوبني في الموضوع اللي إحنا فيه مش ترمي علي مشاكل تانية ملهاش علاقة.
تدخل شخص آخر يقف إلى جانبه في محاولة منه لتهدئة أعصاب البائع وهمس إليه ببعض الكلمات التي لم أسمعها ولكني أدركت أنها من نوعية “سيبك منها دي مجنونة” أو شيء من هذا القبيل.
هز رأسه يمينا ويساراً بما يشير بقفدانه الأمل في الوصول معي لشيء ثم قال: “بقولك إيه انتي مش جاية تركني؟ وأشار بيده بما معناه اتفضلي وأكمل باليد الأخري رش المياه علي الأرض.
تزامن ذلك مع وصول صديقتي وتحركي بالسيارة لأقضي رحلة العودة للمنزل وسط أسئلة كثيرة من ابني الكبير أهمها: هو الراجل كان بيرش ميه ليه؟ هو ليه مش هيكون عندنا ميه بعد خمس سنين؟ هو الراجل كان بيرش ميه ليه؟ هو الرسول قال الميه مش هتخلص؟ هو الراجل كان بيرش ميه ليه؟
ولا أجد إجابة مناسبة حتي يومنا هذا
مفيش فايدة…