عرف التاريخ أسماء ملوك ورؤساء مدخنين، قادوا شعوبهم بالسيجار والبايب، سواء على الصعيد العالمي أو حتى في عالمنا العربي، ففي مصر تحديدًا أشارت تقارير إلى أن محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، ظهرت له إحدى الصور وهو يدخن الشيشة، وصورة أخرى وهو يدخن البايب، والملك فاروق الأول كذلك عرف عنه أنه كان يدخن وبشراهة سواء الشيشة أو البايب أو السجائر العادية. واشتهر جمال عبد الناصر بالتدخين طيلة الوقت، ولحق به الرئيس السادات الذي قاد مصر بالبايب.
نرشح لك: ٩٠ عامًا على ميلاد مبارك (ملف خاص)
فماذا عن مبارك الذي حكم مصر 30 سنة؟
“عُرف عن مبارك رفضه الدائم للحديث عن حياته الشخصية وتفاصيلها، وعرف عنه. كذلك أنه رجل رياضي يستيقظ في السادسة صباحًا، ويمارس رياضة الإسكواش ولا يدخن أو يشرب الخمور”.
هذا ما قالته “بي بي سي” في أحد تقاريرها عن مبارك، لكن تقارير وشهادات أخرى من شخصيات تعاملت مع الرئيس الأسبق عن قرب، أشارت إلى أن مبارك كان يحب أن يدخن “السيجار”، لكنه كان حريصًا على ألا ترصد عدسات الكاميرات ذلك، إلا أن صورة واحدة التقطت له في أولى سنوات حكمه وهو يدخن.
نرشح لك: بحكم المحكمة.. إلغاء منع حفيد “مبارك” من السفر
قبل أربع سنوات، عرض الإعلامي أحمد شوبير في برنامج “الملعب” الذي كان يعرض على شاشة “cbc two”، فيديو نادر للرئيس الأسبق، مبارك، في أول سنة حكم مصر فيها، أثناء حضوره أحد مباريات كرة القدم عام 1982، بحضور مسئولين مصريين، بينهم الراحل فؤاد محي الدين، رئيس الوزراء وقتها، ووزير الدفاع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، وسيد محمد أحمد رئيس اتحاد الكرة ورئيس الاتحاد الإفريقي وقتها، وآخرين.
“السيجار الأبهة”
حين تحدّث الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل عن “مبارك وزمانه”، في كتابين صدرا عن دار الشروق، وفتح فيهما هيكل صندوق أسرار أيام مبارك، ليكشف فيها عن العديد من الألغاز والأسرار التي لم يعرفها المصريون عن حاكمهم، ولغز رجل حكم مصر ثلاثين سنة؛ أشار الكاتب الكبير في كتابه “مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان” إلى ما دار بينه وبين مبارك، في لقاء جمعهما في أولى سنوات حكم الأخير، بعد أن أفرج عن من طالتهم اعتقالات سبتمبر الشهيرة، في عهد سلفه محمد أنور السادات.
يكشف “هيكل” تفاصيل اللقاء، ويذكر أن مبارك كان مدخنًا للسيجار، وأنه كان يدخن سيجارًا واحدًا في اليوم، ومضى يقول أنه فوجىء أثناء جلوسه مع مبارك بأنه قام بتدخين سيجار وأبدى تعجبه لاعتقاده أن مبارك لا يدخن، ثم دار حديث بين هيكل ومبارك عن أنواع السيجار، ظهر فيه معرفة هيكل التامة لأصناف السيجار الأصلى منها والمضروب، وكيف أن نوع سيجار مبارك لم يكن الأجود.
يقول “هيكل”: “سألني مبارك: ألا تريد أن تدخن سيجارًا، أنا أعرف أنك من مدخني السيجار، وأنا مثلك. وأبديت الدهشة، فقال إنه لا يظهر في الصور بالسيجار لكي يتجنب (القرشنة)!، لكنه يدخن سيجارًا واحدًا كل يوم، ثم ضغط على جرس يطلب صندوق السيجار”. يضيف: “وجاء الصندوق مع أحد الضباط، وطلب مبارك تقديمه إليّ بالإشارة، وأخذت منه سيجارًا، وأخذ هو سيجارًا. ثم سألني وهو يراني أشعل عود كبريت: سيجار كويس؟!!”.
نرشح لك: كواليس 30 سنة تصوير لـ مبارك.. من قصر الطاهرة للكعبة المشرفة
تابع: “ولم أقل شيئًا، ويظهر أني أحس أنني لا أشاركه الرأي، وقلت بكل احترام، الحقيقة أنه مقبول. وقال مبارك باستنكار: إيه؟ّ، هذا روميو وجوليت. وقلت: الشركة التي تنتج سيجار روميو وجوليت تنتج أكثر من 75 نوعًا بعلامتها وكل نوع منها مختلف عن الأخر. وسأل مبارك باهتمام: أمال إيه بقى السيجار الكويس”. وطلب “هيكل” بعد استئذان مبارك بأن يأتى السائق بعلبة سيجاره التى تركها فى سيارته لاعتقاده بأن مبارك لا يدخن، وجاءت العلبة و”عرضت على الرئيس مبارك أن يتفضّل، فأخذ واحدًا منها أشعله، وكانت ملاحظته: والله أحسن فعلًا، غريبة جدًا!”.
واستعاد مبارك ذكرياته حين كان يتدرب في الاتحاد السوفيتي كطيار، ومضى يقول: “عندما كنا نتدرب في الاتحاد السوڤييتي كطيارين، كنا نشتري هذا السيجار الذي لم يعجبك!!، ونبعث به إلى قادة السلاح، وكانوا يعتبرون ذلك فخفخة!”. وأعجب مبارك بسيجار هيكل، ودعا أحد الضباط وطلب من هيكل أن يملي عليه “كل أنواع السيجار الكويس”، وحين أخبره هيكل بأن لكل نوع من السيجار مذاقه الخاص، قال مبارك: “معلش ملّيه كل الأنواع الأبهة (المتميزة)”.
يكمل “هيكل”: “وكان الضابط قد أسرع وجاء بورقة وقلم مستعدًا لكي أملّيه. وعاد مبارك إلى تجربة السيجار الذي قدمته له وقال: فعلًا كويس جدًا، ثم أضاف ضاحكًا: يا أخي عاوزين نتعلم العزّ”. تابع مبارك وقال لهيكل إنه لاحظ أن كل الرؤساء الأمريكان يدخنون سيجارًا، ويمارسون لعبة الجولف، وأنت أيضا تلعب الجولف”، ليرد هيكل بسرعة: “صحيح، ولكن بدون رئاسة”.
سيجار مبارك واجتماع “الببلاوي”
في كتابه “شخصيات على مسيرتي”، ذكر حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر الأسبق، تفاصيل لقاء جمعه بمبارك، وقصة السيجار الذي قذفه مبارك إليه، في أول اجتماع بعد توليه الرئاسة. حينها كان الببلاوي رئيسًا للبنك المصري لتنمية الصادرات، يقول: “أما مبارك فقد التقيت به مرات عديدة من خلال اجتماعات اللجنة الوزارية الاقتصادية التى كان يدعو إليها لمناقشة الأوضاع الاقتصادية؛ حيث كنت آنذاك رئيسًا للبنك المصري لتنمية الصادرات، وكانت تتم دعوتي لهذه الاجتماعات التي كانت تضم إلى جانب رئيس الوزراء، وزراء المجموعة الاقتصادية ورئيسي مجلسي الشعب والشورى وأمين اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني. وكنت الوحيد في هذه الاجتماعات من خارج المسئولين السياسيين، وأصغرهم سنًّا ومقامًا؛ ولذلك كان مكاني في الجلوس في آخر طاولة الاجتماعات والأقرب إلى باب الخروج”.
يضيف الببلاوي: “في أول اجتماع لي بدأت المناقشات تتشعب وتنتقل من موضوع إلى موضوع دون حسم وتدخل في تفصيلات فرعية، وشعرت حينذاك بأنني غريب. ولذلك، فعندما جاء الساعي لتوزيع القهوة والشاى على الحاضرين، سحبت مقعدى إلى الوراء وأخرجت سيجارًا وأشعلته مع شرب القهوة. ويبدو أن الرئيس لاحظ هذا الانفصال النفسي، فتوقف عن الحديث ونظر إليَّ قائلًا: «يا جماعة، أصل حازم عائد من الكويت وتعود على تدخين السيجار». ثم أخرج من جيبه سيجارًا محترمًا وقذف به لي من أول المنضدة. وتلقفت السيجار ووضعته أمامي”.
شهادة قائد طائرات الرئاسة
في شهر سبتمبر من العام 2014، استضاف الإعلامي محمد علي خير في برنامجه “مساء الخير” على شاشة“cbc two” وقتها، قائد طائرات الرئاسة الأسبق، اللواء طيار محمد أبو بكر حامد، وذكر الأخير أنه كان يدخن بشراهة، مضيفًا أن الرئيس مبارك كان عكس سابقيه عدوًا للتدخين، وتابع: “أحب أن تكون طلعات الرئيس قليلة، لأن المسئولية تكون كبيرة علىَّ ولأني كنت أدخن سجائر بشراهة، ومبارك مثلاً لا يحب السجائر إطلاقًا، وكان يمنع التدخين في الطائرة نهائيًا”.