على مدار سنوات عديدة شكَّل الفنان فضل شاكر مشاعر الملايين في المنطقة من شرقها لغربها؛ كلمات أغانيه كانت الرسول بين العشَّاق ومثَّل صوته لسان حالهم. لم يكن فضل مطربًا عاديًا أو محدود التأثير بل تخطت قاعدة عشاقه ومعجبيه أسماءً كبيرة في عالم الطرب، هذه القاعدة وهذا التأثير الطاغي هو ما يعطي لفضل شاكر الآن قبلة الحياة ويحمله مرة أخرى لمكانة متقدمة بعد ما بشر بالإرهاب وغلب ثقافة الموت واللا إنسانية على الحب والسلام اللذين بشَّر بهما صوته لسنوات. فمعظم من يدافعون عن حق فضل في العودة لممارسة فنه بعد إعلان تبرئه مما كان عليه من عنف ودعوات للقتل والتنكيل، يستندون على تأثيره وجمال صوته وما قدمه في سنوات ماضية تبدو بعيدة جدًا، محى جمالها ما تلى عام 2012 بعد ما أعلن شاكر اعتزاله بنظرة دونية لفنه، وانسياقه شيئًا فشيئًا ناحية أحد تجار الدين وهو أحمد الأسير.
اقرأ وجهة نظر أخرى لمصطفى حمدي
مما لا شك فيه أن الوضع في لبنان معقد ومتشابك ومحاولة فك طلاسمه صعبة، وبالتالي بيان مدى تأثر “فضل” بالسياسية والأحداث هناك -على غير اللبنانيين الذين لا يعرفون الكثير عن تفاصيل الصراعات هناك- قد يمنح “فضل” أفضلية أن يكون الصراع السياسي غير المفهوم هو السبب فيما حدث، أي أن من هم خارج لبنان يلتمسون لفضل الأعذار متذرعين بالوضع المعقد في لبنان دون أن يدركوا أن اللبنانيين أنفسهم لا يدعمون فضل بهذا الشكل وأنه ما زال حتى الآن هارب من تنفيذ حكم قضائي؛ صحيح أنه لم يشمت في موت ضباط من الجيش اللبناني وشماتته جاءت في خصوم سياسيين يحملون نفس جنسيته، لكنه بشكل غير مباشر دعم التحريض ضد جيش دولته وهدد مسئولين ومدنيين في عدد من المقاطع المصورة؛ في أحدها يتوعد مسئولا في بلدة صيدا، وفي آخر ينفي مقتله ويتمنى أن ينال ما أسماه الشهادة التي نالها من أسماهم “المجاهدين”.
مع كل هذا الرفض والحملة الدعائية الممنهجة لتلميع فضل بعد انحسار المد الإرهابي الممثل في الجماعات الدينية المتطرفة التي اعتلت سدة الحكم في عدد من البلدان بعد 2011، والتي لا يخفى على أي شخص أنها احترافية جدًا تعتمد على السوشيال ميديا بالأساس وقدرتها على تغيير كل شيء، بعد عدد من الرسوم البيانية المصممة بحرفية، مع مقاطع مصورة تدافع عن فضل وتحصر شماتته وترويجه للقتل في نطاق الخصومة السياسية فقط، تبعتها عدد من اللقاءات التليفزيونية التي يظهر فيها فضل بوجه حليق بريء يرسم لنفسه صورة جديدة؛ وعندما لم يُجدِ ذلك نفعًا ولم يحدث التأثير المطلوب، يجد فضل منصة أخرى لكنها هذه المرة من مصر عندما لم يدعمه اللبنانيون ولم يُقدم أحدهم على منحه هذه الفرصة، منحه تتر مسلسل مصري الفرصة.
اختيار فضل لغناء تتر مسلسل “لدينا أقوال أخرى” الذي تنتجه شركة “العدل جروب” ومن بطولة يسرا، هو حق أصيل لهم، لا يمكن مناقشته فنيًا، ففي النهاية هو خيارهم، لكن انتقاده ورفضه هو أمر مشروع خاصة وأن نجوم هذا العمل رأيهم واضح ومعلن فيما يتعلق بالإرهاب وهو رفضه بشكل قاطع، فكيف الحال وهم يجلبون صوت شخص مدان بحكم قضائي داعم للإرهاب مشكوك في تبرئه من أفكاره الهدامة كونه قفز من المركب مع بداية تضييق الخناق على مولاه أحمد الأسير؛ وفوق كل هذا لا يدعمه أهل بلده ومواطنيه! انتقاد قرار “العدل جروب” هو أمر مشروع إن لم يكن رفضًا لما يمثله فضل وما فعله فللغيرة على ما قدمه هولاء النجوم من فن نبذه فضل يومًا، وما يمثلونه حاليًا من آراء واتجاه فني.
نرشح لك: تعليق عمرو مصطفى على عودة فضل شاكر
فضل الآن ليس الفنان الذي كان، بل شخص يلتمس في ماضي مجيد طوقًا للنجاة من عبء أخلاقي لن يُمحى لمجرد أنه نبذه، فلا يمكن سحب الدعم المعنوي الذي قدمه المطرب الحنون للإرهابيين ولا يمكن سحب التأثير الذي مارسه على العديدين؛ بعضهم حمل السلاح وقتل وعذب وشرد. لم يهذب الفن فضل ويرقق مشاعره على العكس، طوَّع فضل صوته لخدمة القتل والموت وأنشد له؛ لم يؤمن فضل بفنه مثله كمثل الكثير من النماذج في مصر والمنطقة من فنانيين أعلنوا تبرأهم مما قدموه ودعى بعضهم لحرق أعماله.
عدد أقل من هؤلاء النجوم تطرفا ووصلوا لمرحلة فضل وما زالوا مستمرين في دعمهم للإرهاب؛ فهل سيأتى اليوم الذى يعلن بعضهم رجوعه تحت دعوى التسامح ويجد من يدافع عنه كما الحال مع فضل؟! هل يتخيل المدافعون لو كان أحدهم وقف أمام فضل شاكر بسلاحه المرخص ورجاله وأعلن أنه ضد أفكاره في مرحلة تبعيته لأحمد الأسير، أو لو كان الأسير ورجاله –وفضل منهم- تمكنوا وانتصروا وانضموا لإخوانهم في سوريا والعراق بعد نجاح مدوٍ، هل كان فضل وقتها سيطلب الصفح والسماح ويعلن تبرأه من الدم والقتل؟!.. أشك.