الأب الروحى.. عندما تصنع «الملحمة» وجوهًا جديدة

نقـلاً عن المقال

إيمان مندور

طبيعى جدًّا ومطلوب باستمرار أن تحدث تغيُّرات وتحولات فى الساحة الفنية باستمرار، ويصبح لكل فترة «الموضة» الخاصة بها، والتى ما تلبث أن يتم تركها والانتقال إلى غيرها، وليس شرطًا أن تكون الأفضل، بل قد تكون هى «ما يطلبه المشاهدون» فقط.

وعليه، فإنه من الملاحظ الآن أن هناك توجهًا حديثًا يتمثل فى إطلاق عدد كبير من الوجوه الجديدة، لا سيما بعد النجاح الذى حققته بعض التجارب الفنية، والتى كانت قائمة بالكامل على فكرة صناعة أبطال جدد لم يكونوا معروفين من قبل، مثل تجربة «مسرح مصر»، فعلى الرغم من الانتقادات التى وجهت إليه فإنه يُعد تجربة تستحق التكرار «من حيث فكرة إظهار المواهب الجديدة» فى السينما والدراما والمسرح.

نجاح صناعة الوجوه الجديدة مؤخرًا وتحقيق جماهيرية كبيرة من خلالهم «قلَب الموازين» -إن جاز التعبير- وصار أغلب صنَّاع السينما والدراما يلجؤون إلى الموهوبين من هذه الوجوه، حتى يحصلوا على قدر لا بأس به من النجاح «المضمون»، وكأن النجاح الفنى الآن صار يكتمل بالتوازن بين خبرة الأوائل و«زهوة» موهبة الجدد.
مسلسل «الأب الروحى» للمنتجين ريمون مقار ومحمد محمود عبد العزيز، الذى يُعرض الجزء الثانى منه الآن عبر قناة «dmc»، نجح فى تحقيق المعادلة السابق ذكرها، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع المسلسل إلا أنه لا يمكن إنكار الشعبية التى حققها منذ الموسم الأول منه، مما لفت أنظار النقاد إليه، والذين كان لهم العديد من الملاحظات الفنية التى ربما تختلف -إلى حد ما- مع آراء الجمهور، لكن ما اجتمع كلاهما على الإشادة به كان ظهور وجوه جديدة على الساحة الفنية أثبتت قدرتها على الأداء التمثيلى الجيد.

نرشح لك: د. محمد فياض يكتب: لا تقتلوا فضل شاكر

بإعادة النظر فى تاريخ هذه الوجوه الشابه، التى تم تعريفها فى تتر العمل باعتبارها وجوهًا جديدة، نكتشف أن بعضهم ليسوا كذلك، بل قدموا أدوارًا فنية «صغيرة» سابقًا، بالتأكيد لم تُظهر موهبتهم الحقيقية خلالها كما حدث فى «الأب الروحى»، لكن على الأقل رأيناهم عبر الشاشات من قبل، لذلك سياسة تقديم «عدد كبير» من الوجوه الجديدة لأول مرة أو تلك التى لم تأخذ فرصتها، وتصعيد نجوم الصف الثانى إلى الصف الأول، بالإضافة إلى اكتشاف مؤلفين ومخرجين جدد، هى ميزة تُحسب لمجموعة «فنون مصر» فى أعمالها الأخيرة.

محمد عز يُعد الموهبة الأبرز فى موسمى المسلسل حتى الآن، فمشاركاته المحدودة جدًّا قبل ذلك فى مسلسلَى «قلوب» و«ليلة» لم يصل من خلالها إلى الجمهور كما ينبغى، لذلك دوره الرئيسى منحه هذه المرة فرصة أفضل للتعبير عن موهبته، بالإضافة إلى أن شخصية «يحيى العطار» لم تبتعد عن «عز» الحقيقى كثيرًا فى سمات «ابن البلد»، فكانت عاملًا إضافيًّا فى تقبُّل الشخصية المؤداة بالعمل.

أيضًا كريم عبد الخالق (الضابط يوسف) كان أداؤه لافتًا ويُحسب له فى أول تجربة مهمة أمام الكاميرا، بعدما قدَّم قبل ذلك دورًا صغيرًا فى الجزء الأول من مسلسل «شارع عبد العزيز»، وكذلك فى مسلسل «ذهاب وعودة» من بطولة أحمد السقا، والذى لم يقابله وجهًا لوجه فى العمل، فكل مشاهده كانت مع طارق الإبيارى وياسر الطوبجى.

لكن بتوسيع دائرة اكتشاف المواهب، نجد أنه ربما تكون فكرة «الوجوه الجديدة» تحققت بمعنى أشمل على الكثير من أبطال المسلسل من النجوم الكبار، والذين اختلف أداؤهم الفنى هذه المرة عن كل ما رأيناه سابقًا لهم سواء بالسلب أو بالإيجاب، أو على الأقل أعاد إلى الأذهان فترات تألقهم السابقة فى فترة التسعينيات وبداية الألفية الثانية، فبدوا كأننا نراهم لأول مرة.

الفنان أحمد عبد العزيز كان له النصيب الأكبر فى ذلك، حيث جسَّد شخصية «سليم العطار» تاجر السلاح الكبير الذى يتعهد رعاية العائلة، لتعود إلى مكانتها بعد تصاعد أزماتها مع العوائل المنافسة، عقب وفاة زعيم العائلة «زين العطار»، حيث يسعى الجميع لإسقاط وتفريق العائلة، لتحل محلها أخرى وتأخذ «نصيب الأسد» من تجارة السلاح.
عبد العزيز أجاد الدور بإتقان، فأعاد إلى الأذهان فترات تألقه فى «ذئاب الجبل» و«المال والبنون» و«سوق العصر»، رغم اختلاف دوره الحالى تمامًا عن طبيعة الشخصيات التى جسدها من قبل، أى أن العودة كانت للنجومية فى حد ذاتها لا الأداء التمثيلى المتقن فحسب.

أما محمد محمود عبد العزيز منتج المسلسل والذى يجسد شخصية «نوح»، فكان فى خانة وسط بين فريق العمل، فقد بدأ مسيرته فى التمثيل قبل نحو 18 عامًا، لكنها لم تكن مؤثرة للدرجة التى تجعله «نجمًا»، فبالتالى النجاح فى تجسيد شخصية «نوح» بكل جوانبها من الغموض والإجرام الذى تتسلل من داخله إشارات ضعف وإنسانية فى تعلقه بابنته قبل وبعد مقتلها، لا يعيده إلى الأذهان كنجم كبير ولا يكشفه للجمهور كوجه جديد، ولكنه خطوة كبيرة ومؤثرة فى مسيرته بالتمثيل جاءت بعد سلسلة خطوات لم تكن على نفس القدر من الفاعلية.

مسلسل «الأب الروحى» المستوحى من الفيلم الأمريكى الشهير «The Godfather»، لا يُعد نسخة «ممصرة» منه، كما صرَّح هانى سرحان مؤلف المسلسل، بل «ملحمة» أخذت منه الروح فقط، على حد قوله. لكن فى النهاية، لو ابتعدنا قليلًا عن عنف الأحداث والقتل والاشتباكات التى يدور حولها العمل، وبعض الأخطاء «الإخراجية» الواضحة التى وقعت فى كلا الجزأين، سنجد أن ميزة المسلسل الكبرى هى تلك المواهب التى تختلف تفاصيل كل منها عن الأخرى، لكنها تتفق جميعًا فى كونها جديدة على المشاهد.