نورا مجدي
مازجًا بين الطب والسياسة استطاع الفنان خالد الصاوي التوغل إلى قلوب وعقول المشاهدين من خلال شخصيته “سليمان العريني” التي جسدها في المسلسل الدرامي “خاتم سليمان” الذي خرج عقب ثورة يناير 2011 ليثبت للمشاهدين مدى براعة “الصاوي” في تقديم عمل درامي يحترم عقل المشاهد ويضعه في مكانة جديدة تثبت قدرته على تجسيد الشخصيات الدرامية لدرجة تقنع من يشاهده بأن هذه هي شخصيته الحقيقية دون تمثيل أو مغالاة.
نرشح لك: في ذكرى ميلاده الـ73.. “الغيطاني” المفتون بالوطن والإنسان
الجراح المتمرد على القوالب المجتمعية:
“سليمان العريني” ذلك الجراح الذي لا يهوى عالم الأضواء والشهرة، والتي تجرفه مهارته المهنية إليها دون إرادة منه، كما يحاول العالم من حوله أن يضعه في قالب دائمًا ما يتمرد للخروج منه ويلجأ لكل ما هو بسيط حتى يسترجع ذاته الضائعة وسط عالم المغريات من المال والشهرة والسلطة.
يمر جراح القلب العبقري والذي يكره السياسة والتعامل مع أصحاب السلطة والمكانات الاجتماعية الكبيرة -كما يصوره المسلسل- بالعديد من المواقف التي يضعها القدر أمامه، ويعاني من مشاكل وضغوطات بسبب تمسكه بمبادئه التي لا يتخلى عنها، لكن مع كل مشكلة دائما ما يظهر الحل حتى يصل إلى الحقيقة التي لم يكن يعرفها بسبب تعاملاته التلقائية التي قد تصل إلى حد السلبية، حتى تنكشف له حقيقة أقرب الناس إليه وهي زوجته التي تجري وراء المال والسلطة والتي جسدت دورها ببراعة “رانيا فريد شوقي”.
وبالوصول إلى ذروة الأحداث وتعقدها يجسد المسلسل فترة قيام الثورة ودور الشباب الواعي في الوقوف ضد فساد السلطة، حتى تصبح الثورة هي “الحل” الذي يُخرج الجراح من أزمته ليتحول إلى علاج المرضى من مصابي الثورة لينتهي العمل الذي يشعر المتفرج بعد مشاهدته بأنه قد عايش الأحداث التي عاشها من قبل بصورة أخرى أقرب إلى تجسيد الواقع ببساطة دون مزايدات.
“الصاوي” وجه واحد لتركيبة متعددة الأبعاد:
ورغم بساطة شخصية سليمان العريني ونجاح “الصاوي” في تجسيدها بأفضل شكل ممكن، إلا أنه بعد مرور نحو 7 سنوات على عرض ذلك العمل الدرامي ضمن السباق الرمضاني لعام 2011، إلا أن الجمهور من عشاق ذلك العمل لا يزال يتذكر الشخصية بكافة تفاصيلها حتى أن بعضهم أصبح يتصور شخصية خالد الصاوي الحقيقية في صورة سليمان العريني التي قدمها في العمل من شدة اقتناعهم بالشخصية وارتباطهم بها ورغبتهم في وجود مثل هذه الشخصية على أرض الواقع.
ورغم تجسيد خالد الصاوي للعديد من الشخصيات المميزة والمختلفة والتي نجح في ترك بصمته بها مثل هشام المراغي المحامي في مسلسل قانون المراغي، الضابط حسن محفوظ في “أهل كايرو”، والمعتقل السياسي في “هي ودافنشي” أو أدواره السينمائية في أعمال مثل الضابط رشدي في “الجزيرة”، فادي رجل الأعمال في فيلم “ظرف طارق”، الدكتور شريف والجن الذي يسيطر عليه في “الفيل الأزرق”، الضابط سعيد في فيلم “أبو علي”، الطبيب النفسي في “كدة رضا” وغيرهم من الأدوار اللامعة إلا أن شخصية سليمان العريني في “خاتم سليمان” ظلت الأقرب للصورة التي رسمها الجمهور لشخصية خالد الصاوي في أذهانهم.
لماذا أحب جمهور “الصاوي” سليمان العريني؟
قد يرجع ذلك لعدد من الأسباب منها قوة معايشة خالد الصاوي لكافة تفاصيل شخصية سليمان العريني وقدرته على عكس تلك التفاصيل أمام الشاشة، ورغبة الجمهور في رؤية الجانب الإنساني الخيّر من شخصية “الصاوي” والتي تجسدت ببراعة في هذا العمل بالإضافة إلى أن الأدوار التي يجسدها دائمًا ما تمتاز بتركيبة خاصة تعكس جانب يمثل الخير أو الشر أو كلاهما بالإضافة إلى تجسيده لدور ضابط الشرطة باختلاف شخصياته في عدة أعمال، فكان لا بد له من الخروج من ذلك النطاق لجانب آخر لم يراه الجمهور.
سبب آخر هو أن سليمان العريني قد يمثل لبعض الشباب فكرة “الأب الروحي” والتي ظهرت من خلال تعاملاته وتبنيه للشباب الذي لا يجد من يمد له يد العون، بالإضافة للجانب الكوميدي الذي يظهر أحيانًا في بعض المشاهد رغم جدية الأحداث، وصورة الأب الذي يحاول تأمين مستقبل ابنته ومساعدتها في المشكلات التي مرت بالحلقات الأولى من العمل، بالإضافة إلى الصورة الإيجابية التي رسمها الصاوي بشكل عام طوال أحداث المسلسل ليثبتت للجمهور أن الخير لا يزال موجود رغم سيطرة الشر على النفوس.
غياب للعام الثاني عن الدراما الرمضانية:
ظهرت شخصية “سليمان العريني” في مسلسل خاتم سليمان الذي عُرض ضمن السباق الرمضاني لعام 2011 عقب الثورة، وقدم الصاوي قبلها عملين وهما قانون المراغي في رمضان 2009 وأهل كايرو في رمضان 2010، وقدم أيضا مسلسل “على كف عفريت” الذي لم يلحق برمضان 2012 ليدخل ضمن السباق الرمضاني لعام 2013، ثم تفاحة آدم في رمضان 2014، والصعلوك في رمضان 2015، هي ودافنشي رمضان 2016، ولم يقدم الصاوي أية أعمال درامية رمضانية من بعدها ليتغيب الصاوي لأول مرة خلال العشر سنوات الأخيرة عن السباق الرمضاني لعامين متتاليين 2017، 2018.
وبغياب “الصاوي” تفتقد الدراما الرمضانية للعام الثاني على التوالي، فنان اعتاد الجمهور على متابعة أعماله المختلفة والتي تهدف دائمًا لمناقشة قضايا هامة من خلال أبعاد يمكننا وصفها بالـ “فلسفية” إلى حد كبير.