عشاق أدب نجيب محفوظ، لن يجدوا حتى الساعة أثراً لقصته القصيرة “الشريدة” في مسلسل “طريق” إلا في تتره، حيث تم الإشارة بوضوح إلى أن المسلسل مأخوذ عنها.
نرشح لك: عبد الله غلوش يكتب: غلوشيات رمضانية (3)
ما كشفته الحلقات الأربعة الأولى من علاقة واهية بين المسلسل والأصل المحفوظي (نسبة لنجيب محفوط)، كنا أثرناه منذ بدء الترويج الإعلاني للمسلسل، حين قلنا أن ما رشح من معلومات عن المسلسل يؤكد بأن ما من تقاطع -كلي أو جزئي- بين حكايته وقصة “الشريدة”، ورغم أننا لم نلتقط وقتها أية ردود أفعال تجاهنا، إلا أن استجابة غير معلنة لما كتبناه حصلت على ما يبدو، بتغيير المسميات التي توضح علاقة المسلسل مع الأصل الأدبي، إذ كان البوستر الرسمي للمسلسل يشير صراحة إلى صفة “الإعداد الدرامي” عن قصة محفوظ للكاتبة سلام كسيري، والمعالجة الدرامية للكاتبة فرح شيا، ثم تغيرت صفة الإعداد تلك في تتر المسلسل لتصير “تأليف وسيناريو وحوار سلام كسيري وفرح شيا).. مع الاحتفاظ بالإشارة إلى أن المسلسل مأخوذ عن قصة “الشريدة” للأديب العالمي نجيب محفوظ.
الاختلاف السابق بين البوستر الرسمي للمسلسل وتتره، كان إشارة واضحة من صناعه إلى أن طبيعة العلاقة بين مسلسلهم و قصة محفوظ، هي “اقتباس”.. ويعرف هذا الأخير، بحسب المعجم المسرحي للدكتورة ماري إلياس، والدكتورة حنان قصاب حسن، بأنه (عملية إعادة الكتابة بشكل كلي مع الحفاظ على الفكرة.. وتتم عملية الاقتباس هذه من خلال أخذ الخطوط الرئيسية للحكاية، أو الفكرة، وخلق مواقف جديدة مختلفة تماماً، وغالباً ما يهمل في هذه الحالة ذكر الأصل الذي اقتبس عنه العمل الأدبي، وفي بعض الحالات يشار بشكل أو بآخر إلى الأصل).
واعتماداً على التعريف الأكاديمي السابق لمفهوم “الاقتباس”، تشي المقارنة بين ما رشحت عنه الحلقات الأربعة الأولى لمسلسل “طريق” مع “الشريدة”.. بأن هذا العمل لا يتقاطع حتى الساعة مع قصة محفوظ، لا من ناحية الخطوط الرئيسية للحكاية، ولا الفكرة، ولا ندرك أن كانت الحلقات المقبلة ستكشف عن تقاطع بين الاثنين في بعض من تفاصيلهما الدرامية.
نرشح لك: مواعيد 32 مسلسلًا في #رمضان_2018
بالمقابل يكشف ملخص حكاية “طريق” وتفاصيل حلقاته الأربعة، وفق جملة المقارنة ذاتها، إلى أن الأًصل الذي استند إليه صناع المسلسل في الإعداد الدرامي الجزئي لحكايته، هو الفيلم السينمائي “الشريدة” للمخرج أشرف فهمي والكاتب أحمد صالح لا قصة “الشريدة” لنجيب محفوظ، إذ يشير مسار حبكة المسلسل، وما رشح حتى الساعة عن شخصياته (المحامية أميرة والتاجر جابر)، أن هذا الأخير يستلهم من الفيلم فكرة العلاقة الزوجية المثقلة بالفارق الطبقي والتعليمي والثقافي بين الزوجين (المحامية ليلى والمقاول الثري الأمي فتحي)، قبل أن يفترق عنه ليصنع حكايته المختلفة بأحداث وحبكة درامية جديدة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفيلم أيضاً كان يشير صراحة إلى أن قصته مأخوذة عن قصة لنجيب محفوظ، إلا أن واقع الأمر يؤكد أن لا علاقة له أيضاً بقصة “الشريدة” لمحفوظ من قريب أو بعيد، إلى حد الذي أهمله محمود قاسم في كتابه “نجيب محفوظ بين الفيلم والرواية” حين تجاهل المقارنة بين النص الأدبي المحفوظي والنص السينمائي، مشيراً إلى (كاتب السيناريو أحمد صالح كتب سيناريو مختلفاً تماماً عن أقصوصة الشريدة).
قناعتنا بطبيعة العلاقة الواهية بين مسلسل “طريق” والأصل الأدبي”الشريدة لمحفوظ، ترافقت بعد مرور أربع حلقات من المسلسل مع انطباع إيجابي أولي عن المسلسل، يبشر بعمل لافت على صعيد جاذبية حكايته ورؤيته الاخراجية والأداء التمثيلي فيه ولاسيما من قبل نجمي العمل، إذ يحضر الفنان عابد فهد في أجمل حالاته التمثيلية في تجسيد شخصية جابر ، فيما تؤدي الفنانة نادين نجيم المطلوب منها بتمكن واضح…والصورة بمجملها تثير سؤالاً عن جدوى نسب حكاية درامية تبدو حتى الساعة ببنية درامية أصيلة قائمة بحد ذاتها، إلى أصل قصصي لنجيب محفوظ.
الأجوبة المحتملة عن السؤال السابق، كما نتصورها، تشي بأن أكثر الخاسرين من نسب العمل إلى قصة محفوظ، هم صناع العمل انفسهم، ولو أنهم أشاروا إلى أن الأصل الذي أعدوا عنه مسلسلهم هو فيلم “الشريدة” لكنا استمتعنا بحدوتة تلفزيونية جميلة، ونحن نعقد المقارنة بين المسلسل والفيلم ونجومهما، ولعلنا بنتيجة تلك المقارنة نرفع القبعة لصانعي المسلسل ونحن نرى كيف انطلقت فكرة عملهم من الأصل السينمائي، وكيف جرت عليها تحولات عديدة لتمضي بعيداً عن هذا الأصل إلى نقطة يخال لنا أنها فكرة أصيلة لا علاقة لها بسواها.