وائل الفشني.. أن تعيد صياغة الذهب

محمد البرمي

لا يحتاج صوته آلات موسيقية، يشبه كثيراً أصوات «حداء الإبل»، وأبطال «التنويحات» في الصعيد والصحراء في كل الحالات سيجذبك صوته إليه نواح أو نداء، يأخذك إلى حيث يريد وما يقدم أثبت بالدليل قدرته الفائقة على النجاح في تلك المنطقة إعادة تقديم التراث، لذا لم يكن غريباً أن يكون ظهوره في رمضان الماضي طاغياً بغنائه «سافر حبيبي» لمسلسل «واحة الغروب».

في رمضان الماضي كان «الفشني» الاسم الأكثر بحثًا على محركات البحث بعد ساعات من نشر تتر مسلسل واحة الغروب الذي كان أحد عوامل نجاح المسلسل ورواجه وبعد عام يعود من جديد ليستكمل رحلة ناجحة لإعادة التراث الصعيدي بتتر بداية ونهاية «طايع».

نرشح لك: 12 معلومة عن مغني تتر “واحة الغروب”.. أبرزها: ليس حفيد طه الفشني

وائل الفشني وإن كان لا يرتبط بصلة قرابة «قريبة» من مولانا «طه الفشني» لكنه لا يحتاجها فصوته ابن بكر لصوت أحد أعظم قراء القرآن.

عادة ما يكون تقليد شئ نجحت فيه أمر غير مقبول لكن في حالة وائل الفشني هو مقبول جداً فكرة إعادة إنتاج التراثيات والمواويل أو ما يقول عليه أهل الجنوب بـ«تنويحة» هو مشروع فني يستحق الاستمرار فيه خاصة وإن كان الرجل يقدم أشكال أخرى من الفنون لكن غريبها عادة ما يعلق بالأذهان.

بداية وائل الفشني بتتر «واحة الغروب» رغم أنه موال سبق وتغنى به العديد من المنشدين والمطربين إلا أنها وضعته في مكانة خاصة كأنها المرة الأولى التي تصدر تلك الكلمات من مطرب صوته كان قادراً على جذب انتباهك رغماً عنك.

رغم تقديم وائل الفشني عدد من الأغاني بعد تتر «واحة الغروب» إلا أن أكثر الأغاني التي علقت في الأذهان كانت تلك المأخوذة من التراث، وبمرور الوقت بدأ ذلك جلياً عندما استضافة برنامج «صاحبة السعادة» ليغني «واحة الغروب» مع أوركسترا، أن هذا الصوت لو تبني مشروع إعادة إحياء التراث الصعيدي فسيكون له شأن مختلف تماماً.

ليس عيباً أن يفعل ذلك ولن يكون بذلك كمن يكرر نفسه لكن الأصح أنه سيصبح صاحب مشروع فني مختلف ومتميز وتحتاجه الساحة إلى حد بعيد.

أعاد برنامج «صاحبة السعادة» التجربة من جديد ليفاجئنا بصوت وائل وموسيقى مودي الإمام وإعادة توزيع «عود لي يا بكرتي يا أم الجرس رنان»، التنويحة الرائعة التي قدمها مودي في فيلم الهروب للعملاق أحمد زكي لكن بصوت وائل الفشني كان لها شكل وطعم مختلف تماماً.

بالعودة إلى «عودلي» فالقصيدة يسمونها «تنويحة» وتعريفها هي أن حداء الإبل أو حادي الإبل وهو شخص يقوم بدور سائق القافلة للإبل في الصعيد بغزل الصوف أما التنويحة أو النواح فهي من أم لابنها تقول له :«يا بكر الديار يعنى يا ولدى أنت البكري بدر في البيت وعامل حس فيه رن الأجراس زى رنين الأجراس … أبى خدا البحور عايز تركب البحر و تسافر و تسيبنا …رجيت البلاد لفيت البلاد لأجل ألاقى الدفا يجمعنا “رنا” وفرحت انا لما لاقيت العهان اللى هي كرة الصوف أو بكرة الصوف علشان تغزل الصوف و ابنها يروح يبيعه و ميسافرش بعيد».

ربما وعي وائل الفشني ذلك، وربما يكون البعض رأى أن المكسب الحقيقي منه ومن موهبته حصره في تلك المنطقة تحديداً وذلك بدا واضحاً في تتر البداية والنهاية لمسلسل طايع الذي ينافس به الفنان عمرو يوسف في الموسم الرمضاني الحالي، ويجسد من خلاله عمرو يوسف شخصية صعيدية.

لو لم ينجح وائل الفشني نجاحا ساحقاً في تقديم تتر واحة الغروب بشكل مختلف وكذلك أغنية مثل المأخوذة من «الهروب» فمستحيل أن يحاول البعض تكرار التجربة لكن ذلك ما حدث في مقدمة المسلسل قدم «الفشني» جزء من فلكلور صعيدي.

كلمات تتر المقدمة تقول :« خسارة الحر لو داسه الزمان ورماه – مما جراله يروح عند الخسيس ورماه، بيبكي وينوح عيونه من البكا وارماه، وأقولك الجد يا أخي سيب الخسيس ورماه»

يا ليل يا ليل يا ليل يا عيني على اه

طبيب لجراح طلب الود ياما لح

جواني بالنار كيه جار وأنا حي

«شوفوا القسى في العمل والخبث وفاتونا – لو كانوا يا خلق بالمعروف فاتونا مكنتش أقول – اه يا عيش ويا ملحي

يا ليل يا ليل يا ليل يا عيني على آه – أشكو لمن رفع السما بلا عمد – إلهي تعالى مقتدر في علاه على ما جراليا ويح قلبي لما جرالي – صابر على حضن الكريم مولاه».

يا ليل يا ليل يا ليل يا عيني على اه

اسهر وحدي ولا اقولش آه ده الجرح باقي

ومش هنساه

في تتر النهاية كلمات لا تقل روعة عن المقدمة تقول :« كنت فين يا وعد يا مقدر كنت فين يا وعد

دي خزانة وبابها مسكر كنت فين يا وعد – كَنَّت فَيِن يا وَعَدَ يا مُقَدِّر كَنَّت فَيِن يا وَعَدَ – دِي خِزانَة وَبابها مُسْكِر كَنَّت فَيِن يا وَعَدَ معاي جرح وأنا طبيب جوة القلب وأنا سايعه مِعاِي جَرَحَ وَأَنا طَبِيب جَوّهُ القَلْب وَأَنّا سايعه»

ده الجرح بطران

ده الجرح بطران

مشروع الموسيقى والكلمات التي قدمها الفشني الذي بدأ في الغناء منذ 20 عامًا ودرس في إيطاليا كما تعلم على يد الموسيقار الدكتور فتحي سلامة، يستحق أن يستمر ويقدم فيه المزيد من تلك الألوان التي نفتقدها على الساحة خاصة وأن نجاحه الكبير في إعادتها في الأربع أعمال السابق ذكرها سيسهل عليه الكثير، هناك السيرة الهلالية والعديد من التراثيات الصعيدية والصحراوية تستحق أن تعاد.

ربما الكلام يتماشى مع ما سبق وذكره وائل الفشنفي في حوار سابق له بأنه أخذ طريقة غناء الموال في التتر من بلد والده نجع برطباط بالمنيا على طريق الواحات، حيث لديهم طريقة مختلفة في إلقاء المواويل والأشعار، فأخذ الطريقة ونسقها مع ألحان واحة الغروب ثم تبعها بأعمال مختلفة.

لذا فجزء من نجاح وائل الفشني سيستمر طالما كان مشروع إعادة أغنيات التراث الصعيدي خاصة الحكم ذات المعنى القيم، بجانب الابتهالات طريق ومنهج ومدرسة يضعها هو ويكون رائدها.