الشريط الأحمر.. نجاح هادئ دون ضجيج

رباب طلعت

خلال الأيام العشر الأولى التي مرت على بداية السباق الرمضاني، تزاحمت الأخبار حول بما يُقارب 30 عملًا تلفزيونيًا، سواءً كان بالمدح أو الذم، اصطياد الأخطاء، والهجوم على المُقصرين في أدوارهم، أضواء سلطت على ما يستحق وما دون ذلك، حربٌ خسر فيها الكثيرون، تجسدت معاني “النجاح الناعم” دون ضجيج، أو زوابع، أو مديح كاذب، وبعيدًا عن “البروبجاندا” وملايين الجنيهات على الدعاية الإعلانية، في تجربة شبابية، تُسمى “الشريط الأحمر”.

نرشح لك: مسلسل تلفزيوني يشارك فيه 4 مذيعين في رمضان 2018

نجح المسلسل المأخوذ من الـ”فورمات” الأسباني العالمي “red band society”، الذي تم إنتاجه في 15 دولة مختلفة، منها أمريكا، وأشرف على إنتاج النسخة الأمريكية المخرج الشهير ستيفن سبيلبرج، والذي حوله للعربية فريق الكتابة المكون من الإذاعي محمد فتحي، والإذاعية ياسمين نور الدين، والإذاعي حسام كامل، والمخرج محمد جمعة، في جذب قطاع كبير من المشاهدين، بمختلف أعمارهم، بالرغم من أنه موجه لفئة محددة وهي الشباب، وحجز مكانته الخاصة، والمختلفة، وسط دراما رمضان 2018.

يرجع نجاح “الشريط الأحمر”، لعدة أسباب بعيدة عن “البروبجاندا” والإعلانات ومظاهر تسويق الأعمال الدرامية، ويرصدها “إعلام دوت أورج” فيما يلي:

(1)

داخل أروقة مستشفى 57357، تبدأ القصة التي يعرفها الجميع ظاهريًا، ويكشف بواطنها شباب وأطفال صُغار السن، كبار الموهبة، والحلم، والغاية، هم أبطال العمل الرئيسيون، أعضاء فريق “الشريط الأحمر”: أحمد ماجد، أحمد هلال، أحمد خالد، نور إيهاب، يوسف حسام، معاذ نبيل، ويشاركهم البطولة أحمد فهمي، ونشوى مصطفى، وولاء الشريف، وسالي عبد السلام، وآخرين، فالفنانين الكبار، هم ضيوف الشرف في “الحدوتة”، لا أبطالها، ذلك الأمر الغريب على الدراما المصرية، التي تعتمد على أسماء النجوم الكبار في “جر رجل” المشاهد.

(2)

“الناس فاكرة انهم بيتعلموا الحياة برة.. احنا في المستشفى بنتعلمها أكتر بكتير، بنشوفها بشكل تاني”.. نشوى مصطفى “الشريط الأحمر”.

لا يقتصر وصف الفنانة ذلك، على من عاشوا التجربة، بمرافقة مرضاهم في مستشفى 57357، من أطفال السرطان، بل والمشاهدين الذين تعايشوا مع كل اللحظات التي تمر على أبطال العمل، كأنهم “منهم”، فالمسلسل يعكس الحالة الإنسانية لمرضى السرطان، وذويهم، من خلال الكثير من القصص الدرامية، التي لا تتعمق في وصفها الأحداث، مثل طلاق “كروانة” والتي تجسد دورها نشوى مصطفى، بعدما أصيب طفلها بحادثٍ أدخله في غيبوبة، وتمام المتعلق بجده والأخير يخاف من أن تُؤخذ حضانة حفيد منه، ورفيقه في الغرفة الذي يضربه والده، وشقيقة “ياسين” فاطمة عادل، المتعايشة مع مرض شقيقها منذ سنوات، ومساندتها لوالدة “نبيل”، المبتورة قدمه بسبب السرطان، والذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم، والطبيب أحمد فهمي، الذي يخفي وراءه سر حادثٍ لم تظهر روابطه بعد.

أحداث المسلسل أيضًا ليست فقط مجموعة من القصص المتشابكة، بل المشاعر الإنسانية المختلطة، والمختلفة، والتي تُجسد الصورة الحقيقية للنفس البشرية، ما بين الضعف والقوة، الحزن والفرح، الأمل واليأس، والأصدقاء، الذين يكونون فريق “الشريط الأحمر”، فـ”ياسين” المُشع بالبهجة والأمل، ينهار فور علمه باستكمال جرعة “الكيماوي”، و”نبيل” الخائف الضعيف يتحول لسندًا له، وبالرغم من تلك اللحظات الصعبة يحب “مريم” التي تمد الجميع بطاقة إيجابية ودائمة الابتسام، وهي تعيش مأساتها الشخصية مع مرضها.

(3)

كتابة السيناريو والحوار من أهم عوامل قوة المسلسل، فاللغة سهلة بسيطة شبابية، تُحافظ على الشكل الحضاري المتوسط لأغلب الأسرة المصرية، خالي من المبالغات اللفظية، أو الألفاظ الخارجة، والأهم أنه عبارة عن مقتطفات ورسائل صغيرة، يمكن اجتزائها، منفردة، بعيدة عن النص، والتعبير بها عن الكثير من المواقف الحياتية التي نتعرض لها، مثل جملة ياسين لنبيل، المشجعة له، قبل بتر قدمه: “ياسين اللي برجل واحدة عرف نفسه أكتر.. وده يخلينا كل ما بنفقد حاجة بنعرف نفسنا أكتر”.

كذلك حوارات الأطفال مع أنفسهم، ومع أسرهم، وكذلك ما يدور بين المرافقين، كلها رسائل إنسانية مؤثرة، يصعب عدم البكاء فيها، والأصعب ألا تبكي تأثرًا بلحظات الحلم والضحك والحب، والأشد صعوبة ألا تضحك معهم، في الكثير من المواقف الكوميدية التي يخلقونها، فالمسلسل جمله كلها في سياقها، وتُلخص الكثير مما لا يمكن سرده كاملًا في حياة المصابين بمرض السرطان وأسرهم.

(4)

اللقطات المؤثرة، في المسلسل كثيرة، خاصة تلك المتعلقة بالأحلام، على سبيل المثال مشهد “نبيل” قبل العملية، والذي طلب من الممرض المساعد له بأن “يركض” قبل أن تُبتر قدمه، وسؤال “تمام” لشقيقة “ياسين”: “هتعملي إيه لو أخوكي مات”، وإجابته عليها، وكذلك نشوى مصطفى أو “كراونة”، التي تستمر في حلمها بأن يستفيق ابنها من غيبوبته، وذلك الأخير ينجح في التواصل مع زملائه في المستشفى سواءً كان “نبيل” أثناء العملية، أو “تمام” الذي يسمعه ويشعر به.

(5)

بحسب تصريح الكاتب الصحفي محمد فتحي، المشرف على كتابة المسلسل المأخوذ عن فورمات عالمية، لـ”إعلام دوت أورج“، فقد تم تغيير جزءٍ بسيطٍ منه ليتناسب مع المجتمع المصري، ففي الأصلية، يجتمع الأطفال في مستشفى عام به كافة أنواع الأمراض، لكن صناع العمل رأوا أن الأفضل تسليط الضوء على مستشفى 57357، التي تم تصوير المسلسل فيها، وهي لا تستضيف سوى مرضى السرطان.

ذلك التغيير محمودًا لمراعاة كتاب العمل، لمصداقية طرح الفكرة على المشاهدين، دائمي الانتقاد لمثل تلك الأعمال المأخوذة عن فورمات أجنبية، لاحتوائها على أحداث في سياق الدراما لا تليق ولا تمس المجتمع المصري كما نعيشه.

من ضمن ملامسة أحداث المسلسل للواقع المصري، وبعد بتر قدم ياسين وإفاقته من العملية، قال في حواره مع الممرض المساعد له “أشرف”: “رجلي دي كان تمنها هيبقى في المستقبل 200 مليون نسمة هتقعد أبو مكة في بيتهم”، في إشارة منه إلى مكانة محمد صلاح الذي أصبح قدوة وهدفًا لكل الشباب.

(6)

على ذكر اسم مستشفى 57357 يجدر الإشارة إلى أن أرباح “الشريط الأحمر”، ستذهب لصالحها، لدعم جهودها المستمرة في محاربة مرض السرطان، ولذلك الهدف، خَدَمَ النص على تلك الغاية، فكان هناك العديد من المشاهد ضمن الأحداث، التي تعد بمثابة دعاية مجانية لها، مثل المشهد الذي جمع بين الدكتور حسام الذي يجسده أحمد فهمي، والصحفية التي تجسدها ولاء الشريف، عندما هاجمته بأنها رصدت خطأً هو أنهم يختارون مرضاهم، تلك الأزمة الشهيرة التي يهاجم بها البعض إدارة المستشفى، وقد أجابها بأنه لا يقبل فقط الحالات الميؤوس منها، لتوفير العلاج لمن لديهم أملًا في الشفاء، لإنقاذ أكبر قدرٍ ممكن من الحالات، كذلك المشاهد التي تصور أجزاءً من المستشفى، والفقرات الترفيهية فيها للأطفال.